في هذا اليوم تُقيم الكنيسة المُقدَّسَة تَذكار:
* القدّيس البارّ أنطونيوس الكبير أبو الرّهبان * القدّيس البار أخيلّا الإسقيطيّ* القدّيس البارّ أنطونيوس الجديد * القدّيس الشّهيد الجديد جاورجيوس يوانّينا الأبيري السّائس * القدّيس البار يوليانوس.
* * *
✤القدّيس البارّ أنطونيوس الكبير أبو الرّهبان✤
مِن أَلقابِه “كَوكب البَرِيَّة، ملاك الصّحراء، أبو الرّهبان”.
ما نعرفُه عن القدّيسِ أنطونيوسَ الكبير هو ما كتبه عنه القدّيس أثناسيوس الكَبير بطريرك الإسكندريّة الّذي عَرفَه عن كَثَب.
نشأته:
وُلِدَ القدّيس أنطونيوس مِن أبَوَينِ مسيحيَّينِ ثَرِيَّين، في صَعيد مصر (قرية كوما) حوالي عام ٢٥١م. تُوفِّيَ والداه باكرًا، تاركَين إرثًا عائليًّا غيرَ قليل.
فكان للموت أثرٌ إيجابيٌّ في نفسه، إذ وَلَّدَ في نفسِه شرارةَ الحياةِ الأبديّة.
في أحد الأيّام، طنّ في أُذُنَيهِ كلامُ الرَّبِّ في الإنجيل:«إن أردتَ أن تكون كاملًا، فَاذهَبْ وَبِعْ أملاكَكَ وأَعطِ الفُقَراء، فيكونَ لك كنزٌ في السّماء، وتعالَ اتبَعني (مت٢١:١٩)»، فاعتبرَ هذا الكلامَ المُوَجَّهَ إلى الشّابِّ الغَنيّ مُوَجَّهًا إليه شخصيًّا. على الفور، ترك لشقيقتِه الوحيدةِ حصّتَها من الميراث، وباعَ حصّتَهُ ووَزَّعَها على المساكينِ والمُحتاجين، وراحَ يُخَصِّصُ كلّ وقتِه للصّلاةِ والتَّبَحُّرِ في كلام الله.
جهاده:
عاش عيشةَ التَّخَلّي، فانتقلَ أوّلًا إلى ضفاف النّيل، وَمِن ثَمَّ طلبَ التّوحُّدَ أكثر، فقصد عُمقَ البرّيّة.
لُقّب بأبي الرُّهبان، مع أنّه تعلّم كثيرًا مِن نُسّاكٍ سبقوه.حاربَهُ الشّيطانُ بِقُوَّةٍ ولكنّه لم يستطع التغلّبَ عليه لِشدّةِ تَمَسُّكِهِ بالله.
القدّيس أنطونيوس والسّكّاف:
كاد أن يقع في التّكبُّر، إذ ناشد ربَّه قائلًا: «مَن أعظمُ منّي؟ يصومُ ويصلّي لكَ أيّها الرَّبُّ القدّوس؟!» إلّا أنَّ الرَّبَّ نظرَ إلى نقاوة قلبه وجهاده، فأراه بالرّوحِ إسكافيًّا بسيطًا يمزج كلّ نَفَسٍ يتنفَّسُه في عمله ونومِه بالشُّكرانِ والتّسبيح، فأدركَ حِينَها قدّيسُنا عن كثبٍ أنّ التّواضعَ سِرُّ الخلاص، والتّكبُّرَ قِمّةُ الأهواء.
مَنارة للرّهبان:
تحلّقَ حولَهُ رُهبانٌ وكانَ دائمًا يَحثُّهم على ذِكرِ الأبديّة، إذْ لا أحدَ يعرفُ متى تُطلَبُ روحُه، فاعتُبِرَ مِن كبارِ مؤسِّسي نظامٍ جمعَ بين عَيْش الجماعة والتّوحُّد، بالإضافة إلى حركة شعبيّة.
القدّيس أنطونيوس والإمبراطور قسطنطين:
أرسل إليه الإمبراطور قسطنطين ذاتَ مرّةٍ، يَطلب بركتَه، فأرجأ بالرّدِّ عليه. ولمّا سألَهُ تلاميذُه عن السّبب، أجاب أنّه مشغولٌ بالرّدِّ على رسالةِ الله مَلِكِ المُلوك. وبعد إلحاحٍ بَعثَ بِالرّدِّ مِن أجل سلام الكنيسة.
دعمه للقدّيس أثناسيوس:
كان له دورٌ كبيرٌ في تشديد عزم المسيحيّين أثناء الاضطهاد ضدّهم، فسار بينهم في الشّوارع والمنازل يشدِّدُهم ويصلّي معهم.لبّى دعوة القدّيس أثناسيوس الكبير عام ٣٢٥م. في مواجهة الهرطقة الآريوسيّة الّتي تنفي ألوهة المسيح، فجاء الإسكندريّةَ ووعظَ وشَهِدَ قائلًا:
«الّذي يتكلّمون عنه أنّه ليس إلهًا هو غيرُ المسيحِ الّذي أنا أعرفُه ويعرفُني ويَعرفُ كلَّ واحدٍ منّا. فيسوعُ هو إلهٌ تامٌّ وإنسانٌ تامّ» وأكمل: «الكلام عن الرَّبّ يسوع المسيح يأتي من القلب المجبول بالصّلاة، وليس مِن أفكارٍ عقليّةٍ مَحْضَة، وفلسفاتٍ واستنتاجاتٍ وتحاليل».
وقد وصف الباحثون زيارته للمدينة بِبُركانٍ زَلزلَ الأرض، إذ زحف النّاس إليه ليستقبلوه وَيُهلّلوا لمجيئه، إذْ كانت قداستُهُ سَبَقَتْهُ، وكان وجهُه مُشرِقًا كالشّمس، لدرجة قالوا فيه: «النّور يتقدّمُه لِيَشُقَّ له طريقه».
منسكه مدرسة:
منسكه كان مدرسةً للكلمة الإلهيّة المُعاشَة، يخرج منها ليلبِّيَ الواجب، وَمِن ثَمَّ يَدخلُها طالبًا الاتّحادَ بِمَعشُوقِه.
رقد بسلام عام ٣٥٦م. عن عُمرٍ ناهزَ المئة والخمسَ سنوات، تاركًا حركةً تَوَحُّدِيّةً مَشهودًا لها.
من كلماته:
– رأيت فخاخ العدوِّ في الأرض لامعةً، فقلت في نفسي من ينجو منها؟ فأتاني صوتٌ من السّماء يقول: “المتواضع”.
– حياتنا وموتنا هما مع قريبنا، فإن ربحنا قريبنا نربح الله، وإن أعثرنا قريبَنا نخطئ ضدّ المسيح.
– يأتي وقتٌ فيه يُصاب البَشر بالجنون، فإن رأوا إنسانًا غير مجنون، يهاجمونه، قائلين: أنت مجنون، إنّكَ لستَ مثلنا.