في هذا اليوم تُقيم الكنيسة المُقدَّسَة تَذكار:
*القدّيس باسيليوس الـمُعترِف، أسقف باريون .*الشّهيد في الكهنة أرتامون اللّاذقيّ .*القدّيسة البارّة أنتوسا الّتي من القسطنطينيّة .*الشّهيدان ديماس وبروتيون .*الشّهداء الفلسطينيّون الرّهبان ميناس وداود ويوحنّا .*الشّهداء باركيشوع ورفاقه .*القدّيس البارّ أكاكيوس كافسوكاليفيا الآثوسيّ .*أبينا الجليل في القدّيسين يوليوس، أسقف رومية .*أبينا الجليل في القدّيسين زينون، أسقف فيرونا الإيطاليّة الـمُعترِف .*القدّيس داميانوس بافيا الإيطاليّ .*الشّهيد تتريكوس أوكسير .*الشّهيد فيكتور براغا البرتغاليّ .*الشّهيدة فيسيا فيرمو الإيطاليّة .*القدّيس باسيليوس، أسقف ريازان الرّوسيّة .*القدّيس نيوفيتوس القُبْرصيّ.
* * *
✤ القدّيس البار أكاكيوس كافسوكاليفيا الآثوسي (القرن 18م)✤
أصله من قرية في ناحية أغرافا اسمها غوليتسا في الأبيروس اليونانية. نشأ في كنف عائلة فقيرة اضطر إلى العمل باكراً في حياته لإعالتها. لم يتلقّ من التعليم نصيباً إلاّ ما تابعه بانتباه وشغف بالمعرفة الإلهية حين كان يشترك في الخدم الكنسيّة ولدى سماعه القراءات من سير القدّيسين. فرّ ذات يوم من منزله العائلي تجنّباً لزواج دبّرته له أمّه وصار راهباً في دير الثالوث القدّوس في زاغورا، وهو الدير الذي أسّسه القدّيس ديونيسيوس الأوليمبي المعيَّد له في 23 كانون الثاني. في الليلة التي كان على وشك أن يأخذ اسكيمه الرهباني عاين نفسه في رؤيا وهو يحمل مشعلاً يضيئ به كل ما هو من حوله. ففهم أن على الراهب أن يماثل نيِّراً يشعّ على الآخرين ببهاء فضائله. مذ ذاك أخذ على عاتقه، بحميّة، أن يخوض غمار الحرب سعياً إلى اقتناء هذه الفضائل المقدّسة، لا سيما فضيلة التواضع الإلهية من خلال التخلّي الكامل عن كل مشيئة ذاتية. على هذا اقتبل، برحابة صدر، من المشاق أقساها فصار، بذلك، محبوباً لدى الإخوة جميعاً.
غير أن شوقه المتّقد إلى الله كان يحمله، أحياناً، على الابتعاد إلى داخل الغابة ليسترسل في تأمّلاته. فلما تنامى عطشه الروحي ترك الدير ليلتحق بالجبل المقدّس، آثوس. هناك أخذ يتنقّل من مكان إلى مكان سعياً وراء مشورات رجال الله، قبل أن يقيم، سنة كاملة، في جوار دير القدّيس جاورجيوس، في مغارة برفقة اثنين من النسّاك. ثم بعد أن مكث في عدّة أمكنة، نزل إلى الجنوب من آثوس، في منطقة مجاهدي الفضيلة الكبار، في قلاّية مكرّسة للتجلّي. بقي هناك قرابة العشرين عاماً، لا يتناول من الطعام سوى القليل من الخبز أو بعض الفاكهة البرّية كل ثلاثة أيام. وإذ احتقر كل همّ يختصّ بالجسد، حوّل انتباهه نحو الله وحده وسعى لأن يدفع عن نفسه، بقوّة، هجمات الأبالسة التي حاولت أن تلهيه عن صلاته المتواصلة.
في نهاية تلك الفترة ذهب ليقيم في مغارة قريبة من شاطئ البحر حيث سبق للقدّيس مكسيموس الحرّاق أن عاش. هناك خاض أكاكيوس معارك تفوق طاقة البشر مقارعاً القوّات اللاهيولية. كان يكتفي من الطعام بما يسمح له بأن يستمر في الحياة وحسب، وأحياناً، كان يسحن الحجارة ويضيفها إلى بقايا جذور النباتات ليصنع منها وجبة طعام عادية بحيث إنه كلّما أراد أن يأكل كان يتفل من فيه دماً. وقد ضاعفت الأبالسة هجماتها عليه محاولة بثّ الرعب في قلب رجل الله بأفكار منفِّرة ورؤى مخيفة وأمراض مختلفة. غير أن أكاكيوس الإلهي كان يجعلها تفرّ منه تحت ضغط صلاته الناريّة التي كانت تتدفّق من قلبه بيقظة. ومكافأة له على معاركه البطولية، نفحه الرب الإله هبة الصلاة النقيّة وكشف له أسراره المخبوءة، حتى عن عيون الملائكة، وهي الأسرار الموعود بها للمختارين في الزمن الآتي. حين كان يصلّي كان يبقى بلا حراك، كعمود، وكانت روحه تنتقل إلى السماء، من دون أي همّ بشأن أمور العالم، وكان جسده يشعّ فرحاً ويقتني قوّة جذب لا يُعَبَّر عنها. بعض زائريه من الأتقياء كانوا يؤكّدون أنه كلّما كان القدّيس يتفوّه بالصلاة: أيها الرب يسوع المسيح، ارحمني، كان في وسع الرائي أن يعاين شعلة من نار تخرج من فيه.
استعاد أكاكيوس تعليم القدّيس سمعان اللاهوتي الجديد المعيَّد له في 12 آذار، فكان يعلّم أن مَن رغب في معاينة المسيح في الأبدية، عليه أن يقتني، منذ الآن، بورود النعمة إليه، رهافة روحية تجعله يتأمّل الحقائق الروحية والسماوية بصورة طبيعية كما يعاين المرء الأشياء المادية. في غضون بضع سنوات من إقامته في المغارة، جاءه القدّيس رومانوس المستشهد حديثاً، والمعيَّد له في 5 تموز، أقول جاءه ليقيم عنده ويتهيّأ للشهادة. وعلى أثر إعلان إلهي ألبسه أكاكيوس الإسكيم الكبير وسمح له بأن يذهب ويقدّم نفسه للشهادة. بعد ذلك، عاش أكاكيوس، لبعض الوقت، في مغارة القدّيس أثناسيوس الآثوسي حيث عاين رومانوس، في رؤيا، يحيط به المجد الذي لا يُنطق به ووجهه يشعّ كالشمس. إثر عودته إلى مغارة كافسوكاليفيا بنى بمحاذاتها كوخاً. وفي يوم من أيام الشتاء أخفقت النار التي أشعلها في تدفئته، فأدرك أن هذا البرد المعاند كان تجربة من الشيطان. للحال أخمد النار وأخذ يتدحرج، عرياناً، على الثلج. وإذا بحرارة عجيبة تغلّفه بحيث ظنّ كأنه في حمّام بخاري. إلى ذلك أسبغ الرب الإله على القدّيس أكاكيوس موهبتَي التبصّر والنبوءة حتى بات قادراً، بنظرة واحدة، أن يخترق عمق النفس لدى زائريه ويكشف لهم خطاياهم الخفيّة أو يعلن لهم بأسلوب التورية، وتحت جنح الإرشاد الروحي، ما هو على وشك أن يحدث لهم. كانت نعمة الله تشعّ من شخصه بحيث كان مجرّد الاقتراب منه يوحي بالسلام والثقة بالله. لهذا السبب صار العديد من زوّاره تلاميذ له ونزلوا في نواحي مغارته وشكّلوا إسقيطاً صار يُعرف، مذ ذاك، بكافسوكاليفيا. ولتعزيتهم أنبع القدّيس بصلاته ماء بوفرة لكنه علّمهم حفظ الصوم والسهر بصرامة ليقوَوا على ميل الجسد إلى المتعة. ولما سأله أحدهم عما يحتاج إليه الراهب من النوم أجاب: نصف ساعة للراهب الأصيل تكفيه. بالنسبة إليه كان يمضي الليل بطوله في الصلاة ولا يرتاح قليلاً إلاّ في الصباح.
ظهر له القدّيس مكسيموس الحرّاق (الكافسوكاليفي) في مناسبات عديدة، برفقة حشد من الرهبان المتّشحين بالأبيض، فيما كان معرّضاً لتجربة الحزن والإحباط، فعزّاه وشجَّعه على متابعة جهاده بإزاء الطبيعة ليقتني الخيرات الفائقة على الطبيعة. وذات مرّة، لما كان أكاكيوس مضنى بروح الضجر جاءه عصفور ووقف بجانبه وغرّد تغريداً سماوياً فبدّد حزنه وأعطاه أن يذوق سلفاً الطيّبات المنتظرة. إثنان آخران أعطاهما قدّيسنا البركة بعد الصلاة ليذهبا ويقدِّما نفسيهما شهيدَين جديدَين، نيقوديموس المعيَّد له في 11 تموز وباخوميوس الروسي المعيَّد له في 21 أيار. أكثر الرهبان في برّية الجنوب الآثوسي كانوا يعتبرون أكاكيوس بمثابة رئيس عليهم وأب روحي لهم. ولما رقد، في سن متقدّمة، بكاه الجميع.