في هذا اليوم تُقيم الكنيسة المُقدَّسَة تَذكار:
*أطفال بيت لحم الشّهداء *القدّيس البار مركلّلوس الآفامي، رئيس دير الّذين لا ينامون *القدّيس البار تدّاوس الـمُعترف *القدّيس البار بنيامين النّيتري *القدّيس البار أثينودوروس *القدّيس جاورجيوس المرنّم، أسقف نيقوميذية *القدّيسون الأبرار الكهفيّون الرّوس مرقص الحفّار مع يوحنّا وثيوفيلوس.
* * *
✤تذكار أطفال بيت لحم الشّهداء✤
في ذلك الزّمان، أتى إلى مدينة أورشليم مَجوس من المَشرق قائلين: أين هو المولود ملك اليهود. فإنّنا رأينا نجمه في المَشرق وأتينا لنسجد له” (متّى2:2). فاضطرب هيرودوس الملك، المعروف بالكبير، واضطربت أورشليم معه.
كان الملك مريض النّفس، شديد الخوف على ملكه، ظنّانًا ، شكّاكًا بأهل بيته وأعوانه، بكلّ قريب وبعيد، حاسبًا الجميع متآمرًا عليه. ولم يكن خوفه من دون مبرّر ولو بلغ لديه مبلغ الوسواس. فقد حسبه اليهود مغتصبًا لأنّه آدوميّ من غير جنسهم، رغم أنّ الآدوميّين كانوا قد اقتبلوا اليهوديّة عنوةً كمذهب منذ بعض الوقت (في حدود السّنة125ق.م).
ولمّا كان هيرودوس قد تزوّج عشر نساء فقد أنجبن له ذكورًا كثرًا، كلّهم اشتهى الخلافة حتّى بات القصر مسرحًا لعشرات المؤامرات والفتن، ويذكُر التّاريخ أنّه قتل الكثير من أبنائه وبالنّهاية مات هو والدّود يأكله.
في هذا الجوّ المَوْبوء، المَشحون، الحافل بالمؤامرات والمكائد، لجأ هيرودوس إلى التّصفية الجسديّة، ففتك بأبرز أعضاء مشيخته وبزوجته مريمني وأمِّها الكسندرا وابنيها وورثته وخيرة أصدقائه. وكان مستعدًّا للتّخلّص من أيّ كان إذا ظنّ أنّه طامع بمُلكه.
لهذا السّبب كان لخبر المجوس عليه وقع الصّاعقة، فاستدعى، للحال، رؤساء الكهنة والكتبة وسألهم أين يولد المسيح، ودينونة رؤساء اليهود أنّ كتبهم النّبويّة تخبرعن ولادة الصّبيّ وحالتهم لحب السّلطة لا تختلف عن حالة هيرودس.
كان الجو عابقًا بالحديث عن المسيح الآتي. ولم يكن هيرودوس غريبًا عن أحاديث النّاس، لاسيّما وقد ارتبطت صورة المسيح في الأذهان باسترداد المُلك المغتصب وعودة اليهود إلى الواجهة.
لهذا كان هيرودوس معنيًّا بالأمر بصورةٍ مباشرة. وإذ فهم أنّ بيت لحم اليهوديّة هي المكان اصطنع حيلة للقضاء على الصّبيّ، فاستدعى المجوس، سرًّا، واستعلم منهم منذ كم من الوقت ظهر لهم النّجم. هذا كان من المُفترض أن يُعطيه فكرة عن عمر الصّبيّ. وإذ تظاهر بأنّه مهتمّ بالسّجود لمن يرومون هم السّجود له، أطلقهم إلى بيت لحم ليبحثوا عن الصّبيّ، ومتى وجدوه أن يرجعوا إليه ويخبروه.
وبعد أن هداهم ملاك الرَّبّ بهيئة نجم إلى موضع الصّبيّ، سجدوا وقدّموا له الهدايا لبانًا ومرًّا وذهبًا. وإذ همّوا بالعودة إلى بلادهم عن طريق أورشليم، أُوحي إليهم في حلمٍ فانصرفوا في طريق أخرى. أمّا الصّبيّ وأمّه فأخذهما يوسف، بأمر الملاك، وانحدر بهما إلى مصر.
انتظر هيرودوس بفارغ الصّبر عودة المجوس فلم يعودوا ولا أرسلوا له خبرًا بشأن الصّبيّ. ولمّا طال انتظاره، على غير طائل، تيقّن أنّهم سخروا به وخدعوه، فاستبدّ به غضب شديد وقام فأرسل إلى بيت لحم والتّخوم وقتل جميع الصّبيان فيها من عمر سنتين فما دون على حسب الزّمان الّذي تحقّقه من المجوس.
هؤلاء هم الشّهداء الأوائل الّذين سقطوا باسم الرَّبّ يسوع بعد ولادته بالجسد.
اللّيتورجيّة تقول عنهم إنّهم “مقدِّمة للحمل الجديد الّذي سيتألّم ويُذبح لأجل خلاصنا” (صلاة السّحر قطعة الأبوستيخن الثّالثة)، وقد حصلوا ذبيحة أولى لميلاد المسيح الإله الطّاهر، وقُدِّموا له كعناقيد، وصار لهم أن يتهلّلوا “لأنّهم ذُبحوا من أجل المسيح” (صلاة الغروب ذكصا الأبوستيخن).
متّى الإنجيليّ الّذي أورد خبر أطفال بيت لحم ربطه بإرميا النّبيّ القائل: “صوتٌ سُمع في الرّامة، نوح وبكاء وعويل كثير. راحيل تبكي على أولادها ولا تريد أن تتعزّى لأنّهم ليسوا بموجودين” (15:31).
إرميا كان يتحدّث عن القبائل المنتمية إلى راحيل، كأفرام ومنسّى، وهي في طريق السّبي إلى آشور وربّما بابل. نذكِّر بأنّ قبر راحيل كان قريبًا من بيت لحم وأنّ إرميا بعدما أشار إلى بكاء راحيل أردف قائلًا: “هكذا قال الرَّبّ. امنعي صوتك عن البكاء وعينيك عن الدّموع لأنّه يوجد جزاء لعملك يقول الرَّبّ… ويوجد رجاء لآخرتك…” (إرميا31:16-17). ثمّ أضاف، في الإصحاح عينه: “ها أيّام تأتي يقول الرَّبّ وأقطع مع بيت إسرائيل ومع بيت يهوذا عهدًا جديدًا… أجعل شريعتي في داخلهم وأكتبها على قلوبهم وأكون لهم إلهًا وهم يكونون لي شعبًا… سيعرفونني من صغيرهم إلى كبيرهم لأنّي أصفح عن إثمهم…” (إرميا31:31-34).
من هنا يبدو مقتل أطفال بيت لحم رسمًا لِمُعاناة شعب الله للمؤمن به في كلّ تاريخه وإيذانًا بتمام وعود الله بأنبيائه في تجسّده.
أيّها الرَّبّ الّذي قبل الدّهور إنّك لمّا وُلدت من البتول وصرتَ طفلًا لأجل صلاحك، قُدّم لك مصفّ الأطفال بدم الاستشهاد، متلألئّةً نفوسهم الصّافية بعدل، فأسكنتهم في المنازل الدّائمة الحياة، مُعلِنًا رداءة هيرودس وغباوته القاسية جدًّا. (أبوستيخن من الغروب).