في هذا اليوم تُقيم الكنيسة المُقدَّسَة تَذكار:
* أحد العنصرة. * القدّيس البارّ أونوفريوس المصريّ. * القدّيس البارّ بطرس الآثوسيّ. * أبينا الجليل في القدّيسين تريفيليون، أسقف لوكوسيا القبرصيّ. * القدّيس البارّ يوليانوس داغوثا القسطنطينيّ. * القدّيس البارّ زينون ويوحنّا الجنديّ. * القدّيس البارّ أرسانيوس الرّوسيّ. * القدّيسان البارّان أونوفريوس وأوكسنديوس فولودغا الرّوسيّان. * القدّيس البارّ أونوفريوس مالسْك. * القدّيس البارّ استفانوس كومل الرّوسيّ. * القدّيسان البارّان باسيان ويونان الرّوسيّان. * أبينا الجليل في القدّيسين أمفيون الكلّيليكيّ.
* * *
✤ القدّيس البارّ بطرس الآثوسي (القرن 9م)✤
كان جندياً في الفرقة الخاصة في الجيش البيزنطي. خلال حملة عسكرية وقع أسيراً بيد العرب في سوريا وأُلقي في سجن سامرّاء في العراق. عاد إلى نفسه وتذكّر أنّه نذر، يوماً، أن يصير راهباً. تاب ورجا القدّيس نيقولاوس أن يعينه واعداً أن يترهّب في رومية إذا ما أُطلق سراحه. وبعد أسبوع قضاه في الصَّوم والصَّلاة المتواترة ظهر له القدّيس نيقولاوس، في مناسبتين، وحثّه على المثابرة على الصَّلاة لكي يحظى بمراحم الله غلاباً. في المرّة الثالثة، ظهر له برفقة أحد القدّيسين وأعلن له أنّهما باتحاد صلاتهما من أجله حظيا له بالعتق. وبالفعل لمسا قيوده فانحلّت فاقتاداه إلى خارج السجن. وقيل أبان له القدّيس نيقولاوس السبيل إلى رومية حيث ترهّب وأُعطي اسم بطرس. أمضى هناك بعض الوقت تلقّن خلاله مبادئ الحياة الرّهبانية ثمّ عاد إلى الشرق.
خلال رحلة العودة اكتفى بطرس بالقليل من الخبز وشُرب ماء البحر. شطّطت السفينة في مرفأ في كريت للتزوّد بالمؤن. هناك شفى بطرس بصلاته عائلة أصابها وباء قاتل. وذات ليلة، إذ كانت السفينة راسية في مياه هادئة، عاين والدة الإله في المجد ومعها القدّيس نيقولاوس يرجوها أن تكشف لمحميِّه مكاناً موافقاً يسلك فيه في حياة مرضيّة لله. فأجابته: “لن يجد راحة سوى في جبل آثوس، على حدود الشرق والغرب. هذا ما وهبني إيّاه ابني وإلهي حتى كلّ مَن يعتزل العالم وهمومه يقدر أن يخدم الله بلا تشتّت. ومن الآن فصاعداً سوف يدعى هذا الجبل “الجبل المقدّس” و”حديقتي”، وسيعمر يوماً بالرّهبان. ولكلّ الذَّين يصمدون، بصبر، في وجه التجارب والضيقات ويمجّدون اسم ابني، سوف أكون معينة وحليفة في الجهادات وطبيبة وعزاء في هذا العالم، وسأُدافع عنهم في اليوم الأخير لينالوا غفران الخطايا.
وما إن وصلت السفينة إلى قبالة رأس آثوس الجنوبي حتى تسمّرت في موضعها وأبت أن تتحرّك رغم كون الأهوية مؤاتية. وإذ استعلم القدّيس عن اسم ذاك الجبل كشف لرفاقه أنّ عليه أن يغادرهم ليستقرّ فيه. وبشق النفس والدموع تركوه يذهب لأنّهم كانوا قد أحبّوه. فلمّا وقف على الشاطئ، رسم على المركب علامة الصليب ثلاثاً فتحرّك المركب وانطلق. تسلّق بطرس المنحدر بصعوبة بالغة ثمّ تقدّم إلى أن جاء إلى موضع منبسط. هناك وجد مغارة معتمة أحاطت بها النباتات بكثافة حتى أضحت ملاذاً للزحّافات وعريناً للأبالسة. في تلك المغارة استقرّ بطرس جاعلاً ثقته بالله.
في اليوم التّالي، إذ لم يطق الشيطان بخور صلاة بطرس المتواترة، سلّط عليه أبالسته الذَّين حاولوا إرهابه بصياحهم وجلبتهم وسهامهم والحجارة الَّتي أخذوا يلقونه عليه. أمّا بطرس فكان مستعداً لأن يبذل نفسه شهيداً، فثبت ولم يتزعزع. وما إن دعا باسم والدة الإله، حتى تبدّدت الظهورات الابليسيّة.
بعدما مضى عليه خمسون يوماً إذا بأرواح الظلمة تجيّش عليه الأفاعي والحيوانات البرّية في الجبل، فدفعها عنه بإشارة الصليب والدعاء باسم الله. وهكذا بدل أن ترعبه هجمات الأبالسة ثبّتته بالأكثر فجعل يتقدّم في مراقي الفضيلة يوماً فيوماً. وإذ وُجد خالياً من كلّ همّ وتشتّت، أمكنه أن يجمع في قلبه قِوى نفسه ويقدّم ذهنه، أصم أخرس، بإزاء الله، في صلاة نقيّة. هكذا أضحى قلبه سماء تتلألأ فيها أشعّة النعمة الإلهيّة الَّتي ما لبثت أن شملت جسده أيضاً. هذا الترقّي في سلّم الفضائل أغاظ إبليس فلم يشأ أن يذعن ولجأ إلى الحيلة. تقدّم من الناسك المجِدّ وعليه سيماء الفتية الخدّام وحاول إقناعه بترك الجبل رأفة بوالديه المفجوعين وواعداً إيّاه بأديرة أخرى هادئة ولو في المدينة. تحرّكت نفس القدّيس لكنّه أجاب: “ألا اعلم أنّه لا ملاك ولا إنسان أتى بي إلى ههنا بل الله ووالدته الكلّيّة القداسة وليس في وسعي من دون أمرهما، أن أغادر هذا المعتزَل. فحالما تناهى اسم والدة الإله إلى مِسمعي إبليس حتى توارى. ثمّ بعد سبع سنوات ظهر له من جديد، بهيئة ملاك نور، وفي سيره سيف مسلول، أمام مدخل المغارة وأعلن أنّه آت بإكلّيل المجد لأنّ القدّيس تفوّق على الأنبياء والقدّيسين بجهاداته وصلواته. وأضاف أنّ عليه من الآن فصاعداً أن يعود إلى العالم ليساهم في بناء الكثيرين وخلاصهم. جواب بطرس كان: “مَن تراني أكون، أنا الكلّب، ليأتي إليّ ملاك الله؟” وهكذا، مرّة أخرى، انهزم إبليس وفارقه كمَن أحرقه تواضع رجل الله. في الليلة التّالية، تراءت له والدة الإله مع القدّيس نيقولاوس وقالت له: “من الآن فصاعداً، لا تعد تخشى شيئاً!” ثمّ وعدته بملاك يأتيه، كلّ أربعين يوماً، بمنّ سماوي طعاماً. هكذا إذ بلغ القدّيس بجهاداته ينابيع الأهواء واتّشح بمعطف اللاهوى بنعمة الله، أمضى ثلاثة وخمسين عاماً في الهزيخيا أي السكون المبارك. تحمّل، دونما مشقّة، قسوة الطقس والعزلة لأنّ الهذيذ بالله كان يعوّض عليه الطعام واللباس والعزاء.
فلمّا شاء الرَّبّ الإله أن يكشف نمط الحياة الملائكية هذا للعالم، حدث أنّ صيّاداً مغامراً وفد إلى الغابات الكثيفة في جنوب آثوس وهو يطارد أيّلاً كبيراً. فلمّا رأى أمامه شيخاً ليس عليه سوى بعض أوراق الشجر، طويل اللحية، أبيض الشعر كالثلج ينزل حتى زنّاره، اضطرب واستبدّت به القشعريرة. أمّا القدّيس بطرس فهدّأ من روعه وأطلعه، بوداعة، على سيرة حياته وجهاداته والنِعم الَّتي أسبغها الله عليه. فاندهش الصيّاد ومجّد الله إذ حسبه أهلاً لمثل هذا اللقاء وسأل القدّيس أن يسمح له بالعيش معه. لكن بطرس أمره بالعودة إلى بيته وتوزيع مقتنياته على الفقراء، ثمّ أن يتمرّس على الحياة النسكيّة لمدّة سنة، وبعد ذلك يودّع ذويه ليلتحق به. فلمّا كانت السنة التّالية، عاد الصيّاد إلى آثوس برفقة راهبين وأخيه في الجسد. هذا الأخير كان معذّباً من الشيطان. لكنّهم وجدوا المغبوط وقد دخل في الراحة الأبدية، ويداه متقاطعتان وعيناه مغمضتان. وحدث العَجَب، إذ ما إن مسّ أخوه الجسد حتى أخذته تشنّجات عنيفة غادره إبليس على أثرها وهو يلعن بطرس الذَّي لم يكفّ منذ أكثر من خمسين سنة عن السخرية منه. أخذ الصيّاد ومَن معه جسد القدّيس في مركبهم واتّجهوا نحو الشمال. وما إن وصلوا مقابل دير كلّيمنضوس حتى توقّف المركب عن المسير. دير كلّيمنضوس هو ما أضحى، فيما بعد، لافرا العذراء، أو لافرا الجيورجيّين، الإيفيرون. كان الرّهبان منذ أن استقرّ بطرس في الجبل، قد أخذوا يتكاثرون، وجرى، مذ ذاك، تأسيس العديد من الأديرة. فبادر رهبان دير كلّيمنضوس إلى مساعدة المركب. ومع أن الصيّاد ورفاقه كانوا يرغبون في حفظ أمر بطرس سرّاً فإنّهم وجدوا أنفسهم مجبرين على كشف أمر الكنز الذَّي كان في حوزتهم. على الأثر جرى نقل الرفات المقدّسة إلى الكنيسة. للحال جرت بها عجائب جمّة اجتذبت لا الرّهبان من كلّ شبه الجزيرة وحسب بل جمّاً من السكّان من الجوار. بعد ذلك جرى نقل الجسد إلى كنيسة والدة الإله، أغلب الظنّ إلى كنيسة البروتاتون في كارياس، الَّتي كانت على اسم الرقاد. هناك كان الرّهبان يلتقون كلّ سنة. أمّا الصيّاد وأخوه فعادا إلى وطنهما فيما بقي الراهبان وادّعيا الرغبة في تمضية بقيّة أيامهما بحمى القدّيس، فاستقرّا في الجوار، لكنّهما اختلسا الجسد في الليل، بعد بضعة أيّام، وفرّا به بحراً في زورق. فلمّا دنيا من قرية Photokomi في تراقيا، خرج السكّان للقائهما، ليكرما القدّيس الذَّي جاء يخلّصهم من الأبالسة المقيمة في خزّانات المياه عندهم. فلمّا فتحوا الكيس الذَّي كان الجسد فيه، للحال خرج منه عطر سماوي وحصلت شفاءات عدّة. هذه العجائب اجتذبت جمهوراً كبيراً من الناس حتى إنّ أسقف الناحية، لمّا أخطر بالأمر، جاء هو وكلّ جماعة الإكلّيروس وأجبروا الراهبين على التخلّي عن الغنيمة الثمينة الَّتي كانت معهما. ورغم محاولة الشيطان أن يأتي برجل حاول إحراق الجسد، أُودعت الرفات في كنيسة الأبرشية وأضحت مصدراً لعجائب وتعزيات عديدة لسكّان المكان.