في هذا اليوم تُقيم الكنيسة المُقدَّسَة تَذكار:
*النّبيّ عاموص *الشّهداء فيتوس ورفيقاه مودستوس وخريسنتيا *الشّهيد ذولاس الكيليكيّ*القدّيس البارّ ذولاس المصريّ*القدّيس البارّ هورسياز الباخوميّ*الشّهيدة غروس *الشّهيد نرسيس *أبونا الجليل في القدّيسين سمعان النّوفغوروديّ*القدّيسان البارّان غريغوريوس وكاسيانوس الروسيّان *القدّيس لعازر الصدّيق، الأمير الصّربيّ*القدّيس البارّ أفرام الصّربيّ البطريرك *أبونا الجليل في القدّيسين اسبيريدون البطريرك الصّربيّ*شهداء صربيا الجُدُد *القدّيس البارّ إيرونيموس *أبونا الجليل في القدّيسين أوغسطينوس، أسقف هيبو.
* * *
✤النّبيّ عاموص✤
عاموص أحد الأنبياء الإثني عشر الصّغار. سِفره هو السِّفر الثّالث ترتيبًا بعد هوشع ويوئيل. يحمل اسمه معنى “الثّقل”، ربّما دلالةً على ثقل خطايا إسرائيل أو ثقل النّبوّة الّتي كُلِّف بها. هو من قرية تقع على بعد خمسة أميال جنوبي شرقي بيت لحم وعشرة أميال جنوبي أورشليم. إذًا من مملكة الجنوب، من يهوذا. وهو من عامّة النّاس. هكذا قدّم نفسه وأبان اختيار الإله له: “لست أنا بنبيًّا ولا ابن نبيّ بل أنا راعٍ وجاني جمّيز، فأخذني الرَّبّ من وراء الضّأن وقال لي اذهب تنبّأ لشعبي إسرائيل” (7: 14 – 15). اتّجه، بخاصة، شطر إسرائيل، أي مملكة الشّمال. زمان النّبوءة، كما يستهلّ السِّفِر الكلام، هو أيّام عزِّيا، ملك يهوذا، ويربعام بن يوآش، ملك إسرائيل، قبل الزّلزلة بسنتين. تلك كانت، لإسرائيل ويهوذا، أيّام سياسيّة وعسكريّة مؤاتية. آرام (دمشق) كان مُنشغلًا في صراعه مع آشور فأنهك آرام وأُتيح لإسرائيل أن يستردّ الكثير من ممتلكاته الّتي سبق لآرام أن اغتصبها منه. وآشور (بلاد ما بين النَّهرين) لم يعد في وارد شنّ الغارات على مصر. يوم كان يفعل ذلك كان يخترق إسرائيل ويُعمل بها نهبًا وقتلًا وتشريدًا كونها معبره إلى مصر. زمن النَّبوءة، كما يُحدِّدُه الدَّارِسون، على وجه التَّقريب، هو 750– 760 ق.م.
في النّبوءة ثمانية أقوال على دمشق وغزّة وصور وآدوم وعمّون وموآب ويهوذا وإسرائيل، وأكثر النّبوءة على إسرائيل. الخطيئة يمجّها الرَّبّ الإله حيثما ارتُكبت في كلّ شعوب الأرض فيؤدّبها، فكيف بإسرائيل إذا زاغت وفسدت وهي خاصّتُهُ العالمة بأحكامه ومقاصِدِه؟!
مفاسد إسرائيل، يومها، نمت في أجواء من الاستقرار السّياسيّ. ازدهرت تجارتها الخارجيّة واتّسعت رقعتها فكثرت الأموال وأدّى الغنى الفاحش إلى ظهور طبقة غنيّة جدًّا هي طبقة التُّجّار الّتي انغمست في التَّرَف الزَّائد، وطبقة فقيرة جدًّا هي طبقة الفلّاحين الّتي كانت قابعة في العوز الشّديد. هكذا ساد الظّلم وعمّ الاستغلال وتفشّى البطر. استراح المترفون واطمأنوا واضطجعوا على أسرّة من العاج وأكلوا الخراف والعجول من وسط الصّيرة وهذروا مع صوت الرّباب واخترعوا لأنفسهم آلات الغناء وشربوا من كؤوس الخمر وادّهنوا بأفضل الأدهان ولم يبالوا بمساكين الأرض ولا اغتمّوا “على انسحاق يوسف” (6). تعاطوا الرّشوة والغشّ والفحشاء وسحق الفقراء. “يذهب رجل وأبوه إلى صبيّة واحدة حتّى يدنّسوا اسم قدسي” (2: 7). قالوا: “لنصغّر الإيفة ونكبّر الشّاقل ونعوِّج موازين الغشّ” (8: 5). وقالوا أيضًا: “لنشتري الضُّعفاء بفضّة والبائس بنَعْلَين ونبيع نفاية القمح” (8: 6).
الظُّلم والتَّرَف والفَحشاء واكبه، في المُمارسة، فساد في العبادة. فمن دان إلى بئر السَّبع أُقيمتْ المُرتفعات المحليّة والأنصاب تمجيدًا للبَعْل والعجل الذّهبيّ. العبادة نَمت وازدهرت ولكن باطلًا. أغرق النّاس في الطّقوس الوثنيّة كما ليقوَوا على ارتكاب المآثم. لذا قال عاموص فيهم: “هلمّ إلى بيت إيل وأذنبوا إلى الجلجال وأكثروا الذّنوب وأُحضِروا كلّ صباح ذبائحكم وكلّ ثلاثة أيّام عشوركم وأوقدوا من الخمير تقدمة شكر” (4: 4 – 5). أمّا عبادة الإله الحقّ فلفّقوها إلى عبادة أوثانهم. تعاطوها بقلب فاسد، بروح الوثن، لذلك انتهرهم الرَّبّ الإله بنبيِّه قائلًا: “بغضت كرهت أعيادكم ولستُ ألتذُّ باعتكافاتكم. إنّي إذا قدّمتم لي محرقاتكم وتقدّماتكم لا أرتضي وإلى ذبائح السَّلامة من مسمّناتكم لا ألتفت. أبعد عنّي ضجّة أغانيك ونغمة ربابك لا أسمع” (5: 21 – 23). كانوا يعبدون لينفقوا في شهواتهم كما ليرشوا الله، فيما استغرقوا في مَظالِمهم. العبادة الحقّ المقبولة عند الله هي النَّابعة من مخافة الله وتثمر للبرّ. لذا قال لهم أن “اطلبوا الخير لا الشَّرّ لكي تحيوا فعلى هذا يكون الرَّبّ إله الجنود معكم كما قلتم. أبغضوا الشَّرّ وأحبّوا الخير وثبّتوا الحقّ في الباب لعلّ الرَّبّ إله الجنود يترأّف على بقيّة يوسف” (5: 14 – 15). “ليجرِ الحقّ كالمياه والبرّ كنهر دائم” (5: 24).
ولكن متى استشرى الفساد يصمت العاقل لأنّ الزّمان رديء (5: 13)، ولا يعود غير الوجع ينفع. لذا قال الرَّبّ: “إلى ما وراء دمشق أسبيكم” (5: 27). “هاءنذا أُقيم عليكم يا بيت إسرائيل أمّة، يقول الرَّبّ إله الجنود، فيضايقونكم من مدخل حماة إلى وادي العربة” (6: 13). في عاموص بضع رؤى تصوّر خراب إسرائيل. عاموص يتوسّط لدى الرَّبّ كما فعل إبراهيم قديمًا من جهة صادوم: “أيّها السَّيّد الرَّبّ اصفح. كيف يقوم يعقوب فإنّه صغير” (7: 2). فيندم الرَّبّ مرّة واثنتين إلى أن يقول لعاموص أخيرًا: “لا أعود أصفح له بعد”. لذا “تقفر مرتفعات إسحق وتخرب مقادس إسرائيل وأقوم على بيت يربعام بالسّيف” (7: 9).
لم يعد إسرائيل راغبًا في السَّماع لذا المأخذ الأخير عليه أنّه أوصى الأنبياء ألّا يتنبّأوا (2: 12). أمصيا، كاهن بيت إيل، شكا عاموص إلى يربعام ثمّ قال له: “أيّها الرّائي اذهب اهرب إلى أرض يهوذا وكل هناك خبزًا وهناك تنبّأ. وأمّا بيت إيل فلا تعد تتنبّأ فيها بعد لأنّها مقدس الملك وبيت الملك” (7: 12). جواب الرَّبّ الإله كان أنّ أيّامًا تأتي يرسل فيها جوعًا في الأرض، لا جوعًا للخبز ولا عطشًا للماء بل لاستماع كلمات الرَّبّ (8: 11). يجولون طالبين كلمة الله فلا يجدونها.
هكذا أُسْلِمَ إسرائيل للخراب وبنوها للموت. “بالسَّيف يموت كلّ خاطئي شعبي القائلين لا يقترب الشّرّ ولا يأتي بيننا” (9: 10).
ولكن ولو تخلّى الرَّبّ الإله عن إسرائيل لخطاياه فتخلّيه تدبيريّ، إعدادًا له، بالرُّذل والوَجَع، لليوم الآتي، يوم الخلاص. “في ذلك اليوم أُقيم مظلّة داود السَّاقِطَة… وأبنيها كأيّام الدَّهر… وأردّ سبي شعبي إسرائيل… ويصنعون جنّات ويأكلون أثمارها… ولن يُقلَعوا بعد من أرضهم الّتي أعطيتهم قال الرَّبّ إلهك” (9: 11، 14 – 15).