في هذا اليوم تُقيم الكنيسة المُقدَّسَة تَذكار:
*الشّهداء بمفيلس البيروتيّ ورفقته *أبينا الجليل في القدّيسين ماروثا، أسقف ميافرقين *أبينا الجليل في القدّيسين فلافيانوس المعترف، رئيس أساقفة القسطنطينيّة *القدّيس البارّ فلافيانوس العجائبيّ *القدّيسة مريم الجديدة.
* * *
✤ القدّيس ماروثا أسقف ميافرقين (القرن الخامس) ✤
يشير الدّارسون إلى ثلاثة أساقفة حملوا الإسم عينه وكانوا على ميافرقين في أزمنة مختلفة. الأوّل كان من جملة الآباء الّذين حضروا المجمع النّيقاوي الّذي انعقد سنة 325 م في عهد الملكين قسطنطين الرّومي وشابور الفارسي. والثّاني، المعني بسيرتنا هنا، اشتهر في زمن يزدجرد الفارسي وثاودوسيوس الصّغير الرّومي في أوائل القرن الخامس الميلادي. والثّالث كان يعقوبيًا وعاش في القرن السّابع الميلادي.
ميافرقين هي المعروفة أيضًا بمدينة الشّهداء أو باليونانيّة مرتيروبوليس. وقد دعيت كذلك بعدما جمع ماروثا فيها جمًّا من ذخائر الشّهداء الّذين تكمّلوا خلال الاضطهاد الأربعينيّ أيام شابور الفارسي. وقد حصل عليها في سفراته إلى بلاد فارس وحملها في عربات فاخرة إلى ميافرقين. هذا ويجمع الدّارسون ان ماروثا اشترك في مجمع القسطنطينيّة الأول، ضد بدعة مقدونيوس، سنة 381 م، رغم ان صحائف المجمع الباقية إلى اليوم خالية من توقيعه. كذلك ذكر القدّيس فوتيوس الكبير ان ماروثا حضر أيضًا المجمع الانطاكي المنعقد سنة 383 أو 390 ضد بدعة المساليانيّين أو المصلّين. كما ورد انه زار الامبراطور البيزنطي أركاديوس، عام 401 م، وسأله الكتابة إلى يزدجرد، ملك الفرس، ليكفّ عن التّضييق على المسيحيّين. رغم ذلك يبدو ان أوامر شابور المتشدّدة بشأنهم لم تبطل وبقيت سارية. وقد ذكر ان سبب ذهاب ماروثا إلى ملك الفرس، المرّة الأولى، انه عرض ليزدجرد مرض أعيـى أطبّاء الفرس. وكان أطبّاء النّصارى في بلاد فارس قد قُتل أكثرهم أيام شابور. ومن بقي منهم كان قد هاجر وهرب. لهذا السّبب أرسل يزدجرد إلى ملك الرّوم يطلب منه طبيبًا حاذقًا، فبعث إليه بماروثا، أسقف ميافرقين. أثناء ذلك كان قد اتصل بأركاديوس ما يلحق النّصارى في بلاد فارس من العذاب والنّفي والقتل، فوجد بذلك فرصة موافقة لمساعدتهم. وقد كتب ليزدجرد كتابًا طلب منه فيه الرّفق بالنّصارى، وأنفذ الكتاب مع ماروثا الأسقف. فلما وصل هذا الأخير إلى يزدجرد عالجه وأبرأه من علّته، ثم عرض عليه الكتاب فلاقى لديه تجاوبًا طيِّبًا. مذ ذاك شمل السّلام النّصارى وزال عنهم ما كانوا فيه من الإضطراب والأذى.
وإن القدّيس ماروثا، بعدما أكمل مهمته، عاد إلى القسطنطينيّة، فوجد المدينة في اضطراب من جرّاء عداوة ثاوفيلوس الإسكندري للقدّيس يوحنّا الذّهبي الفم. وكان ثاودوسيوس الصّغير قد خلف أركاديوس على العرش. وإذ كان القدّيس ماروثا محبًّا للذهبي الفم حبًّا جمًا، أنكر ما رآه من تجنّي ثاوفيلوس عليه. كذلك ورد انه كان ليوحنّا عدو آخر هو فودينوس، أسقف نيقوميذية. هذا حدث له ان وُجد في خلقيدونية بين الّذين وفدوا إليها للطعن بالذّهبي الفم. ولما كان ماروثا مارًا، ذات يوم، على ما قيل، ارتطمت رجله برجله عن غير عمد. وبأمر الله أصاب فودينوس من ذلك ألم شديد حتّى انه مات بعد أيام قليلة. وهكذا نجا القدّيس يوحنّا من شرّ أسقف نيقوميذية.
كذلك قيل ان الذّهبي الفم بعث برسالتين إلى القدّيس ماروثا لم تبلغانا من جور الزّمان. غير ان ذكر ماروثا ورد في بعض رسائل القدّيس يوحنّا إلى أولمبياديس وفيها يظهر، بوضوح، عظم اعتباره لماروثا وجاه هذا الأخير عند الملوك والأمراء. وكفى بذلك دليلًا اتخاذ ثاودوسيوس له سفيرًا إلى يزدجرد وتكليفه الصّلح بين المملكتين مرّة ثانية. وقد حصلت على الأثر الرّاحة لعباد المسيح في بلاد فارس. كذلك قيل إن ماروثا استكتب جميع ما وجد من قوانين وتفاسير للآباء الشّرقيّين مما لم يكن موجودًا عند الرّوم اليونانيّين وقام بنقله إلى بلادهم.
هذا وقد ازدادت شهرة ماروثا عند الفرس بعدما شفى الملك بصلاته من وجع رأس لم يقدر الأطبّاء المجوس ان يُبرئوه منه. بنتيجة ذلك تعلّق يزدجرد به حتّى كاد ان يتنصّر. مذ ذاك، أخذ القدّيس ماروثا، بالإتفاق مع مار إسحق الجاثليق، بإصلاح أمر الكنائس المتداعية وإنشاء أخرى جديدة، كما ردّ القوانين الكنسية المندثرة واهتمّ بتقويمها.
ثم ان ماروثا أُرسل سفيرًا إلى يزدجرد مرّة ثالثة فنجح في التّقريب بينه وبين ملك الرّوم، وأدت وفادته إلى الصّلح. وقد وهب يزدجرد ماروثا ذخائر الشّهداء الّذين قتلوا في اضطهاد شابور. فلما رجع إلى الجزيرة، في بلاد ما بين النّهرين، جعل أكثرها في بلدته ميافرقين، فعُرفت، مذ ذاك، بمدينة الشّهداء.
إلى ذلك ورد ان ماروثا كان كاتبًا جيِّدًا خلّف تصانيف بديعة منها قصص الشّهداء، وهي مجموعة أعمال الشّهداء الّذين قتلوا في اضطهاد شابور، ومنها التّسابيح والتّراتيل الموضوعة لإكرامهم. ومن مؤلفاته أيضًا قصّة المجمع النّيقاوي ومجموعة قوانينه.
أما ما كان من آخر أيام ماروثا فلا نعلم سوى انه لما توفيّ وُضع جسده أولًا في ميافرقين. وبعدما أغار الفرس والعرب مرّات عليها وخربت كنيستها حمل رهبان يعاقبة جسده ونقلوه إلى صعيد مصر حيث جعلوه في ديرهم المقام على اسم العذراء والدة الإله. أما عيده وعيد الشّهداء الّذين نقل ذخائرهم فهو في الرّابع من كانون الأول عند الرّوم واللّاتين، والسّادس عشر من شباط عند السّريان والملكيّين، والحادي عشر من شباط عند الأقباط. أما الكلدان فيحفظون ذكره في الثّاني من تشرين الأول.
هذه السّيرة استمددناها من كتاب شهداء المشرق القدّيسين المطبوع في الموصل سنة 1900 م لدى الآباء الدّومينيكان. يُذكر ان البطريرك مكاريوس ابن الزّعيم يشير، في كلامه عن ماروثا، في “قدّيسون من بلادنا”، إلى انه لم يكن بين ملك الرّوم وملك الفرس من يتوسّط بالصّلح فألهم الله هذا الأسقف فقام وباع الأواني الكنسية واشترى هدايا وذهب إلى ملك الفرس وادّعى انه سفير ملك الرّوم وحقّق السّلام بينهما.