في هذا اليوم تُقيم الكنيسة المُقدَّسَة تَذكار:
*أبينا الجليل في القدّيسين نيقولاوس رئيس أساقفة ميرا اللّيسيّة العجائبيّ. *القدّيس البارّ ثيوفيلوس أسقف أنطاكية. *القدّيس البارّ أبراميوس اقراطيا. *القدّيس الشّهيد نيسر. *القدّيس مكسيموس متربوليت كييف وفلاديمير. * القدّيس الشّهيد الجديد نيقولاوس كاراموس.
* * *
✤ القدّيس البارّ أبراميوس إقراطيا (القرن 6 م)✤
من حمص إلى القسطنطينية: ولد القديس أبراميوس في حمص من أبوين تقيين هما بولس وتقلا. وذلك في مطلع ولاية الملك زينون، سنة 475م. ترهب، صغيراً، في بعض الديورة حول المدينة فتأدب بجميع تدابير الرهبنة. وعندما بلغ الثامنة عشرة من عمره أغار على ديره بعض العرب فهرب ومعلمه إلى القسطنطينية حيث أقام زماناً قليلاً. وإذ صار معمله رئيساً لأحد الديورة بقرب المدينة، أضحى هو للدير مدبراً، وكان يزداد، كل حين، فضلاً وصلاحاً. ويحسن القيام بتدبير شؤون الدير في الداخل والخارج. كما كان محبوباً من الجميع لسلامة سيرته وبشاشته ونقاوة مجازه وتدبيره.
رئيس دير صغيراً: وفيما هو كذلك ينمو ويزداد يوماً بعد يوم. كان في تلك الناحية رجل مقتدر اسمه يوحنا، من مدينة يقال لها اقراطيا. وكان لهذا أخ اسمه أفلاطون. أسقفاً على تلك المدينة. ولما كان يوحنا قد رغب ببناء دير في أرض آبائه، وعرف بنقاوة مجاز أبراميوس وحسن سيرته وفضله، التمسه ليكون للدير المنوي إنشاؤه رئيساً. فصلى معلمه عليه وبعون الله، تم بناء الدير وصير أفلاطون الأسقف أبراميوس قسيساً ورئيساً. كان قد بلغ من العمر، يومذاك، السابعة والعشرين. أقام أبراميوس في ذلك الدير عشر سنين. وقد جعل له ذكراً طيباً، وجمع فيه رهباناً دبرهم في ما يرضي الله من جميع الخصال. كما ذاع صيت الدير، هنا وثمة، وصار كثيرون يترددون عليه، أساقفة ورهباناً وعلمانيين، ليتفقهوا به. ولكن، أحزن أبراميوس إقبال الناس عليه بهذه الكثرة لأنه كان محباً للسكون، مبغضاً للسجس.
إلى بيت المقدس فالبرج: فلما اشتدت كآبته، خرج من الدير خلسة وارتحل إلى بيت المقدس وليس معه من حطام الدنيا شيء، كان قد بلغ التاسعة والثلاثين. وفيما هو يتردد في الأماكن المقدسة مصلياً لقيه القديس يقال له الاسخولارس لأنه سبق له أن خدم ضابطاً في الحرس الملكي. وكان هذا تلميذاً لأبينا سابا المتقدس، صيره معلمه رئيساً لدير عرف بـ “البرج” كان أشبه بالمنسك. فلما وقع نظر الاسخولارس، واسمه يوحنا، على أبراميوس ولاحظ حسن سيرته وطقسه وحلاوة كلامه، عرف أنه عبد لله، فأخذه إلى مأوى الغرباء التابع للافرا القديس سابا. أبراميوس يومذاك كان في شدة وعوز. ثم أن يوحنا أستأذن معلمه القديس سابا أن يكون أبراميوس معه في “البرج” فأذن له. كان في المنسك، إلى جانب يوحنا وأبراميوس، راهبان فاضلان آخران اسم أحدهما يوحنا أيضاً والآخر غريغوريوس. وقد اتفق أبراميوس وأهل البرج في الرأي، فكان خاضعاً لهم، طيعاً بين أيديهم لأنه ألفاهم أقوياء حكماء في تدبير النفوس وخلاصها.
قادم جديد: ومرت الأيام إلى أن قدم إلى بيت المقدس رجل فاضل اسمه ألبنيوس من مدينة يقال لها كلوديوبوليس وكان يبحث عن أبراميوس لأنه لقيه مراراً كثيرة في أقراطيا القريبة من مدينته وانتفع من تعاليمه الروحية. وبعدما سأل عنه كثيراً واقتفى آثاره اهتدى إليه، فلما وجده في البرج أبلغه أنه موفد من أفلاطون الأسقف وأنه أتى ليرده إليه. وقد لقيه أبراميوس بفرح عظيم ونصحه بترك أمور الدنيا وملازمة خوف الله وطاعته. ويظهر أنه كان لمشورة أبراميوس في نفس ألبنيوس وقع حسن. لاسيما بعدما بان له صلاح وفضل كل من يوحنا الأسخولارس والشيخين اللذين معه، فاستنار عقله وأسلم أمره للقديس سابا فأخذ يعتني بأمره وأوصى من في البرج أن يحولوا المنسك إلى دير للشركة (كينوبيون)، فكان كذلك. مذ ذاك أسلم ألبنيوس نفسه لله بكل قوته حتى نما، في زمان قليل، في عمل الصلاح كبيراً. فجعلوه شماساً، رغم تمنعه، وبعد ذلك قسيساً فثانياً بعد رئيس الدير. أما أبراميوس القديس فتمت له أربع سنوات في ذلك الدير، وكان أفلاطون الأسقف يرسل في طلبه مرة بعد مرة. وإذ لم يستجب بعث إليه الأسقف برباط منعه بموجبه من الكهنوت. وإذ استمر أبراميوس غير مبال أرسل الأسقف فمنعه من القربان. إذ ذاك أخذه يوحنا الأسخولارس وذهب به إلى القديس سابا فأخبره بأمره. فأخذهما القديس سابا إلى بيت المقدس، إلى إيليا البطريرك طالباً حلّه، إذا أمكن، ليكون له أن يشترك في القدسات. فكان جواب البطريرك أنه ليس لأحد أن يحلّ ما ربطه غيره، لاسيما إذا كان صاحب الربط حياً يرزق. إذ ذاك أشار القديس سابا ويوحنا اسخولارس معاً على أبراميوس أن يذهب إلى أسقفه ليحلّه. وعاد أبراميوس إلى أقراطيا في تمام السنة الحادية والأربعين من عمره. فلما وقف أمام أسقفه قبله بفرح وحلّه من الرباط الذي وضعه عليه ورده إلى رئاسته. وإن هي سوى أيام قليلة حتى تنيح الأسقف فقام أهل المدينة إلى متروبوليت تلك الديار طالبين منه أن يجعل أبراميوس أسقفاً عليهم. فصنع لهم ما أرادوا.
وقد أظهر الله على يدي هذا الأسقف الروحاني فضائل جمّة. فكان يفتقد الأيتام والغرباء والمحتاجين، كما كان يطرد الشياطين بقوة الله، ويهتم ببناء الكنائس. وقد أقام أسقفاً خمس عشرة سنة أنار خلالها عقول العامة بتعليمه وتدبيره حتى لزمت الصلاح في أمور شتى. ودائماً ما اعتاد أن يذكر ما كان فيه من السكوت والخلوة والهدوء في دير الأسخولارس فكان يحزن لما فقده حزناً شديداً. وكان من كثرة همومه الدنيوية يطلب من الله قائلاً: “ربي وإلهي، إن كانت مشيئتك أن أخرج إلى البرية فسهل أمري!”. وحدث أنه خرج إلى القسطنطينية، مرة، لقضاء حاجة للكنيسة فبلغه أن القديس سابا هناك فطلبه فلم يجده لأن القديس سابا كان قد ترك المدينة إلى بيت المقدس قبل ذلك بثلاثة أيام. فحزن أبراميوس لذلك حزناً شديداً. ثم أنه، في الليلة عينها، أبصر القديس سابا مقبلاً إليه في الحلم وقائلاً له: “لا تحزن لأنك لم تلقني في القسطنطينية. ولكن، إن كانت رغبة قلبك أن تستريح من هموم الدنيا فأرجع إلى ديرك وستتنيح”. فقام من نومه ولم يخبر أحداً بحاله. بل سلم شمامسة ما كان قد استخرجه لكنيسته. ثم ركب سفينة، دون أن يأخذ معه شيئاً من أمور الدنيا، وجاء إلى بيت المقدس. ومن ساعته جاء إلى دير البرج، ففرح به يوحنا اسخولارسوألبنيوس فرحاً عظيماً. وكان الثلاثة كنفس واحدة، في المسكن والطعام والأعمال الفاضلة. وكان كل واحد يحرّض صاحبه على عمل الخير. وكل ما كانوا يفكرون فيه على قلب الله كان، بعيداً عن هموم الدنيا.
عمل رهباني: فلما مرت على أبراميوس سنة بعد عودته إلى البرج، تنيح القديس سابا في الخامس من شهر كانون الأوّل من العام 522 للميلاد. وكان أبراميوس، في أيام الصوم. يخرج إلى برية روبا برفقة يوحنا اسخولارس وألبنيوس، كما كانوا يتعهدون أهل السكون في البرية ويحرصون على نياحة سياحها. هناك أقام الثلاثة مجتهدين ثماني سنوات، إلى أن تنيح ألبنيوس بعدما فاق جميع الرهبانية وحاز موهبة النبوءة. أما أبراميوس، هذا الكبير، فكان طبيباً للنفوس والأجساد، وكان كثيرون يأتونه طالبين الشفاء من أمراضهم. وبعد زمان مرض يوحنا أسخولارس قليلاً وعرف بالروح القدس قرب خروجه من هذا العالم، فأوصى بما أراد، ثم في تمام الأربعين من مرضه انتقل إلى جوار ربه، في كانون الثاني. كان ذلك في تمام السنة الثامنة والستين من حياة أبراميوس. رقاده: أما أبراميوس فرقد بعد حين مزيناً بالمواهب الروحية. كانت نياحته في اليوم السادس من شهر كانون الأوّل مجللاً بالإكليل السماوي من المسيح الإله له المجد والسبح والظفر إلى دهر الداهرين، آمين. ملاحظة: هذه السيرة استقيناها من مخطوط عربي قديم نشره جورج غراف على صفحات مجلة المشرق (سنة 1905، ص259 – 265) وقد وردت في كتابنا القديسون المنسيون في التراث الإنطاكي، يوم 12 كانون الثاني، ص 252 – 256.