في هذا اليوم تُقيم الكنيسة المُقدَّسَة تَذكار:
* تذكار النّبيّ ملاخي * الشّهيد غورديوس الّذي من قيصريّة * الشّهيد بطرس بلسم * الأم القدّيسة مع ولديها المستشهدون بالنّار من أجل المسيح * القدّيس البار ماليتون البيروتيّ السّاباويّ* القدّيس البار بطرس الّذي في أتروا الصّانع العجائب * القدّيسة البارّة توماييدا الّتي من جزيرة لسبوس * القدّيسة البارّة جنفيف حامية باريس.
* * *
✤تذكار النّبيّ ملاخي (القرن 5 ق.م)✤
هو صاحب السّفر الأخير من أسفار الأنبياء الأثني عشر الصّغار. اسمه معناه “ملاكي” أو “رسوليّ”. لا نعرف ما إذا كان “ملاخي” اسمًا أم صِفة. بعض الدّارسين ظنّ أنّ عزرا الكاتب هو صاحب السّفر، لكن أكثرهم يميل إلى اعتباره اسم علم لشخص حقيقيّ. ومن اللّافت أنّ أوريجنّس المعلّم اعتبر الكاتب ملاكًا من السّماء. وثمّة تقليد يقول بولادته في بلدة تدعى صوفا في زبولون وأنّه مات ولم يزل في عنفوان شبابه. لكنّ غيرهم يقول به من سبط لاوي.
تاريخ النّبوءة غير محدّد بدقّة. بعضهم يحسبه في حدود السّنة 432ق.م وبعضهم في حدود السّنة 450 ق. م. وبعضهم ما بين السّنتين 480 و460ق.م.، أنّى يكن الأمر فقد تنبّأ ملاخي بعد الرّجوع من السّبي وبناء الهيكل.
هذا ويبدو أنّ الزّمن الّذي كتب فيه ملاخي نبوءته كان مضطربًا على المُستويين السّياسيّ والعسكريّ نظرًا للصّراع القائم بين الشّرق والغرب، بين الفرس من ناحية والهّيلّينيّين من ناحية أخرى. يُشار إلى أنّه في غَمرة هذه الأحداث سرت في العالم كلّه موجة من القلق والفوضى.
بالنّسبة للشّعب الإسرائيليّ العائد من السّبي، لا شكّ أنّ الأحلام الكبرى الّتي ارتبطت بالعَودة إلى أرض المِيعاد كانت قد تلاشت في الوجدان شيئًا فشيئًا والأماني الّتي اختزنها العائدون أسقطها الواقع الّذي لم يحمل للوطن المُستعاد تغييرات دراميّة في مُستوى الطّموحات. لذلك فترت الهمم وعاد الكلب إلى قيئه (2بطرس 2: 22) واستبان القيح في النّفوس من جديد وكأنّ الفَساد بلغ حدًّا لم يعد الرّجوع عنه في طاقة النّاس ولو سترته آمال العودة لبعض الوقت. وما قيل في زمن إشعياء ما زال ساريًا في زمن ملاخي أنّ “الرّأس كلّه مريض والقلب كلّه سقيم. من أخمص القدم إلى الرّأس لا صحّة فيه بل جروح ورضوض وقروح مفتوحة لم تُعالج ولم تُعصب ولم تليّن بدهن” (أشعياء1:6). ثمّة حقيقة ثابتة ينطلق منها ملاخي وهي محبّة الله لشعبه. “إنّي أحببتكم. قال الرَّبّ” (1: 2). هذه الحقيقة المُفتَرَض أن تكون بديهيّة في أذهان الشّعب أضحت لديه موضع شكّ. لسان حال النّاس باتت هكذا: “بمَ أحببتنا؟”. جعلوا الله في قفص الإتّهام. ألزموه بالدّفاع عن نفسه. إنّها وقاحة الخطيئة. يخطئون ثمّ يتّهمون الله ليبرّروا أنفسهم.
هذه كانتحال الكهنة:
لم يعد الله يُكرَّم كأب ولا يُهاب كسيّد. ازدرى الكهنة به. احتقروا مائدة الرَّبّ وقرّبوا على مذبحه طعامًا نجسًا. باتوا يقرّبون المَعيوب من البَهائم ذبائح. يأتون بالعمياء والعرجاء والسّقيمة المسروقة، حادوا عن الطّريق وأعثروا كثيرين بالتّعليم ونقضوا عهد لاوي (2: 8) وحابوا الوجوه. فجعلهم ربّ القوّات حقيرين أدنياء عند الشّعب (2: 9)، وأنذرهم بأن يسمعوا ويصلحوا أحوالهم أو يلعنهم ويقطع أذرعهم ويذهب بهم. والشّعب أيضًا زاغ:
دنّس قدس الرَّبّ الّذي أحبّه (2: 11)، شاع الغدر والطّلاق وأقبل الرّجال على الزّواج من الأجنبيّات وامتنعوا عن إداء العشور. صاروا يتهكّمون على الله: “ابن إله العدل؟!” (2: 17). باتوا يعتبرون الشّرّ صلاحًا ونسبوا الشّرّ إلى الله، عبادة الله، في عيونهم، أضحت باطلة ولم يعد هناك جدوى من حفظ أوامره عندهم. انتشرت العرافة ودرج الفسق، وباتت شهادة الزّور وهضم حقوق الأجراء ودَوس الأرامل والأيتام أمورًا عاديّة. خشية الله في النّفوس ماتت. عظّموا المتكبّرين وأثنوا على الأشرار لأنّهم أفلحوا. تحدّوا الله. أنكروا قوّته شمتوا به. لذا قالوا عن الأشرار: “جرّبوا الله ونجوا !”(3:15)
ومع ذلك قال لهم ربّ القوّات: “أنا الرَّبّ لا أتغيّر وأنتم لا تزالون بني يعقوب… ارجعوا إليّ أرجع إليكم” (3: 17). خطايا الشّعب هي الّتي منعت الخير عنه (إرميا 5: 25). لذا قال لهم في شأن أداء العشور مثلًا: “جرّبوني بذلك… تروا هل لا أفتح لكم نوافذ السّماء وأفيض عليكم بركة لا تنفد…”(3:10).
على أنّه ولو ثبتت الدّعوة إلى التّوبة فإنّ عين النّبيّ كانت على كشف جديد مقبل. الله آت بنفسه.”هاءنذا مرسل ملاكي فيُعدّ الطّريق أمامي ويأتي فجأة إلى هيكله السّيّد الّذي تلتمسونه وملاك العهد الّذي ترتضون به. ها إنّه آتٍ، قال ربّ القوّات. فمن الّذي يحتمل يوم مجيئه ومن الّذي يقف عند ظهوره” (3: 1-2). وأيضًا: “تشرق لكم، أيها المتّقون لأسمي، شمس البرّ، والشّفاء في أشعّتها فتسرحون وتثبون كعجول المعلف… في اليوم الّذي أصنعه، قال ربّ القوّات” (4: 2-3). إنّ الإنباء عن مجيء المسيح المخلّص، نور العالم، الّذي في إشعاعه الشّفاء كلام ملاخي النّبيّ إطلالة على الملكوت الآتي.
أمّا الملاك المرسل ليعّد الطّريق أمام الرَّبّ فيوحنّا السّابق الّذي شهد له الرَّبّ يسوع قائلًا: “هذا هو الّذي كُتب عنه ها أنا أرسل أمام وجهك ملاكي الّذي يهيءّ طريقك قدّامك” (متى11: 10). غير أنّ يوحنّا صورة عن إيليا النّبيّ. جاء بروحه وغيرته. ملاخي النّبيّ ختم سفره بالقول: “هاءنذا أرسل إليكم إيليّا النّبيّ قبل أن يأتي يوم الرَّبّ العظيم الرّهيب فيرد قلوب الآباء إلى البنين وقلوب البنين إلى آبائهم، لئلّا آتي وأضرب الأرض بالتّحريم” (4: 5-6). ولكن قال الرَّبّ يسوع عن يوحنّا أنّه هو إيليّا المزمع أن يأتي (متى11: 14)، وانّ إيليّا أتى ولم يعرفه اليهود بل عملوا به كلّ ما أرادوا، ففهم التّلاميذ أنّه قال لهم عن يوحنّا المعمدان (متى17: 12-13).
يبقى أنّ الكثير من الفساد المتفشّي في زمن ملاخي النّبيّ متفشّ فيما بيننا اليوم، وفي كنيسة المسيح بالذّات. وليست لنا، والحال هذه، كلمة تنبيه وتحذير نتفوّه بها خيرًا من الكلمة الّتي وردت في الرّسالة إلى العبرانيّين: “يجب أن ننتبّه أكثر إلى ما سمعنا لئلّا نفوّته. لأنّه إن كانت الكلمة الّتي تكلّم بها ملائكة صارت ثابتة وكلّ تعدّ ومَعصية نال مجازاة عادلة، فكيف ننجو نحن إن أهملنا خلاصًا هذا مقداره قد ابتدأ الرَّبّ بالتّكلّم به ثمّ تثبّت لنا من الّذين سمعوا شاهدًا الله معهم بآيات وعجائب وقوّات متنوّعة ومواهب الرّوح القدس حسب إرادته” (عبرانيين 2: 1-4).