في هذا اليوم تُقيم الكنيسة المُقدَّسَة تَذكار:
*القدّيس يوليانوس الكيليكيّ*الشّهيد سابينوس المصريّ*الشّهيد باباس *القدّيس البارّ يوحنّا روفنيانس *الشّهيد رومانوس البنطيّ*شهداء طرابلس الفينيقيّة العشر *الشّهيد في الكهنة ألكسندروس الرّوميّ*القدّيس البارّ حنانيا الفراتي العجائبيّ*القدّيس البارّ خريستوذولوس العجائبيّ*الشّهيدان طروفيموس وثالوس السّوريّان.
* * *
✤القدّيس يوليانوس الكيليكيّ✤
كان استشهاد القدّيس يوليانوس الكيليكيّ في زمن الأمبراطور ذيوكلسيانوس، فيما يبدو، حوالي السّنة 303 م، وولاية مرقيانوس الحاكم على كيليكيا. لدينا عظة قيّمة للذّهبيّ الفم في شأنه. دونك أبرز ما ورد فيها عنه.
وُلد القدّيس يوليانوس في كيليكيا حيث وُلد الرّسول المصطفى بولس. فلمّا كان زمن الاضطهاد وكان لا بدّ من المواجهة وقع يوليانوس بين يديّ حاكم “فظّ بربريّ” لجأ، في تعامله والقدّيس، إلى أسلوب حيّال ما لبث أن انقلب عليه. فإنّه لمّا عاين في يوليانوس إرادة لا تلين وشجاعة لا تخور وعجز عن كبحه بعنف العذابات، أخذ يغيّر من يوم إلى يوم نوع التّعذيب. لم يشأ أن يقطع رأسه سريعًا بعدما عرف أيّ نوع من الرّجال هو مخافة أن يضع لمُعاناته حدًّا سريعًا. كان يوقفه لديه تكرارًا فيستجوبه ويتهدّده ثم يعود ويتملّقه. كلّ ذلك ليتمكّن من زعزعة ثباته. ولسنة كاملة جال به في كلّ كيليكيا معرِّضًا إيّاه للهزء والسّخرية. إلّا أنّ تدبير الحاكم آل، في نهاية المطاف، إلى إظهار مجد الله في قدّيسه الّذي هتف مع الرّسول المصطفى بولس:”شكرًا لله الّذي يقودنا في موكب نصرته في المسيح كلّ حين ويُظهر بنا رائحة معرفته في كلّ مكان” (2 كور 2: 14). كانوا يديمون نقله من مكان إلى مكان ليشوّشوا نفسه فأبدى من الصّلابة والثّبات ما بدا منقطع النّظير ولفت سكّان كيليكيا إليه فعجبوا لفضيلته. ذاع صيته فلمّا تسنّت للكيليكيّين فرصة معاينته وجهًا لوجه كان لهذه المُعايَنة وقع أقوى وأشدّ وأرسخ من سماعهم عنه. اقترنت الأذن بالعين فكانت الشّهادة على أبلغ ما تكون. أثقل الحاكم عليه فازداد مجدًا. مدّد آلامه فتمحّص صبرًا. كلّما طال وضع الذّهب في الأتون تنقّى، كذا القدّيس كابد فتلألأ. والحاكم إذ تنقّل به من مكان إلى مكان أبرز، من حيث لا يدري، غلبة القدّيس عليه وعلى إبليس، دليلًا على قساوة الأمميّين وشهادة لتقوى المسيحيّين وقدرة يسوع وحثًّا للمؤمنين على الدّخول، بجرأة، في بطولات مماثلة. أضحى رجل الله بشيرًا للمجد الإلهيّ ومعلّمًا يلقّن الآخرين أصول المواجهة. يحثّهم على الإقتداء بحميّته لا بالكلام بل بالأفعال الّتي يتردّد صداها في كلّ مكان بهيًّا. كان يذيع مجد الله وأضحى هو نفسه سماء أشدّ سطوعًا من السّماء المنظورة. كلا جوق الكواكب لا يتلألأ في كبد السّماء كما تلألأت جراح القدّيس في جسده! النّاس والأبالسة تنظر السّماء والكواكب فيها، أمّا جراح يوليانوس الّتي عاينها المؤمنون فلم يجرؤ الأبالسة على التّطلّع إليها لأنّ بهاء الجراح لا طاقة لهم على احتماله.
وأوقف القدّيس أمام المحكمة مجدّدًا. لم يرَ من حوله غير الآلام والتّعذيبات المروِّعة. أحاط الجلاّدون به كالضّواري. مزّقوا جنبيه وقطّعوا لحمانه وجرّدوا عظامه واخترقوا أحشاءه. رغم كلّ شيء لم يتمكّنوا من سلبه كنـز الإيمان. هذا الهيكل الحيّ ليسوع المسيح نقر الجلاّدون حيطانه وفتحوا صدره فلم يتمكّنوا من نقب المغانم المخبوءة فيه. بالعكس، جرأة القدّيس وثباته زاداه غنى فوق غنى. استعمل الطّاغية والجلاّدون السّياط والحديد والنّار، كلّ أدوات التّعذيب. مزّقوا خاصرتيه فلم يتفوّه سوى بكلمة واحدة قويت على كلّ الآلات المنصوبة ضدّه. كلمة واحدة مقدّسة خرجت من فيه فنشرت نورًا أشدّ ضياء من أشعة الشّمس. انطلقت نحو السّماء. اخترقتها إلى السّموات العليا. الملائكة ورؤساء الملائكة والشّاروبيم وكلّ القوّات السّماويّة ارتدّت إلى الوراء لتفسح في المجال لعبور الكلمة مأخوذة إزاءها بوقار وناقلة إياها بخشوع إلى العرش الأسمى للسيّد الملك.
فلما تفوّه يوليانوس بكلمته الأخيرة ورأى الحاكم ان كلّ وسائله وحيله عديمة النّفع وان الإنقضاض على القدّيس إن هو سوى رفس مناخس، ماذا فعل؟ عزم على حسم أيّام الشّهيد فبدا عزمه إقرارًا بخيبة الطّاغية وشهادة ساطعة لنصرة الشّهداء على من يرومون نزع حياتهم. دونك كيف شاء الحاكم ان يتخلّص من يوليانوس. جاء بكيس ملأه رملًا وعقارب وحيّات وجعل القدّيس فيه وألقاه في البحر. لم تؤذ الحيوانات رجل الله احترامًا وتوقيرًا، دينونة لكائنات ذوات طبيعة بشريّة عاقلة تخطت وحشيتها تلك الّتي للحيوانات المفترسة. الذّهبي الفم قارب بين يوليانوس ودانيال النّبي فقال عن الأخير انه حارب أسدين وانتصر عليهما، ولكن كان الأسدان، محسوسين، أما يوليانوس فحارب أسدًا واحدًا وانتصر وكان أسدًا روحيًا. كذلك قارب الذّهبي الفم بين يوليانوس ونوح فقال عن الأخير انه رجلًا دخل الفلك ورجلًا خرج، أما يوليانوس فدخل البحر رجلًا وخرج ملاكًا. الأول دخل من الأرض إلى الفلك ثم عاد إلى الأرض والثّاني دخل من الأرض إلى البحر ثم ارتفع إلى السّماء. لم يتلقفه البحر بالموت بل بإكليل المجد. وبعدما تكلّل أعطانا الفُلك المقدّس الّذي هو جسده والّذي ما زال لنا إلى اليوم (أي إلى زمن الذّهبي الفم) كنـزًا ثمينًا ونبعًا لخيرات لا تنضب. والبقايا المقدّسة أثر يذكّرنا، دائمًا، بفضائل القدّيس. أجساد القدّيسين تبقى لنا إلى يوم القيامة دروسًا في الحياة المسيحيّة. وإكرام القدّيسين لا يكون بزيارة أضرحتهم وحسب بل، بالأكثر، بالسّعي الحثيث إلى الاقتداء بجرأتهم.
يُذكر ان مصادر أخرى أوردت ان يوليانوس هو مولود عين زربة واسم أمه اسكلبيوذورا وانها شجّعته على الثّبات في أمانته ليسوع إلى المنتهى. ولما أُلقي في البحر اكتُشف جسده ونُقل إلى مكان ما يبعد ثلاثة أميال عن إنطاكية، على طريق دفني. هناك شُيِّدت كنيسة لإكرامه وسُجِّلت به أشفية عديدة لا سيما بين الممسوسين والمعتوهين. تلك الكنيسة جرى إحراقها إثر غزوة الفرس سنة 537 م.
ملاحظة تُعيّد الكنيسة للقدّيس يوليانوس أيضًا في 21 حزيران واللّاتين اليوم.