في هذا اليوم تُقيم الكنيسة المُقدَّسَة تَذكار:
*القدٍّيسون الشُّهداء تيرسس ولوقيوس وكلينيكوس. *الشُّهداء أبولونيوس وفيليمون وأريانوس وحراسه الأربعة. *تذكار الزّلزلة الّتي ضربت القسطنطينيّة في 14 كانون الأوّل سنة 557 م. *القدٍّيس البارّ دانيال الرّومانيّ الهدوئيّ.
* * *
✤ القدٍّيسون الشُّهداء أبولونيوس وفيليمون وأريانوس وحراسه الأربعة (+ 305 م)✤
حوالي العام 305م أوقف سبعة وثلاثون مسيحياً من مدينة الطيبة المصرية أمام القاضي أريانوس لمحاكمتهم. بين الموقوفين كان قارئ اسمه أبولونيوس. هذا لما أودع السجن خاف. بات منقسم النفس. النظرية شيء والمواجهة شيء آخر. أن تبدي استعداداً للموت من أجل المسيح شيء وأن تواجه الموت من أجل المسيح شيء آخر. لهذا السبب اضطرب أبولونيوس وسرى وجدانه إحساس خانق بالضيق والتمس مخرجاً والمخرج في الحالة التي وجد نفسه فيها كان ينبغي أن يجنبه العذاب والموت دون أن يخرجه بالكلية من كنيسة المسيح. النفس المنقسمة دائماً ما تبحث عن حلول وسط. أخيراً، وبعد لأي، اتفق أبولونيوس وواحد من جلاديه، اسمه فيليمون، كان لاعب سيتار. أن يخرج هذا الأخير إلى هيكل الأوثان بثوب أبولونيوس ويقدم عنه الذبيحة المعهودة لقاء أربع قطع ذهبية. لكن حساب الحقل لم يكن مطابقاً لحساب البيدر لأن الله في شؤونه أحكاماً غير أحاكم الناس. أما أبولونيوس فيبدو أنه بعدما اتخذ في نفسه موقفاً أخل فيه بعهده للرب يسوع تحرك فيه الضمير بالأكثر فارتد بقوة أكبر، بحرقة وندم، إلى ربه. ما مر به لم يعد كونه تجربة لأن الرب يسوع كان قوياً فيه أيضاً. أما الخوف فكان من أثر الضعف البشري لا من أثر الفساد في الإيمان. لهذا السبب تخلى عنه الرب يسوع بالتدبير، إلى حين، ليعطيه أن يخرج من حال التردد إلى التوبة إليه بقوة. ما حدث له شبيه بما حدث لبطرس الرسول. هذا بالنسبة لأبولونيوس. أما بالنسبة لفيليمون فكان لله فيه تدبير عجيب، لأن من اصطيد بأربع ذهبيات ما لبث أن صاده الرب إليه بثوب حبيبه، والله علام القلوب. فما أن جعل فيليمون ثوب أبولونيوس عليه حتى لبسته خلجة أبولونيوس واعتمل في قلبه إيمانه بالله وأمسكته النعمة. وإذ تقدم من الوثن ليقرب عن أبولونيوس قرابينـ فاضت كلمة الله في فمه فأعلن أنه يؤمن بالرب يسوع ولا يرضى عنه إلهاً بديلاً. ولا بد أن يكون الحاضرون قد أصيبوا بالذهول. ولكن يبدو أنه قبل أن يتسنى لهم الانقضاض عليه أرسل القاضي، الذي لم يكن حاضراً آنذاك، في طلبه لمهمة اعتبرها خلاقة في سعيه إلى استرداد المسيحيين الموقوفين إلى الوثنية. المهمة كانت أن يعزف فيليمون للموقوفين بعضاً من التقاسيم الموسيقية عسى، إذا ما لذت لهم الأنغام، أن يميلوا إلى أطايب الحياة الدنيا فيتراجعون. وللسيتار، كما لا يخفى، صوت ينساب كالموج ليلين المشاعر ويحرك العواطف. ولكن، ماذا حدث؟ حدث ما لم يكن في حسبان القاضي. تقدم فيليمون وأعلن تخليه عن عبادة الأوثان، بمقتضى أوامر قيصر، وإيمانه بالرب يسوع المسيح. لم يصدق الجمع، أول الأمر، أسماعهم. ظنوه يمزح. ولكن، أمام إصرار فيليمون ورصانته، أيقنوا جدة الكلام فاستغربوا واعتراهم الذهول. وإذ أسفوا واستهجنوا حاولوا استعادته فلم يوفقوا. كان صامداً لا يتزعزع. إذ ذاك وضع الجنود أيديهم عليه، بأمر القاضي، واقتادوه للتعذيب والموت. ثم كان أن وقف أبولونيوس أمام القاضي فاعترف باسم الرب يسوع بلا خوف. كان كل أثر للتردد قد زال من قلبه بنعمة الله. فعمد الجلادون إلى قطع عضلات فخذية وجرروه في أنحاء المدينة فيما ربطوا فيليمون إلى شجرة زيتون هدفاً لسهامهم. هنا ورد أن أحشاء فيليمون تحركت على القاضي، وكان هذا الأخير قد أصيب في عينيه منذ بعض الوقت فانطفأت. قال له بالروح أنه ورفيقه أبولونيوس ماضيان إلى الموت، ولكن إذا شاء أريانوس أن يسترد نور عينيه فعليه أن يأخذ تراباً من فوق ضريحهما ويمزجه بماء ثم يدهن به فيشفى. وبلغ أبولونيوس وفيليمون أوج الشهادة فقطع الجلادون رأسيهما، وتكللا بالمجد السماوي. أما أريانوس القاضي فذكر بعد حين ما سبق أن قاله له فيليمون. فتوجه خلسة إلى حيث ووري الشَّهيدان التراب. ولما أخذ بعضاً منه ومزجه بماء جعله على عينه المعطوبة فاسترد فيها النور للحال. إذ ذاك آمن بالرب يسوع، وكذلك فعل حراسه الأربعة، واعتمدوا. ولم يطل الوقت بأريانوس ورفقته حتى جرى القبض عليهم. وقد ورد أنهم ألقوا في البحر في أكياس جعل الجلادون فيها رملاً. هكذا أكمل الخمسة شهادتهم. غير أن قوماً مؤمنين تمكنوا، بنعمة الله، من التقاط رفاتهم عند شاطئ مدينة الإسكندرية.
رواية أخرى: وثمة رواية أخرى تفيد أن أبولونيوس كان ناسكاً قديساً متحمساً قبض عليه جنود قيصر في مدينة أنتينوس في مصر. وإذ قيدوه بسلاسل وجعلوه في السجن. صار الوثنيون يمرون به ليشتموه ويهينوه. وكان بينهم عازف مشهور اسمه فيليمون. هذا بالغ في الشتم والهذر مضيفاً إلى قباحته الغناء السفيه والعزف السمج. وكان القدٍّيس ينظر إليه بوداعة وحزن ويقول له: “ليسامحك الله يا بني ويرحمك!”.
أعاد فيليمون الكرة. على هذا المنوال، مرات، وفي كل مرة كان أبولونيوس يتطلع إليه بحزن وحنان ويوجه إليه الكلام الأوّل بعينه. استمر فيليمون مهذاراً لبعض الوقت. ولكن، شيء آخر بدأ يبعث في نفسه التسأل ثم القلق: عجيب أمر هذا الرجل! أشتمه وأسخر منه وأجعله هزأة فلا يرد علي لا بعنف ولا بشتم! يقول لي: “سامحك الله!” كأنه من غير طينة الناس! لست أفهم! وازداد التسأل في نفس فيليمون واشتد القلق. وما لبث طعم القلق أن أضحى مراً. ومن المر ما جذب. وأخذ الازدراء يتحول إعجاباً والإعجاب تعلقاً والتعلق اقتداء. فاهتدى فيليمون وأعلن أنه يؤمن بالإله الذي يؤمن به هذا الرجل. أوقف أبولونيوس وفيليمون أمام الوالي أريانوس. هذا سبق له أن بطش بالمسيحيين وقضى بالموت على عدد منهم نظير أسكلاس وتيموثاوس وبفنوتيوس. فبعدما أذاقهما عذاباً مراً. وأمر بإلقائهما في النار حيين. لكن أبت النار أن تحرقهما فاهتز الوالي وصحبه واعترفوا بالمسيح إلهاً عظيماً. ولم يلبث الخبر أن بلغ حاكم مصر فأمر بسوق أبولونيوس وفيليمون وأريانوس ومن معهم مقيدين إلى الإسكندرية. في الطريق إلى هناك هدى أبولونيوس الجند إلى المسيح فاهتدوا. ولما بلغوا الإسكندرية واعترفوا جميعهم بالمسيح خشي الحاكم أن تنتقل عدواهم إلى آخرين فأوعز بإلقائهم في البحر فتكملوا. ولما التقطت رفاتهم جعلت في قبر واحد. وقد أجرى الرب الإله بها عجائب جمّة. أتى على ذكرهم كل من روفينوس (345 -410م) وبالاديوس (365 -425م) المؤرخين.