في هذا اليوم تُقيم الكنيسة المُقدَّسَة تَذكار:
*القدّيس البارّ سيصوي الكبير *الشّهيدة لوسيّا ورفقتها *الشّهيد في الكهنة أستيوس الألبانيّ*الشّهيد أولونيوس *الشّهيد ألكسندريون *الشّهيد أبيماخوس *الجديد في الشّهداء كيرللس التّسالونيكيّ*القدّيسة البارّة يوليانا الكييفيّة *القدّيس البارّ سيصوي الكييفيّ*أبونا الجليل في القدّيسين بالاديوس سكوتلندا *القدّيسة البارّة سيكسبورغ الإنكليزيّة *القدّيسة البارّة مونينا الإيرلنديّة *الشّهيد الرّوسيّ الجديد ثيودوروس بوغويافلنسكي
* * *
✤القدّيس البارّ سيصوي الكبير✤
اسم القدّيس سيصوي أو شيشوي هو “ابن العالي”. من مواليد مصر. ترك العالم في شبابه ولجأ إلى برّيّة شيهيت وهو في العشرين (340 م). هناك تتلمذ للقدّيس مكاريوس. وإذ كان يشتهي حياة أكثر هدوءًا عَبَر في العام 356 م. نهر النّيل وجاء إلى جبل القدّيس أنطونيوس الكبير فكانت له سيرة هذا القدّيس وفضائله مُعينًا ومثبِّتًا. تعاطى التّوحّد إلى العام 426 م. وقد عاش إلى عمر 109/ 110 سنوات. في سنيه الأخيرة عاد إلى برّية شيهيت حيث تنيّح بعد قليل من إقامته فيها. قال عنه الأنبا بيمين إنّه فاق كلّ الحدود وتجاوز كلّ سير الآباء القدّيسين.
جعل القدّيس سيصوي معلّمه القدّيس أنطونيوس أمام عينيه في كلّ حين حتّى حسب أنّ معلّمه كان يراه ويسمع توجيهاته لتلاميذه. وكان يدرّب نفسه على الاقتداء به: يقسو على نفسه ويلزم الصّمت ويشتاق إلى الصّلاة. ذاع صيته وتتلمذ عليه الكثيرون ممّا اضطرّه إلى هجران الصّمت والوحدة تحقيقًا لهدف أسمى هو المحبّة.
ورد أنّه بعد نياحة القدّيس أنطونيوس جاء إلى القدّيس سيصوي أخوه زائرًا في مغارة القدّيس أنطونيوس فسمعه يقول: “كان يسكن في هذه المغارة أسد والآن يسكنها ثعلب!”
سأله، مرّة، أحد الرّهبان: “ألم تصل، يا أبانا، إلى درجة الأنبا أنطونيوس؟” فأجاب: “لو كانت لي واحدة فقط من فضائل هذا الرّاهب لتحوّلت إلى شعلة حبّ إلهيّ”.
إنسحاق القلب، لدى القدّيس سيصوي، كان فضيلته الثّابتة. وكان معِينًا لتلاميذه في ضعفهم وخطاياهم، يقودهم بالمحبّة والصّبر إلى ميناء التّوبة.
قال له أحد الرّهبان مرّة: “يا أبي، إني أضع نفسي دائمًا في حضرة الله”. فأجابه القدّيس سيصوي: “خير لك يا بنيّ أن تضع نفسك تحت كلّ المخلوقات حتّى تكون مطمئنًّا في تواضعك”.
دُعي بتائب البرّيّة بسبب ما حصل له وقت نياحته بحضور الأنبا آمون تلميذ الأنبا بموا. قيل سمعوه يكلّم أشخاصًا غير منظورين، فسأله الحاضرون: “ماذا ترى يا أبانا؟” فأجاب: “أرى جماعة قادمة لتأخذني وأنا أتوسّل إليهم أن يمهلوني قليلًا حتّى أتوب”. فعلّق أحد الشّيوخ: “ولكن هل لديك قوّة بعد لكي تتوب؟”، فأجاب: “وإن لم تكن لديّ القوّة على ذلك فإنّي أتنهّد وأبكي على نفسي!” ولمّا قال هذا أشرق وجهه كالشّمس ففزع الّذين حوله وسمعوه يقول: “الرَّبّ يقول إئتوني بتائب البرّيّة”. ولمّا قال هذا أسلم الرّوح فامتلأت القلّاية رائحة طيب.
اعتاد أن يعود إلى قلّايته فور انتهاء العبادة وديدنه القول: “جيّد للرّاهب أن يبقى في قلّايته”.
كان يخشى في حضور الآخرين أن يرفع يديه وهو يُصلّي إلّا خطفًا لئلّا يُخطَف عقلُه إلى السّماء في وجود أحد. مرّة فيما كان جالسًا في قلّايته قرع تلميذه الباب فأجابه الشّيخ: “انصرف يا أبرام ولا تعد حتّى أستدعيك لأنّي مشغول الآن ولست وحدي!”
كثيرًا ما كان يحدث له أن ينسى أنّه لم يأكل، وكان تلميذه يذكّره بذلك بإلحاح. سأله أحدهم: “ترى هل كان الشّيطان يزعج الرّهبان قديمًا أكثر ممّا يزعجهم اليوم؟” فأجابه: “بل اليوم أكثر لأنّ زمانه قد دنا لذلك هو قلق”.
هذا وقاوم القدّيس سيصوي الآريوسيّين المقبلين إليه.
من أخباره أنّ أحد الأراخنة كان قادمًا إليه مع ابنه. ففي الطّريق إلى المغارة سقط الغُلام صَريعًا فحمله الأرخن إلى حيث كان القدّيس وكان مُستغرِقًا في مُعايناته فسجد للرَّبّ أمامه ووضع ابنه الميت بجواره كأنّه ساجد وتركه. بقي الابن على هذه الحال والقدّيس ينتظر قيامه. فلمّا تأخّر جدًّا ربّت على رأسه قائلًا: ليباركك الرَّبّ يا بنيّ. انهض سالمًا فنهض الصّبيّ مُعافى ومجّد الأبُ الرَّبّ وروى عاليًا ما حدث، فاضطرب القدّيس وألحّ عليه ألّا يخبر أحدًا بذلك إلى يوم انتقاله.
جاءه ثلاثة متوحّدين مرّة فسأله الأوّل: “ماذا أفعل يا أبي لأنجو من نار جهنّم؟” وسأله الثاني: “كيف أهرب من صرير الأسنان والدّود الّذي لا يموت؟” وسأله الثّالث: “ماذا سيكون حالي فإنّي كلّما أفكّر في الظّلمة الخارجيّة أكاد أموت رعبًا؟” فأجابهم: “أعترف لكم بأنّ هذه الأمور لا أفكّر فيها أبدًا. وأنا إذ أعلم أنّ الله رحيم أثق بأنّه سيَرحمني”. فلمّا حزنوا لجوابه وأراد أن يبعث فيهم روح الرَّجاء قال لهم: “أغبّطكم وأُطوّبكم يا إخوتي وأشعر بالغيرة من فضيلتكم لأنّه ما دامت مثل هذه الذّكريات بشأن عذاب جهنّم تساوركم فمن المستحيل أن تستعبدكم الخطيئة. أمّا أنا فجامد القلب ولا أُفكّر بأنّ ثمّة عقابًا ينتظر الخاطئ الأثيم. لهذا لا أكفّ عن ارتكاب الخطايا”.
جاؤوا به مرّة من البرّية إلى شيهيت لضرورة الشّيخوخة فلاحظه الأنبا آمون متأثّرًا جدًّا فسأله: “لماذا أنت حزين هكذا يا أبانا؟ ماذا كان بإمكانك أن تفعل في البرّية وحدك وأنت مُسنّ؟” فتطلّع إليه معاتبًا: “ما هذا الّذي تقوله يا آمون؟ أليس مجرّد الإحساس بالحرّية في الصّحراء أفضل من كلّ شيء؟”
وقد ورد إنّه كان يؤاكل ضيوفه متى أتوه في وقت غير موافق ثمّ يحرم نفسه من الطّعام أيّامًا للتّعويض عمّا فعله
لمّا دنت ساعة فراقه سُمع يصرخ: “القدّيس أنطونيوس والأنبياء والملائكة أتوا لأخذ روحي”. ثمّ أضاء وجهه وسكت لحظة ثمّ صرخ من جديد: “والآن الرَّبّ يأتي إليّ”. هكذا أسلم روحه حوالي السّنة 429 م بعدما كان قد اعتزل في جبل الأنبا أنطونيوس اثنتين وستين سنة.
من أقواله جواباً على سؤال وُجِّه إليه: “هل الهروب نافع للراهب؟” فقال جاعلاً إصبعه على فمه: “إن حفظت نفسك من هذا يا ابني، فهذا هو الهروب”.
سألوه: “كم من الزمن يحتاج الإنسان لقطع الأهواء” فأجاب: “حالما تتحرّك فيك الشهوة اقطعها”.
وسأله أخ: “كنت جالسًا في البرّية وقدم بربري وأراد قتلي وقويت عليه فهل أقتله؟” أجاب: “كلا، بل سلّم أمرك لله لأنّ كل محنة تأتي على الإنسان ليس له إلّا أن يقول: إنّها من أجل خطاياي!”
هذا ويصوّرون في التراث القدّيس سيصوي وهو ينظر مرقد الإسكندر الكبير متأمّلاً بدهش بطلان المجد العالمي وذارفًا الدّمع سخيًّا على مصير كلّ إنسان.