في هذا اليوم تُقيم الكنيسة المُقدَّسَة تَذكار:
*الشّهيد في الكهنة باسيليوس أنقرة *الشّهيدة دروسيس الأنطاكيّة *الشّهيدة دروسيس الرّوميّة والعذارى الخمس اللّواتي معها *الشّهيدتان كلّينيكا وباسيليسّا *الجديد في الشّهداء أفثيميوس القسطنطينيّ *أبينا الجليل في القدّيسين بولس، أسقف ناربون *القدّيسة البارّة ليئة الأرملة *أبينا الجليل في القدّيسين ديوغراتيا، أسقف قرطاجة.
* * *
✤ القدّيس الجديد في الشّهداء أفثيميوس القسطنطيني (+1814 م)✤
وُلد لعائلة ورعة ميسورة من ديميتسان في البليوبونيز استقرّت في لاسي المولدافية. فيما كان يتابع تحصيله العلمي ملكت عليه الرّغبة في ان يترهّب في جبل آثوس. وإذ لم تتح له اضطرابات الحرب الرّوسية – التّركية (1806 م) فرصة بلوغ الجبل المقدّس، أقام، لبعض الوقت، في بوخارست الرّومانية. هناك أنسته المعاشرات الدّنيوية قصده المبارك وأغرقته في حياة الخطيئة. وإذ رغب في الفرار من تلك المعاشرات واللّجوء إلى القسطنطينية، جعل نفسه في خدمة أحد سفراء السّلطان. لكنه، في الطّريق إلى هناك، أنكر المسيح وقبل ختانًا بشريًا. رغم كلّ شيء لم تهجره نعمة الله. وإذ عذّبه ضميره، ذرف دموعًا سخيّة ودعا باسم يسوع. معلّموه الأتراك قلقوا عليه لما رأوه حزينًا ومنعوه من الخروج. فلما بلغوا أدرينوبوليس حاول، في غفلة عن الخدّام رفقته، الاتصال بكيرللس الأسقف، الّذي صار، فيما بعد، بطريركًا للقسطنطينية (1813 – 1818) ليعترف بخطيئته فلم يُوفَّق. أُلقي خارج الكاتدرائية هناك لأن من فيها خشي انتقام الأتراك. وجد أفثيميوس نفسه محبطًا حزينًا وسط سخرية الخدّام الآخرين منه. فلما بلغ القسطنطينية عرّج، سرًا، على البطريركية فاعترف بخطيئته وطلب تزويده بملابس مسيحية. هناك أيضًا ردّه الكاهن بعدما سمع اعترافه ولم يقبله. أخيرًا لجأ إلى السّفارة الرّوسية حيث كان معروفًا أيام الدّراسة، فأعطوه الألبسة الّتي طلب ورحّلوه، على ظهر باخرة، إلى جبل آثوس.
وصل أفثيميوس إلى الجبل المقدّس فتوقّف في دير اللّافرا الكبير ليلتقي البطريرك المنفي غريغوريوس الخامس القدّيس المعيّد له في 10 نيسان . أطلعه أفثيميوس على ما جرى له فأحاله البطريرك على أحد الشّيوخ المختبرين الّذي مسحه بالميرون، بعد أربعين يومًا من التّهيئة، واستعاده إلى حضن الكنيسة. للحال انتقل القدّيس إلى إسقيط القدّيسة حنّة، بجوار باسيليوس الكاهن الّذي كان قد خاطر بحياته مرارًا لمساعدة العديد من القدّيسين الشّهداء. لم يمض عليه هناك سوى عشرين يومًا حتّى أعطاه باسيليوس بركته ان يعود إلى القسطنطينية، وإذا سمحت له العناية الإلهية ان يعترف بارتداده إلى الإيمان بيسوع دون ان يعرّض نفسه من ذاته للخطر. وهكذا عاد إلى المدينة وأقام بقرب بيت أسياده السّابقين. وإذ التقى رفاقه القدامى لم يعرفوه. وما إن حلّ عيد التّجلّي حتّى قرّر ان يقبل الشّهادة بُعَيد القدّاس الإلهي. غير انه التقى راهبًا من اللّافرا ردّه عن قراره مقنعًا إياه بالعودة إلى الجبل المقدّس ليتهيّأ بالنّسك قبل ان يخوض المعركة الكبرى للشهادة.
لدى عودته إلى آثوس مرّ بعدد من الأديرة قبل ان يستقر في إسقيط السّابق المجيد التّابع لدير إيفيرون. هناك أُسلم إلى شيخ يدعى أكاكيوس. ولم يمض عليه وقت طويل حتّى تمكّن، بنعمة الله – وهو الشّاب ابن العشرين ربيعًا – من إخراس إرادة الجسد بالصّوم والأسهار والتّخلّي الكامل عن مشيئته الذّاتية. كلّ هذا أثار إعجاب الرّهبان الباقين إذ بدا لهم وكأن أفثيميوس انتقل إلى خارج هذا العالم وهو بعد فيه ولم يعد يحلم إلا بمجد الشّهادة والخيرات السّماوية. وكان كلّما استزاد من النّسك استضاء وجهه بفرح إلهي. أمر واحد كان يوجعه انه ليس له عدة أجساد يقدّمها على مذبح الحب الإلهي قربانًا.
فلما منح الرّبّ الإله اليقين لأكاكيوس الشّيخ ان تلميذه بات مهيّئًا للشهادة، ألبسه الإسكيم الكبير وغيّر له اسمه من الفثاريوس إلى أفثيميوس وسمح له ان يتهيّأ للجهاد. في هذا الإطار فاجأه عدة مرّات يتمرّس على مدّ عنقه متى حانت ساعة تنفيذ حكم الإعدام. مرة أخرى سأله ماذا تعني تلك الأرقام الّتي كان يخطّها على لوح: 5000، 3000، 2000 فأجاب انه إذ كان يصعب عليه أثناء رحلة العودة إتمام قانون صلاته وسجداته فإنه أراد استكمال فروضه سلفًا.
أخيرًا أشارت عليه والدة الإله في ظهورها له ان الوقت قد حان فودّع رفاق النّسك الّذين لاحظوا عطرًا سماويًا يعبق منه كالّذي يعبق أحيانًا من رفات القدّيسين. أبحر إلى القسطنطينية برفقة راهب يدعى جاورجيوس، مدرِّبًا لقدّيسين شهداء عديدين.
في أحد الشّعانين من السّنة 1814 لبس أفثيميوس اللّباس التّركي بدل ثوبه الرّهباني، وحمل في يديه، سلاحًا للمعركة، الصّليب وسعف النّخل الّتي جرى تبريكها ذلك اليوم. توجّه إلى قصر الوزير حيث اعترف، بصوت عال، انه ينكر الإسلام ويعود إلى المسيحية. فعل ذلك وداس لفّة رأسه الإسلامية، فظنّ الوزير ان الشّاب كان مجنونًا أو سكرانًا فأراد رميه خارجًا فأجاب أفثيميوس: “كلّا، بل أنا في كامل العقل ومستعدٌ لأن أموت لأجل المسيح إلهي!” وإذ أبدى قدّيسنا جسارة متنامية، خلال جلسات الاستجواب المتكرّرة والتّعذيبات، حكم الوزير بإعدامه. أبى أفثيميوس ان تُقيَّد يداه لأنه أتى إلى الموت عن رغبة لتكون له شركة في آلام الرّبّ يسوع المسيح. كان وجهه فرحًا وسيماؤه النّصرة وهو يحمل في يديه الصّليب وسعف النّخل. على هذه الصّورة عبر بالمدينة إلى موضع الإعدام وكان يسأل المسيحيّين على جانبي الطّريق الصّلاة والصّفح. فلما بلغ المكان المحدّد اتجه نحو الشّرق وصلّى ان تثبت الكنيسة الأرثوذكسية في الحقيقة وان يُعطى السّلام للعالم. وبعدما قبّل الصّليب مدّ للجلاّد عنقه. غير ان السّيّاف أخطأ الهدف فقال له أفثيميوس: إضرب جيدًا! فضرب الجلاّد ثانية فلم يتمكّن سوى من بتر قطعة من اللّحم وحسب. عند ذلك استبدّ بالسّيّاف الغيظ فانقض على القدّيس وذبحه كالخروف. وقد شهد شاهد عيان ان جسده المقطوع الرّأس لم يسقط أرضًا ولا كف الدّم الحار عن التّدفّق منه ثلاثة أيام. كذلك ذُكر انه لما قبّل غريغوريوس الرّاهب رأس رفيقه الممجَّد فتح هذا الأخير عينيه وسط دهشة الحاضرين واستضاء وجهه بنور سماوي.