في هذا اليوم تُقيم الكنيسة المُقدَّسَة تَذكار:
*الشّهداء الفرس أكبسيماس ويوسف وآيثالا *نقل رُفات العَظيم في الشّهداء جاورجيوس اللّابس الظّفر*القدّيس البار إيليّا الأنطاكيّ*القدّيس البار أكبسيماس القورشيّ*القدّيس الـمُعتَرِف أخيمينيد الفارسيّ*القدّيس ثيودوروس أسقف أنقرة *الشّهداء داكيوس وساويروس وأدريان وثيودوسيوس *القدّيس البار إيليّا المصريّ*الشّهداء التّسعة*الشّهداء الثمّانية والعشرون*الجديد في الشّهداء جاورجيوس نيابوليس *القدّيسة البارّة حنّة الرّوسيّة*القدّيس البار بيمن زوغرافو *الشّهداء الرّوس الجدد سرجيوس كيدروف وآخرون.
* * *
✤تذكار القدّيسين الشّهداء الفرس أكبسيماس ويوسف وآيثالا (القرن الرّابع)✤
في أواخر العقد الرّابع من القرن الرّابع الميلاديّ (338– 340) اجتاحت المسيحيّين في بلاد فارس موجة اضطهاد واسع النّطاق كان أوّل شهدائها الشّهيد في رؤساء الكهنة سمعان الفارسيّ الّذي تعيّد له الكنيسة في اليوم السّابع عشر من شهر نيسان من كلّ عام. هذه الحملة امتدّت أربعين سنة وكان خاتمتها الشّهداء الثّلاثة الّذين نعيّد لهم اليوم: أكبسيماس ويوسف وآيثالا.
ففي زمن الملك الفارسيّ شابور الثّاني، وبالتّحديد في أواخر العقد الثّامن مِن القرن الرّابع (376 – 379)، مُنح شيوخ المَجوس سُلطات واسعة خوّلتهم ملاحقة المسيحيّين في كلّ مكان واستعمال كافّة الأساليب والوَسائِل اللّازمة ِلِمَحو المَسيحيّة من البلاد. الحجّة في ذلك كانت ثلاثيّة:
أوّلًا: لأنّ المسيحيّين يشكّلون خطرًا حقيقيًّا على التّراث، لا سيّما عبادة الشّمس والنّار.
ثانيًا: لأنّ المسيحيّين يهدّدون الجنس الفارسيّ بالانقراض حيث يشيّعون أنّ العذريّة أسمى من الزّواج.
ثالثًا: لأنّ المَسيحيّين يأبون الرّضوخ للملك وسلطانه الشّامل على رعاياه، فهم، بهذا المَعنى، ثوّار متمرّدون يتهدّدون المملكة من الدّاخل.
لهذه الأسباب مجتمعة صدرت الأوامر، باسم الملك، بإلقاء القبض على أكبسيماس أسقف مدينة باكا، في مقاطعة أونيتي، واستيق للاستجواب. كان أكبسيماس شيخًا في الثّمانين من العمر وقورًا، ممتلئًا حَسنات حيال الفقراء والغرباء، كثير الأصوام والصّلوات والسّجود، يذرف الدّموع، على الدّوام، مِدرارًا. فحالما ألقى الجنود عليه الأيدي بادره بعض أصدقائه مطمْئِنين بالقول: “لا تخف يا أبانا، سنحافظ لك على دارك!” فتطلّع إليهم وقال: “ليس هذا البيت بعد اليوم بيتي، فأنا لا أملك غير المسيح. هو وحده ربحي. أمّا الباقي فلم يعد له وجود عندي“.
وأُخذ أكبسيماس إلى مدينة أربيل حيث اعترف أمام المجوس ولم يُنكر أنّه يكرز بالإله الواحد ويدعو النّاس إلى التّوبة وعبادة الخالق دون المخلوق، فأشبعوه لطمًا وجلدًا وألقوه في سجنٍ مُظلم.
ثمّ إنّه حدث في ذلك الوقت أن أُلقي القبض، وللأسباب عَيْنها، على يوسف الكاهن من بيت كاتوبا. هذا أيضًا كان شيخًا ناهَزَ السّبعين من العمر. كما أمسك العسكر الشّمّاس آيثالا من بيت نوهورا وكان في السّتّين من العمر. هذان استيقا إلى مدينة أربيل أيضًا حيث مَثَلا أمام شيوخ المَجوس هما أيضًا.
هدّد الحاكم يوسف الكاهن بالموت بتهمة إفساد النّاس بالسِّحْر الّذي كان يُمارسُه، وكان يَقصد بذلك إقامة الأسرار المُقدّسة، فأجاب يوسف: “نحن لا نمارِس السِّحْر بل نعلّم النّاس الحقيقة لكي ينبذوا الصّور الّتي لا حياة فيها ويعرفوا الإله الحيّ الحقيقي وحده“. فأردف الحاكم قائلًا: “ولكنّ الملك وحده على حقّ…“، فأجابه يوسف: “إنّ الله يحتقر الكبرياء والعظمة والغنى في هذا العالم. أجل نحن فقراء مساكين، ولكنّنا ارتضينا ذلك لأنفسنا طوعًا. نحن نعطي الفقراء من عرق جبيننا، أمّا أنتم فتسرقونهم. ليس الغِنى سِوَى وَهْم وخَيال يَزول بزوال الحياة على الأرض. وهذا هو السّبَب في أنّنا لا نتعلّق به لكي نُحسب أهلًا للمَجْد الآتي“.
أثار هذا الكلام حفيظة الحاكم فأوعز إلى رجاله بمُعاقَبة يوسف، فأشبعوه ضَرْبًا بقضبان الرّمان الشّائِكَة حتّى جرّحوا جسمه كلّه.
ثمّ جيء بآيثالا فأُمر بعبادة الشّمس وشرْب الدّم واتخّاذ امرأة لنفسه والانصياع لأوامر الملك وإلّا واجه التّعذيب والموت، فأبى قائلًا: “خير لي أن أموت لأحيا من أن أحيا لأموت إلى الأبد“. فأخْضَعوه، للحال، للتّعذيب. وبعدما جلدوه وحطّموا يديه ورجليه ألقوه في السّجن المُظلم الّذي أُلقي فيه أكبسيماس ويوسف.
بَقي الثّلاثة في السّجن ثلاثة أشهر، غَيَّرَ الحُرمان والبَرد والرّطوبة والمُعاناة خلالها هيأتهم حتّى قيل إنّه ما كان بإمكان إنسان مَهما قسى قلبه أن يرى منظرهم المُريع ولا ينفطر أسى عليهم. ثمّ بعد استجوابات إضافيّة حاول المَجوس خلالها تحطيم مُقاومة هؤلاء المُعترفين الثّلاثة دون جدوى، سَقط أكبسيماس صريعًا تحت الضّرب، فيما أُلزِمَ بعض المَسيحيّين بِرَجم يوسف وآيثالا حتّى المَوت.
وهكذا قضى هؤلاء الشّهداء الثّلاثة واضعين بدمائهم حدًّا لتلك الحملة الشّرِسَة الّتي طالت المَسيحيّين أربعين سنة في ذلك الزّمان.