Menu Close

في هذا اليوم تُقيم الكنيسة المُقدَّسَة تَذكار:

* القدّيسة البارّة كسينيا الرّوميّة * الشّهداء المصريّون بولس وبوسيريون وثيودوتيون * الشّهيد في الكهنة بابيلا ورفيقاه أغابيوس وتيموثاوس * القدّيس البارّ مقدونيوس القورشيّ* القدّيس فيلون أسقف كارباسيّا القبرصيّة * القدّيس البارّ زوسيما الفينيقيّ* القدّيس فيليبيكوس الكاهن * الشّهيدان هرموجانيس وميناس* الشّهداء برسيماس وأخواه * القدّيس البارّ نيوفيطوس الحبيس * الشّهيد يوحنّا قازان.

*        *        *

✤القدّيسة البارّة كسينيا الرّوميّة✤

اسمها في المعموديّة كان أفسافيا أي “النّقيّة”. وُلِدَت ونشأت في رومية لوالدين من الأشراف. فلمّا بلغت سنّ الزّواج رغب أبواها في زفّها إلى شاب يليق بها، فلم تلق الفكرة لديها ترحيبًا لأنّ رغبة قلبها، عبر السّنوات، كانت أن تصير راهبة. لكنّها سكتت ولم تبد اعتراضًا، فيما استقرّ في نفسها أن تغادر أبويها سرًّا قبل حلول يوم الزّفاف. وإعدادًا لساعة المُغادَرَة، اختارت اثنتين من خادماتها كشفت لهنّ ما في نفسها ودعتهنّ إلى مرافقتها فوافقنها. وإذ تدفّقت الهدايا الزّوجيّة على أفسافيا، ذهبًا وفضّة وآنية وملابس فاخرة، سعت أمة الله إلى تحويل ما أمكن منها إلى خادمتيها ليعملن في السّرّ على توزيعها على الأرامل والأيتام. وإذا اكتملت عدّة الزّواج اكتملت معها استعدادات النّسوة الثّلاث للرّحيل فغادرن فرحات باكيات لأنّ الرَّبّ الإله حسبهنّ مستأهلات للتّخلّي عن كلّ شيء من أجل اسمه القدّوس.

كانت أفسافيا تعلم جيّدًا أنّ والدَيْها سوف يبحثان عنها في كلّ مكان، لذا اختارت التّوجّه إلى مكان بعيد، وحرصت ومرافقتيها على حفظ السّرّ حتّى المَمات. استقلّت النّسوة الثّلاث مركبًا وافقته الأهوية فحلّ في الإسكندريّة بعد أيّام، ومنها انطلقن في مركب آخر إلى جزيرة كوس اليونانيّة في النّاحية الجنوبيّة الشّرقيّة من البحر الإيجيّ. فلمّا حططن هناك بحثن لأنفسهن عن منزل يأوين إليه فوقعن على بيت معزول موافق لهنّ فاستأجرنه. مذ ذاك غيّرت أفسافيا اسمها وصارت تدعى “كسينيا” الّتي تعني”غريبة” لأنّها اختارت، بنعمة الله، أن تخرج كإبراهيم أبي المؤمنين، إلى أرض غريبة كانت موقنة أنّ الرَّبّ الإله سوف يشملها برحمته فيها.

الخطوة التّالية في رحلة كسينيا كانت أن تجد لنفسها ورفيقتيها أبًا يُرشدها في أصول الحياة الرّوحيّة. أين تجد أبًا كهذا؟ الله أتى بها إلى هذا الموضع والله يدبّرها! لذا لجأت إلى الصّلاة: “يا إلهي، يا من تعرف الجميع وتضبط الكلّ، لا تخذلنا نحن الّذين هجرنا بيوتنا وأرضنا وذوينا محبّة بك، بل أرسل لنا إنسانًا على قلبك يحفظنا ويرشدنا إليك كما أرسلت بولس الرّسول لأولى شهيداتك تقلا!”. ولم يطل الوقت حتّى أطلّ عليهنّ رجل بانت عليه سمات التّقى، وقورًا، ملائكيّ الطّلعة، فتحرّك قلب فتاة الله نحوه. كان راهبًا. رئيس دير، اسمه بولس، وكان عائدًا من أورشليم إلى ديره في ميلاسا، شمالي شرقي جزيرة كوس. فاستجارت به النّسوة الثّلاث فعرض أخذهنّ معه إلى ديره فرافقنه بفرح.

في ميلاسا، بقرب دير بولس الشّيخ، أقامت المتبتّلات الثّلاث في منسك وبنين لأنفسهنّ كنيسة كرّسنها لأوّل الشّهداء استفانوس. وقد أضحى المنسك فيما بعد ديرًا حين ذاع صيت كسينيا وأقبلت النّسوة إليها يطلبن الحياة الملائكيّة على يديها. ثم أنّ بولس الرّاهب اختير أسقفًا لميلاسا فجعل كسينيا شمّاسة رغم تحفّظها الشّديد.

يقول كاتب سيرتها، وهو كاهن راهب مجهول الهويّة، أنّ كسينيا الشّمّاسة ضاهت بسيرتها الملائكة وتكبّدت من أجل ربّها مشاقًا عظيمة. حتّى الأبالسة خافت الدّنوّ منها. كانت تأكل مرّة كلّ 3 أيّام، وفي زمن الجهاد مرّة واحدة في الأسبوع. طعامها اقتصر على الخبز اليابس. وإذ كانت تبللّ الخبز بالماء، كان يختلط بالدّموع والرّماد وفق القول المزموريّ:”أكلت الرّماد مثل خبز ومزجت شرابي بدموعي” (مز9:101). لم تخلف كسينيا في قانونها مرّة واحدة بشهادة رفيقتيها اللّتين سعيتا إلى الإقتداء بها قدر إمكانهما. كانت كسينيا تجاهد في الصّلاة والسّجود اللّيل بطوله. وكثيرات شاهدنها تركع في الصّلاة من ساعة غياب الشّمس إلى ساعة ضرب النّاقوس صبيحة اليوم التّالي. وكانت أحيانًا تمضي اللّيل في الصّلاة ببكاء لا ينقطع. والحقّ أنّها لم تكن تصليّ البتّة من دون دموع في عينيها. سيرتها انعجنت بالوداعة والمحبّة الفائقة. هكذا عاشت كسينيا وهكذا استمرّت إلى آخر أيّامها. فلمّا دنت ساعة مفارقتها، وهي عالمة بما يأتي عليها، دعت راهباتها وزودتهنّ بإرشاداتها وبركتها، ثم أقفلت على نفسها في الكنيسة إلى أن أسلمت الرّوح. وقد ذكر شهود عيان أنّ الطيب فاح ساعتئذ من الكنيسة، كما ذكر آخرون أنّ مرضى عديدين شفوا برفاتها. أمّا خادمتا كسينيا فلم تلبثا طويلًا حتّى فارقتا كما ليكون الثّلاثة معًا في الممات بعد أن كُنَّ معًا في الحياة.

مواضيع ذات صلة