في هذا اليوم تُقيم الكنيسة المُقدَّسَة تَذكار:
*ميلاد والِدَة الإله الفائقة القَداسة والدّائمة البتوليّة مريم *الشّهيدان تيموثاوس وفوستوس *الشّهيدان روفوس ورُفيان (روفيانوس) * الشّهيد ساويروس * الشّهيد أرتاميدوروس *الجديد في الشّهداء أثناسيوس التسالونيكيّ*أبونا الجليل في القدّيسين صوفرونيوس الجيورجيّ*القدّيس البار سارابيون البسكوفيّ*القدّيس البار لوقيانوس بارياسلاف *القدّيس البار أرسانيوس كونيفيتس * القدّيس البار ديزيبود الإيرلنديّ.
* * *
✤تذكار ميلاد والدة الإله الفائِقَة القَداسَة والدّائِمَة البتوليّة مَريم ✤
لقد خَلَقَ الله الإنسان ووَضَعه في الفردوس لكي لا ينشغل بغير زرع الخير والتّأمّل في أعمال الله وتسبيحه. لكن، بِحَسد الشّيطان الّذي أغْوَى حَوّاء، المَرأة الأولى، سَقَطَ آدم في الخَطيئة وحُسم من فردوس النّعيم. بعد ذلك، أعطى الله البَشَر شَريعته بواسطة موسى، وأعلن مَشيئاته بواسطة أنبيائه. فعل ذلك لأنّه أراد أن يُعدَّ البشريّة لِحَدَثٍ عَظيمٍ هو تجسّد ابنه الوَحيد، كلمة الله، الّذي يخلّصنا من فِخاخ العَدوّ ومن الخطيئة والمَوْت. وإذ اتّخذ ابنُ الله طبيعتنا، أراد أن يشترك، في حالنا السّاقِطَة، إشتراكًا كامِلًا، باستثناء الخَطيئَة، لأنّه المُنزّه عن الخطيئة، فأعدّ له الله مَسكِنًا لا عيب فيه هو القدّيسة العذراء مريم. ومع أنّ مريم كانت تحت اللّعنة والموت اللّذين حلّا بآدم وحوّاء، فإنّ الله اختارها، منذ الدّهر، لتكون حوّاء جديدة وأمّا للمسيح المُخلّص وينبوعًا لخلاصنا ومثالًا لكلّ قداسة.
وبتدبيرٍ إلهيّ، ترك الله يواكيم وحنّة، والدَي مريم، بلا ذرية إلى أن تجاوزا سنّ الإنجاب، ثمّ أعطاهما ما تمنّياه طوال حياتهما، فكانت لهما مريمُ ثمرةَ النّعمة والبَرَكة والحنان الإلهيّ، لا ثمرة الطّبيعة. وطبعًا، كان فرح يواكيم وحنّة بالعَطيّة الإلهيّة عظيمًا جدًّا. تقول ترنيمة الإكسابستلاريا الخاصّة بيوم تقدمة العيد – أي اليوم السّابع من شهر أيلول – ما يلي: “تهلّلي أيتها الخليقة كلّها لشعورك بورود الفرح من حنّة المتألّهة اللّب الّتي معنى اسمها النّعمة ومن يواكيم الإلهيّ، اللّذين، على غير أمل، ولدا مريم الكلّيّة الطّهارة والدة الإله النّقيّة…“.
إنّ ميلاد مريم هو مَصدَر فرح وتهليل لكلّ الخليقة. مريم وردت من يواكيم وحنّة، بنعمة الله، لكنّها تخصّ العالم كلّه، لأنّها هي الّتي ولدت المسيح الإله، مخلّص العالم. مريم هي غاية تاريخ الخلاص وتمامه، ومآل تاريخ الحبّ والطّاعة، واكتمال تاريخ الإستجابة والرّجاء. لهذا السّبب، نجد الخدمة اللّيتورجيّة، في هذا اليوم، مُشبَعَة بالتّهليل والفرح والحُبور. “هذا هو يوم الرّبّ فتهلّلوا يا شعوب…“. “اليوم ظهرت بشائر الفرح لكلّ العالم…” . “اليوم حَدَثَ ابتداءُ خلاصنا يا شعوب…“. “… لتتزيّن الأرضيّات بأفخَر زينة، ولترقصنّ المُلوك طربًا، لتُسرّنّ الكهنة بالبركات، وليعيّدنّ العالم بأسره، فها إنّ الملكة عروس الآب البريئة من العيب قد نبتت من جذر يسّى، فلن تلد النّساء أولادهنّ، بعد، بالأحزان، فإنّ الفرح قد أزهر، وحياة الناس عادت تسري في العالم…“.
وإذا كانت عطيّة الله، مَريم، تخصّ الخَليقة بأسرها، فإنّ يواكيم وحنّة هما صورة هذه الخليقة الّتي ما لبثت مُقيمَة في العُقر منذ أن سقط آدم وحوّاء في المَعصية. في المزمور 13 هذه الأقوال الّتي تعبّر عن حال البشريّة قبل ورود المسيح: “… ليس مَن يعمل صلاحًا، حتّى ولا واحد. أطلّ الرّبّ من السّماء على بني البشر ليرى هل من فاهم أو طالب لله. ضلّوا كلّهم جَميعًا وتدنّسوا. ليس مَن يعمل صلاحًا. كلّا ولا واحد“. (مزمور 13: 1 – 3). طبعًا، كان هناك صدّيقون أرضوا الله من قريبٍ أو بعيدٍ، ولكنْ، وحده الرّبّ يسوع المسيح كان على قلب الآب السّماويّ، وأرضى الله إرضاءً كاملًا غير منقوص. لهذا السّبب، كان الرّبّ يسوع الوَحيد الّذي قال عنه الآب السّماويّ: “هذا هو ابني الحبيب الّذي به سُررت، له اسمعوا” (متّى 17: 5). العالم، إذًا، كان عاقِرًا عقيمًا كَيُواكيم وحنّة. لذلك تقول إحدى ترانيم صلاة السّحر: “يا لَلعجَب الباهر، فإنّ الثّمرة الّتي بَرَزت من العاقر بإشارة خالق الكلّ وضابطهم قد أزالت عُقم العالم من الصّالحات بشدّة بأس…” (ستيشيرة بروصومية على الإينوس).
وكما أنّ يواكيم وحنّة هما صورة العالم العَقيم، كذلك مريم صورة العالم الجديد المخصب، صورة الكنيسة. كلاهما نعمة من عند الله. فنحن نتحدّث بصورة تلقائية، عن انحلال عُقر يواكيم وحنّة وانحلال عُقر طبيعتنا باعتبارهما شأنًا واحدًا، كما نتحدّث عن ولادة مريم “التي بها تألّهنا، ومن الموت نجونا” وكأنّ الأمرين واحد.
هذا، ولا بد من تأكيد ما ينبغي أن يكون مبدأ كلّ فرح وغايته، إنّ فَرَحنا بمَريم وتهليلنا لها هو فرح بالرّبّ يسوع المسيح وتهليل له. لا قيمة لمريم في ذاتها، كما أنّ البشرية كلّها لا قيمة لها في ذاتها. المسيح هو الّذي جعل مريم أمّ الحياة، كما يجعل الكنيسة ينبوع الحياة. هذا أمر كثيرًا ما ننساه فنتعامل مع مريم وكأنّها قائمة في ذاتها. الكنيسة الأرثوذكسيّة تسمّي مريم “والدة الإله”. كلّ التّرانيم في الكنيسة لا تذكر مريم إلّا مَقرونة بابنها، مخلّص نفوسنا. كلّ الخليقة تحيا إذا ما أضحت مسكنًا للمسيح، على غرار سُكنى الرّبّ يسوع في أحشاء مريم. كما أنّ كلّ الخليقة تزهو وتتمجّد إذا ما كانت إيقونة للمسيح وشاهدة للمسيح.
أخيرًا، وليس آخرًا، تتحدّث الكنيسة عن مَريم باعتبارها مثال مُحبّي البَتوليّة والمُغرَمين بالطّهارة، فتقول إيذيوميلة اللّيتين: “هلمّوا يا جميع محبّي البتوليّة والمُغرَمين بالطّهارة، هلمّوا استقبلوا بلهفة فخر البتوليّة من صخرة صلدة تفيض ينبوع الحياة…”.
هذه هي المَعاني والحَقائق الخَلاصيّة الّتي تؤكّدها الكنيسة في هذا اليوم المُبارَك، وتفرح بها، وهذا هو الأساس الّذي عليه تُقيم تذكار ميلاد والدة الإله الفائقة القداسة والدّائمة البتوليّة مريم.