Menu Close

 

في هذا اليوم تُقيم الكنيسة المُقدَّسَة تَذكار:

*الأحد الأول من الصوم : أحد الأرثوذكسية. *أبينا الجليل في القدّيسين أرتامن السّلوقي. *القدّيس البارّ زكريّا الإسقيطيّ. *الشّهيد في الكهنة أرتامن اللّاذقيّ. *شهداء قيصريّة فلسطين الخمسون. *القدّيس البارّ مرتينوس الثّيبيّ. *الجديد في الشّهداء برثانيوس القسطنطينيّ. *القدّيس البارّ زكريّا الكييفيّ الصوّام. *الشّهيدان استفانوس وبطرس القازانيّان الرّوسيّان.

الأحد الأوّل من الصّوم: أحد الأرثوذكسيّة

هو الأحد الأول من الصوم نعيّد فيه تذكار تعليق ورفع الأيقونات المقدّسة بعد حقبة طويلة من السنين عُرفت بحرب الأيقونات وذلك في القرنين الثامن والتاسع ميلادي. إستمرت حرب الأيقونات 120عاماً, حيث دُمّرت وحُرقت الكثير من الأيقونات وسُفكت فيها دماء عديدة من الرهبان والمؤمنين الذين دافعوا بشراسة عن لاهوت الأيقونة وارتباطها بسر التجسّد. أسباب عديدة ومختلفة أدّت إلى هذا الإضطهاد الدموي، منها من داخل الكنيسة نفسها، ومنها عوامل خارجيّة محيطة ومعتقدات اخرى مختلفة ومضادة، لكنهّا كلّها  سببها واحد وهو: رفض تجسّد المسيح أيّ رفض أن يكون الله أصبح إنسانًا، وبالتالي ضرب مشروع الخلاص كلّه بعرض الحائط. وهذا طبعًا شيطاني.

انقسمت هذه الحرب إلى مرحلتين رئيسيتين:

1- المرحلة الاولى: بدأت في العام 726م وإمتدت إلى العام 787م، وذلك عندما هاجم الإمبراطور ليون الرابع الأيقونات ومنعها وأحرق واتلف وكسّر منها كلّ ما طالته يداه أي أيدي عسكره الذي كان ينفّذ أوامره الصارمة، كما إضطهد لدرجة القتل كلّ من خالف قراراته من المسيحيين. إنتهت المرحلة الاولى في ظل حكم الإمبراطورة إيريني. كما إنعقد على أثر هذه الاحداث المجمع المسكوني السابع عام 787م  في نيقية والذي ضمً 357 أسقفًا. أقرّ هذا المجمع تكريم الأيقونات لإرتباطها بسر التجسّد.

2- المرحلة الثانية: إمتدّت هذه المرحلة من العام 813م لغاية العام 842م. بعد موت الإمبراطور ثيوفيل المحارب للأيقونات قامت الإمبراطورة ثيودورة بوقف هذا الإضطهاد الشنيع وكان هذا إنتصارًا ثانيًا.

حجج الهراطقة رد الكنيسة
– الله حرَّم في وصاياه رسماً له لأنه لم يُرَ ولا يُرى.
– إن إكرام الأيقونات لا يجوز لأنه حينئذٍ يعبد الناس المادة.
– إننا نعبد المسيح ونكرّم القدّيسين وعلى رأسهم والدة الإله وبالتالي نحن لا نكرّم المادة (الخشب – الحجارة) بل الكائن المرسوم فيها، أيّ ما تمثّله.
– « لا يمكن رسم الله الذي لا يدرك, وغير المحدود, أما الآن وقد ظهر الله بالجسد وعاش بين البشر, فأنا أرسم الله الذي تراه العين فأنا لا أعبد المادة بل خالق المادة الذي استحال مادة لأجلي». القدّيس يوحنا الدمشقي
– « من حيث أنه ولد من الآب غير القابل للوصف, فلا يمكن أن يكون للمسيح صور, أما من حيث انه ولد من أم عذراء, قابلة للوصف, فله صور تطابق صورة أمه قابلة الوصف». القدّيس ثيودوروس الستوديني

لماذا تصرّ الكنيسة على تخصيص أوّل  أحد من آحاد الصوم للإيمان المستقيم؟

السبب أن عقيدتنا اذا كانت منحرفة فالإمساك عن الطعام لا ينفعنا شيئًا. الإيمان الصحيح والقويم هو بدء الحياة المسيحية وركنها واستمرارها. تأسس هذا العيد عام 842م بعد هزيمة محاربة الأيقونات، وكان يُقرأ في هذا الأحد في الكنائس، مستند رسمي اسمه “السينوذيكون” الذي كان يحرّم كلّ الهراطقة بأسمائهم. واعتبر المسيحيين أن يجاهر الإنسان بعقيدته واجباً وحاجةً وشهادةً وصدقًا.

بماذا نحتفل؟

نحتفل في الأحد الأول من الصوم الكبير بعيد أرثوذكسيتنا، الّتي هي كنيسة الآباء والقدّيسين والشهداء والأبرار، فنحتفل بما تنبَّأ به الأنبياء وبالتعليم الذي استلمناه من الرسل وكتبه الآباء ووافقت عليه المسكونة الذي به بقيت مستقيمة الرأي وأظهرت الحقيقة المستلمة من الرب يسوع المسيح لكل العالم.

التسليم أو التقليد:

في المجمع المسكوني الرابع (451م) وبأسلوب صريح وواضح تم تحديد ما يُسمى بتقليد الكنيسة وحياتها أي التعليم الأرثوذكسي. تعيش الكنيسة هذا التعليم (الأرثوذكسي) كإيمان مسلّم من السيد المسيح ذاته، وتظهره بالتعليم الشفوي أو المكتوب أو بالليتورجية الإلهية كعبادة وشركة أسرارية. يُعتبر التقليد بالنسبة للكنيسة الكنز الثمين، تعيشه استناداً على إيمان الرسل والآباء والمؤمنين الأرثوذكس، وبه تسعى لكشف كلّ حقائقها، معلنة للعالم بشجاعة وجرأة أن المسيح هو الإله الحقيقي الذي تعبده وتسجد له.

هي تعلّم بتكريم القدّيسين وعلى رأسهم والدة الإله وذلك لقداسة حياتهم وصدق كلامهم ومؤلفاتهم ولتضحياتهم في الكنيسة، فهي تقدّم لهم ولأيقوناتهم التكريم، أمّا السجود هو للمسيح فقط. فالكل تقدّس بالمسيح وقدّموا له كلّ حياتهم الذي هو الكل بالكل.

لهذا السبب في هذ الأحد تأخذ الكنيسة على عاتقها المسؤولية كاملةً أمام الله والتاريخ وجماعة المؤمنين، وتؤّكد بأن إيمانها هو بالحقيقة ذات إيمان الرسل والآباء وإيمان كلّ أرثوذكسي حق.

فهي الوحيدة القادرة على تفسير الإنجيل تفسيراً معاشاً صار إلى تقديس كثيرين، فتعود إلى الآباء الذين فهموا الإنجيل بالروح ذاته الذي كتب فيه، وعاشوه وتقدّسوا بنعمة الروح القدس، وتعطيهم الأولوية في شرح الإنجيل. ” (الروحيّ يحكم في كلّ شيء اكو15:2)

انتصار الأرثوذكسية:

هذا اليوم هو يوم انتصار، أي انتصار إيمان الكنيسة على التعليم الكاذب المميت.

ابتدأ هذا الانتصار منذ تجسّد الله وصيرورته إنسانًا ، فاتحدت الطبيعة الإلهيّة بالطبيعة البشريّة، كما تشير طروباريّة عيد البشارة: اليوم رأس خلاصنا… ويتبعه انتصار المسيح على الموت بالقيامة، فرحنا بقيامة المسيح من الأموات يساوي فرحنا لانتصار الأرثوذكسية على التعليم المنحرف. وكما يحتفل كلّ مسيحي بالقيامة يجب أن يحتفل كلّ أرثوذكسي بانتصار أرثوذكسيته على انتشار الإيمان المفسد الحياة. قال الرب: “السماء والأرض تزولان ولكن كلامي لا يزول” (متى35:24). وقال لبطرس أنت صخرة وعلى إيمان حقيقي كهذا سأبني كنيستي والموت لن يقوى عليها. (مت 17:16-18).

هذا هو إيماننا مستند على حضور المسيح في الكنيسة وهو الذي يصونها. إن النصوص المتلوة أو المرنّمة في صلاتي مساء وسحر هذا الأحد تلّح على حقيقة التجسّد. فالمسيح المتجسّد هو المثال الجوهري والأصلي لجميع الأيقونات. وتعبّر بعض جمل التريودي عن المعني العميق لإكرام هذه الأيقونات.

كان القدّيسون الممجدون أيقونات حيةً لله، وإن كانت غير كاملة. لقد باتوا أيقونةً على مثال الأيقونة الأولى أيّ المسيح الإله المتجسّد. وهذا معنى كلمة أيقونة اليونانيّة التي تعني نموذج عن المثال الأصلي من هنا نقول أن الأيقونة تُكتب ولا ترسم أيّ تكتب بالروح فتصبح حيّة كالمسيح الذي تجسّد من الروح القدس ومن مريم العذراء على ما نقول في دستور إيماننا.. وأثناء قداس هذا الأحد، نسمع الكاتب الملهم في ما يتلى من الرسالة إلى العبرانيين، يصف آلام موسى وداود وآباء إسرائيل وشهدائه. هؤلاء كانوا صوراً مرسومة، لا على الخشب بل في الجسد. وكانوا يرمزون إلى الأيقونة النهائية، شخص المخلص وينبئون به.

إنجيل هذا الأحد يعبّر عن الإيمان الأرثوذكسي بقوله: “إنكم من الآن ترون السماء مفتوحةً وملائكة الله يصعدون وينزلون على ابن البشر” (أيّ المسيح). فإذا كان الرّب يسوع هو الجسر القائم بين السماء والأرض يكون هذا تعبيرًا على أنه الإله الوحيد والحقيقي. من هنا نرى الرسول فيلبس يقود نثنائيل إلى يسوع الذي سيصير هو أيضاً تلميذاً له.

نقطة انعطاف في حياة نثنائيل، وهي أيضًا نقطة انعطاف في حياة كلّ منّا، لحظة أو لحظات نكون فيها جالسين “تحت التينة”، لحظات عصيبة، كان يرانا فيها يسوع، دون أن يكون هو نفسه مرئياً، ويتدخّل، يقرع بابنا وينتظر جوابنا.

فالنرفع أيقوناتنا عاليًا ونقول بصوتٍ جهوري: “هذا هو إيماننا وسنحافظ عليه إلى الآبد”

ملاحظة: 

“الأرثوذكسية ” هي كلمةٌ قديمة جدًا تعني التمجيد القويم أيّ استقامة الرأي وبالتالي هو الإيمان السليم، من هنا إيمان آباؤنا القدّيسون الذي تسلّموه من الرسل، والمسلّم بحد ذاته من الرّب يسوع نفسه، والمستمر بالكنيسة مدى الأجيال بالروح القدس، تُرجم صلوات وتراتيل ومواعظ واناشيد، تعبّر كلّها عن الإيمان الذي هو التسليم الشريف، وهذا التسليم يجمع بالتساوي الكتاب المقدّس والليتورجيا وتعاليم الأباء القدّيسون.

فإذا قارنّا العقيدة بصلواتنا والترتيل والكتاب المقدّس نرى أنهم واحد. وهذا ما تعلنه المجامع المسكونيّة السبعة وحباة الكنيسة كلّها.

مواضيع ذات صلة