في هذا اليوم تُقيم الكنيسة المُقدَّسَة تَذكار:
الشّهيدة في العذارى ثيودوسيّة الصّوريّة *الشّهيدة ثيودوسيّة القسطنطينيّة *أبونا الجليل في القدّيسين ألكسندروس الإسكندريّ *الشّهداء أولبيانوس ورفقته *الشّهيدان الرّجل والمرأة المجهولان *الجديد في الشّهداء أندراوس أرغيريس خيوس *الجديد في الشّهداء يوحنّا التسالونيكيّ الملقّب بـ”الصّغير” *القدّيس البارّ يوحنّا أوستيوغ الرّوسيّ الـمُتبالِه *القدّيس البارّ إرمياء المتوحّد *أبونا الجليل في القدّيسين لوقا سيمفروبول الرُّوسيّ الـمُعترِف *الشّهيد الولد كيرلّلس القيصريّ *أبونا الجليل في القدّيسين مكسيمينوس الفرنسيّ، أسقف تريف الألمانيّة *أبونا الشّهيد في الكهنة ثيودوروس الصّربيّ.
* * *
✤ القدّيس الجديد في الشهداء يوحنا التسالونيكي الملقّب بـ “نانّوس” (+1802م)✤
وُلد لعائلة فقيرة من تسالونيكية. لكي يتمكّن أبوه من إعالة العائلة انتقل إلى إزمير للعمل كإسكافي ثم استدعى ولدَيه ثيودوروس ويوحنا، حالما بلغا السن، ليساعداه. ومع أن يوحنا كان أمّياً في القراءة والكتابة فإنه أبدى تقوى مميّزة وغيرة عظيمة على سماع أخيه يتلو الكتاب المقدّس أو سير القدّيسين الذين انحفرت إنجازاتهم عميقاً في ذاكرته منذ الولودة. ذات يوم، في الثالث من شهر أيار من السنة 1802م، أرسله أبوه ليسلِّم أحذية إلى منادي السوق. وإذ طال غيابه أرسل أخاه وأولاد أخيه يستعلمون عنه. وكم كانت دهشتهم عظيمة عندما علموا أن يوحنا أنكر المسيح واقتبل الإسلام في ذلك اليوم عينه. لم يصدّقوا أن تغييراً سريعاً بهذا الحجم يحدث لمَن كان يبدي بالأمس تقوى ونفوراً من غير المسيحيّين هذا مقداره. لذلك بحثوا عنه إلى أن اكتشفوا أخيراً أنه دخل في خدمة أحد الأعيان الأتراك وأن اسمه صار محمداً. غير أن خدّام المنزل لم يسمحوا لهم بالاقتراب منه وطردوهم ملوِّحين بالقضبان.
ومضت الأيام إلى أن التقى يوحنا أحدُ أبناء عمّه فأدار رأسه في غير اتجاه وقال له إنه يرفض أن يحيّي كافراً. فأجابه يوحنا: “في أقل من خمسة عشر يوماً سترى أي تركي أكون!”. مرّة أخرى إذ رأى مسيحيون من معارفه أنه لا زال يحتفظ بثياب فقره سخروا منه وقالوا إنه حتى لم ينل ثياباً جميلة ثمناً لخيانته. أجابهم: “بالعكس إنها عندي وسوف ترونني، سريعاً، ألبسها وكذا أسلحتي الذهبية في ساحة السوق”. ثم إنه ذهب إلى رجل مسيحي اسمه ديمتريوس وطلب منه صليباً. فرفض الرجل، باحتقار، أن يعطيه له. لكنه، بعد تفكير مليّ، خرج إلى أبيه يستشيره في شأن هذه التصريحات الغريبة التي تُفسح في المجال للظنّ أن يوحنا لم يكفر، في الحقيقة، إلاّ في الظاهر، وقصده أن يقتدي بالشهداء الذين طالما سمع أخبارهم بشغف.
يوم الخامس والعشرين من شهر كانون الأول، بعد زيارة جديدة لديمتريوس ذهب يوحنا إلى معلّمه التركي. وإذ بدّل ملابسه العثمانية توجّه إلى قاعة المحكمة وهو يلبس لباس المسيحيّين. فقط كانت العمامة الإسلامية على رأسه. هناك أدّى اعترافاً إيمانياً صارخاً وقال إنه يرفض أن يكون له اسم آخر غير يوحنا. أُلقي في السجن وانتشر الخبر في المدينة أن شاهداً جديداً يستعدّ لشهادة الدم. بعد يومين مَثَل أمام المحكمة من جديد أمام حشد من الناس. كان كلّه مشدوداً نحو السماء وبقي يصمّ أذنيه عن وعود الأتراك ويقول لهم هذه الكلمات القليلة: “أنا مسيحي. أريد أن أُدعى يوحنا لا محمّد!” تقرّر ترحيله على ظهر سفينة متّجهة إلى الجزائر وعلى متنها ثلاثمائة تركي. لكن القدّيس حظي بتأخير يومين. يوم الخميس، بعدما وقف مجدّداً أمام المحكمة، بقي غير مبال بعروض الأتراك المغرية والأثواب الجميلة التي قالوا إنهم مستعدّون أن يقدّموها له. ضاق القاضي ذرعاً به فقال له: “اذهب، إذاً، حيث تشاء يا محمّد وانجُ”. لكنْ أجابه قدّيس الله: “كلا فأنا لا أخرج من هنا إلاّ باسم يوحنا!” فحُكم عليه بالموت واستيق بلا تأخير إلى ساحة السوق يتقدّمه منادي السوق الذي كان يصرخ في الجموع المحتشدة من الأتراك واليونانيّين والأرمن واللاتين: “هكذا يجازى مَن ينكرون الإيمان”. أما يوحنا فكان يقول للمسيحيّين الذين اجتمعوا إليه: سامحوني يسامحْكم الله”. ثم ركع بوجه مشعّ ورفض كل محاولة لإنقاذ حياته فتمّ قطع رأسه يوم الخميس في 29 أيار سنة 1802م. للحال تسارعت الجموع، بعضها لإكرام القدّيس وبعضها لتغمس أقمشة بدمه وبعضها لتحصّل من الجلاّدين بثمن بعضاً من شعره أو قطعة من ثيابه. وإذ استبان خطر تقطيع حتى جسده، اشترى الجسد رجل يوناني من موسكو، اشتراه من الوالي، ودفنه دفناً لائقاً.