في هذا اليوم تُقيم الكنيسة المُقدَّسَة تَذكار:
*عيد رقاد وانتقال الكُلِّيَّة القداسة والدة الإله إلى السّماء. *القدّيس البارّ مكاريوس الرُّومانيّ النّوفغورودي وتلميذه خاريتون. *الشَّهيد ترسيكيوس الرُّومي. *الشَّهيدان الجديدان بولس سواجكو وزوجته يوانّا البولونيّان.
✤ القدّيس البارّ مكاريوس الرّومانيّ عجائبي نوفغورود (+ 1550 م)✤
أبصر النور في أواخر القرن الخامس عشر في مدينة رومية. من عائلة تقيّة ميسورة. نشأ على مخافة الله. تثقّف بعلوم الحياة الدهرية واهتماماتها. انكبّ على الكتب المقدّسة يطالعها ويتأمّل فيها. اشتهى الاقتداء بسيرة الآباء القدّيسين الذين قرأ، بشغف، مآثرهم. أضناه مشهد رومية وإيطالية التي سرى فيها تيار إنسانوي تسمّى بـ “النهضة” لم يكن، في حقيقته العميقة، سوى ردّة إلى وثنيّة القدامى. تفكّر في أسباب هذا الانحطاط وأعاده إلى انصراف الغرب المسيحي عن تراث الآباء القدّيسين. صلّى، بدموع، وسأل مسيح الربّ دليل العودة إلى ذلك التراث. فتح الربّ الإله عينيه وكشف له أنّ الكنيسة الأرثوذكسية الشرقية بقيت أمينة لعقائدها وقدّمت وتقدّم لمؤمنيها كل الرسائل الأصيلة التي تعينهم على اتّباع مثال القدّيسين. وكما فعل معاصره القدّيس مكسيموس اليوناني، المعيَّد له في 21 كانون الثّاني، قرّر التوجّه إلى روسيا البعيدة التي كانت، يومذاك، البلد الكبير الوحيد الذي تُتعاطى فيه الأرثوذكسية بحرّية. وزّع أمواله على الفقراء، وإذ لبس ثياباً عتيقة انطلق إلى هناك. كانت الرحلة شاقة. أخيراً بلغ نوفغورود الكبرى. هناك اكتشف أنّ أحد أبرز الأديرة سبق أن أسّسه، منذ أربعة قرون، أحد مواطنيه القدّيس أنطونيوس الروماني، المعيَّد له في 3 آب. زار، أيضاً، دير القدّيس اسكندر سْفير (30 آب) الذي كان قد أضناه المرض، لكنّه استقبل السائح الجديد استقبالاً حاراً. التمس قدّيسنا أن يكون في عهدته فاقتبله القدّيس اسكندر وألبسه الثوب الملائكي وأعطاه اسم مكاريوس. لم يُقم مكاريوس طويلاً في الدير بل طلب، على غرار العديد من تلاميذ القدّيس اسكندر، الحياة الهدوئية. اختار جزيرة صغيرة مقاماً له وسط المستنقعات التي امتدّت على ضفّتي نهر ليزنا. تلظّى شوقاً إلى ربّه. سلك في نسك شديد. أقام سنوات في العزلة ممتدّاً إلى ملكوت السموات لا يدري بأمره أحد. ذات ليلة كانت الأحوال الجوّية فيها سيئة، فيما كان قدّيسنا يصلّي، طَرَقَ قادمٌ على باب كوخه وساله أن يفتح له باسم الله. كانوا صيّادين ضلّوا طريقهم وأضناهم التعب. استضافهم قدّيس الله وقدّم لهم من القليل الذي عنده طعاماً. وبعدما شدّدهم وعزّى قلوبهم أبان لهم السبيل إلى الخروج من المستنقعات. خرج الصيّادون من عنده متعجّبين من صبره العجيب على المناخ القاسي لتلك الناحية وعلى الهجمات المتواترة لجحافل البعوض والحشرات الأخرى. هؤلاء، لما بلغوا بيوتهم، أخبروا بما رأوه، فشرع قوم أتقياء يتقاطرون عليه سُؤلاً لنصائحه وإرشاداته. أزعجته الشهرة فترك موضعه إلى مكان متقدّم في الغابة على الضفّة الشمالية من نهر ليزنا. عاش هناك صحبة الحيوانات البرّية، يداعب الدببة ويطعمهم من يديه. ولا في موقعه الجديد نَعِم قدّيسنا بأطايب حياة العزلة، فإنّ النعمة الإلهيّة التي أُسْبِغَت عليه لأتعابه فاضت من نفسه على ما يحيط به. وإذ كان يصلّي في هدأة الليل كان عمود نار أو عطر البخور يفضح حضوره لدى سكّان تلك النواحي. بحث عنه الأتقياء من جديد، فلما وجدوه سألوه أن يقبلهم تلاميذ عنده. أخيراً رضخ. بنى تلاميذُه قلالي لهم حول كوخه. ولما كثر عددهم بنَوا كنيسة خشبيّة على اسم رقاد والدة الإله. صُيِّر مكاريوس كاهناً ورئيساً للدير فاستبان راعياً صالحاً ونموذجاً لكل الفضائل. نَشر حوله رأفات الله بعجائبه ونعمة التبصّر. لما شعر بدنو أجله سَلّم إدارة الدير لأحد تلاميذه وارتحل إلى الجزيرة الصغيرة التي كانت مسرحاً لأوَّلى جهاداته. هناك رقد بسلام في الربّ في 15 آب سنة 1550 م.