في هذا اليوم تُقيم الكنيسة المُقدَّسَة تَذكار:
*الشّهداء برامون والثّلاثماية والسّبعون الّذين معه *الشّهيد فيلومانوس *الشّهداء يوحنّا الدّمشقيّ والسّتّة الّذين معه *أبينا الجليل في القدّيسين نيقولاوس، أسقف تسالونيكي *الشّهداء السّتّة الّذين لوحقوا فلجأوا إلى صخرة وانغلقت وضمّتهم *القدّيس أوربانوس، أسقف مقدونيا *الشّهيد في الكهنة ديونيسيوس، أسقف كورنثوس *الشّهيد فاليريانوس *الشّهيد فادروس *أبينا القدّيس البارّ بيتيرون، تلميذ القدّيس أنطونيوس الكبير *الشّهيد في الكهنة حبيب الجيورجيّ *القدّيس تيريدات الأرمنيّ *الشّهيد أبولونيوس*القدّيس البارّ نكتاريوس المطيع الكييفيّ *الشّهيد في الكهنة ساتورنينوس أسقف تولوز الفرنسيّة *الجديد في الشّهداء فيلومانوس القبرصيّ الّذي من كنيسة بئر يعقوب في فلسطين.
* * *
✤ القدّيس تيريدات الأرمني✤
ينتمي الملك “تيريدات الثالث” إلى سلالة “أرشكوني”. هو ابن الملك “خسروف الثاني” من أرمينيا الذي اغتيل عام 252م على يد عميل فرتي يدعى “آناق” بأمر من الملك الفارسي “أرتشوراس الأول”. كان لدى “تيريدات” أخت واحدة اسمها “خسروفيدوخت”. كونه الوريث الوحيد للعرش الباقي على قيد الحياة ، تم نقل “تيريدات” إلى روما بعد وقت قصير من اغتيال والده عندما كان لا يزال رضيعًا. تلقى تعليمه في روما وكان ماهرًا في اللغات والتكتيك العسكري والقانون الروماني.
جاء “تيريدات” إلى “أرمينيا” بمساعدة الجيوش الرومانية، باعتباره الوريث الحقيقي للعرش الأرمني، وسرعان ما جهز جيشًا وطرد الفرس في العام 287. وصفه المؤرخ الأرمني “موفسيس خورناتسي” بأنه محارب شجاع وقوي شارك في العديد من المعارك وقاد جيشه بنفسه إلى العديد من الانتصارات. لفترة من الزمن، بدت الأمور كأنها تميل لصالح تيريدات. ولكن سرعان ما تصاعدت التوترات مع إعادة تنظيم الإمبراطورية الفارسية، وتعرضت أرمينيا مرة أخرى للهجوم. بمساعدة الامبراطور الروماني، استطاع تيريدات ان يطرد الفرس من أرمينيا.
تزوج تيريدات من أميرة اسمها “أشخن” في العام 297 وأنجبا ثلاثة أطفال: ابن يدعى “خسروف الثالث”، وابنة تدعى سالومي، وابنة لم يذكر اسمها تزوجت من القديس هوسيك الأول، وهو من أوائل الكاثوليكوس في الكنيسة الأرمنية، الرابع بعد القديس غريغوريوس المنير .
كان للمسيحية في أرمينيا أساس قوي بحلول نهاية القرن الثالث ولكن كانت الأمة إلى حد كبير لا تزال تتبع الوثنية، بمن فيهم تيريدات وعائلته الذين كانوا من الوثنيين أتباع الزرادشتية، إلى جانب العديد من الأرمن الآخرين، من النبلاء والعامة على حد سواء. كان اضطهاد المسيحيين في جميع أنحاء العالم الروماني في أوجه، فأمر تيريدات، وهو الحليف لروما والمخلص لجذوره الوثنية، بإعدام المسيحيين في أرمينيا. أما في البلاط الملكي الأرمني، فنشأت علاقة صداقة بين الملكة أشكن والأميرة خسروفيدوخت، أخت تيريدات، وتعلمتا معًا عن المسيحية بالسر.
تستند القصة التقليدية لتحول الملك والأمة الى المسيحية بشكل أساسي إلى كتاب “تاريخ الأرمن” للمؤرخ اليوناني أغاتانجيلوس من القرن الخامس. يروي هذا الكتاب كيف نشأ القديس غريغوريوس المنير ابن “آناق” كمسيحي بعدما فتك ذوو الملك الأرمنيّ بآناق وأهل بيته، ولم ينج إلاّ غريغوريوس وأحد إخوته. وقد هربا إلى بلاد قيصريّة الكبادوك. شعر غريغوريوس بالذنب لخطيئة والده الذي قتل الملك “خسروف الثاني”، فانضم إلى الجيش الأرمني وعمل كسكرتير للملك. قام غريغوريوس بخدمة تيريدات دون أن يدري هذا الأخير بأنّ آناق، والد غريغوريوس، هو الّذي قتل أباه خسروف. خدم غريغوريوس تيريدات بأمانة فأحبّه وقرّبه .
خلال احتفال ديني وثني، أمر تيريدات غريغوريوس بوضع إكليل من الزهور أمام تمثال الإلهة أناهيت في إيريزا. رفض غريغوريوس، مُعلنًا إيمانه المسيحي. أثار هذا الفعل حنق الملك، الذي حاول إقناعه، أوّل الأمر، بالعودة عن ضلاله، ولكن دون جدوى. إذ ذاك أسلمه إلى عذابات شيطانيّة مروّعة، لا سيّما بعدما اكتشف أنّه ابن قاتل أبيه. وهكذا أضحى غريغوريوس شهيدًا حيًّا، يتفنّن الملك وخدّامه في تعذيبه. ثمّ أنّ نفس الملك ملّت من هذا المعاند فطرحه في جبّ عميقة ملأى بالأفاعي. بقي غريغوريوس في الجبّ خمسة عشر عامًا ظنّ الجميع خلالها أنّه مات. لكن الرّبّ يسوع كان يعدّه لعمل عظيم. إذ أنّ امرأة كانت تأتيه بطعام. وهكذا بقي سالمًا محفوظًا إلى أن حان ميعاد افتقاده.
خلال سنوات سجن غريغوريوس، جاءت مجموعة من الراهبات العذارى بقيادة غيانا إلى أرمينيا هربا من الاضطهاد الروماني لتمسكهن بالمسيحية. سمع تيريدات عن المجموعة والجمال الأسطوري لاحداهن، ريبسيما، فأحضرهن إلى القصر وطلب الزواج من العذراء الجميلة التي رفضت. ظلت ريبسيما والراهبات الأخريات وفيات لايمانهن. قام الملك بتعذيب وقتل المجموعة بأكملها.
بعد هذا الحدث، أصيب بالمرض وبمس من الجنون فاصبح سلوكه كخنزير بري، يتجول بلا هدف في الغابة. وقد بقي كذلك إلى أن زار أختَه، في الحلم، رجلٌ أنبأها بأنه لا شفاء لأخيها إلاّ بشفاعة غريغوريوس المُلقى في جبّ الأفاعي. فلما أُخرج غريغوريوس، وكان بصحّة جيّدة، صلّى لأجل الملك فشفاه، وكان ذلك عام 301م .
بتوجيه من القديس غريغوريوس، صلى الملك تيريدات في المكان الذي استشهدت فيه الراهبات الصغار. يقول المؤرخ أغاثانجيلوس: “بنعمة المسيح ، عالج [غريغوريوس] يدي [الملك] وقدميه بدرجة كافية حتى يتمكن بيديه من حفر القبور ودفن الصناديق فيها.”
وكانت هذه نقطة تحوّل كبرى في حياة الملك والمملكة لأنّ تيريدات ندم عما فعله بغريغوريوس واقتبل الإيمان المسيحيّ والمعموديّة وسمح له بأن يبشّر بالإنجيل، كما ساعده في بناء الكنائس والأديرة. وهكذا اقتبلت ارمينيا، في مدة قصيرة، الإيمان المسيحيّ، وقام كهنة الأوثان يهدمون الهياكل بأيديهم مقتبلين المعموديّة، وقد جرى عليهم وضع الأيدي فصاروا كهنة للمسيح. ثمّ أنّ لاونديوس، أسقف قيصريّة الكبادوك، سام غريغوريوس أسقفًا على ارمينيا، فساعده ذلك في تنظيم شؤون الأبرشيّة الجديدة خير تنظيم. بعد عودته من قيصرية، عمّد غريغوريوس الملك تيريدات والملكة والأميرة بعد فترة من الصيام والتحضير، تبعها معمودية البلاط الملكي ونبلاء أرمينيا. من خلال معمودية غريغوريوس، أصبح تيريدات أول ملك في العالم يحكم أُمّة مسيحية. يكشف التاريخ أيضًا أن تيريدات وأشخن وخسروفيدوخت شاركوا شخصيًا مع القديس غريغوريوس في بناء كاتدرائية إتشميادزين “الابن الوحيد” المقدسة وهو الموضع الّذي أضحى، فيما بعد، مركز كاثوليكوسيّة الكنيسة الأرمنيّة جمعاء. تم جلب الحجارة التي استخدموها في بناء الكاتدرائية إلى فاغارشابات من منحدرات جبل أرارات التوراتي .
ومع ذلك ، فإن التحول من الديانة الوثنية القديمة إلى المسيحية لم يكن سهلاً في أرمينيا. غالبًا ما استخدم تيريدات القوة لفرض هذا الإيمان الجديد على الشعب، وتبع ذلك العديد من النزاعات المسلحة، لأن الوثنية كانت متجذرة بعمق في الشعب الأرمني. وهكذا أمضى تيريدات بقية حياته في محاولة القضاء على جميع المعتقدات القديمة، وبذلك دمر عددًا لا يحصى من التماثيل والمعابد والوثائق المكتوبة. عمل الملك بجهد لنشر الإيمان وكان وقت حكمه أكثر الفترات إشراقًا في تاريخ أرمينيا .
توفي في العام 330م. يقول المؤرخ موفسيس خوريناتسي إن العديد من أفراد النبلاء الأرمنيين (عائلات نخارار) تآمروا ضد تيريدات وسمموه في النهاية .تيريدات الثالث، أشخن وخسروفيديخت هم قديسين في الكنيسة الأرثوذكسية الأرمينية الرسولية، وبالتالي في جميع الكنائس الأرثوذكسية الشرقية. تحتفل الكنيسة الأرمنية الرسولية بذكرى الملك تيريدات في يوم السبت الرابع بعد عيد العنصرة.