في هذا اليوم تُقيم الكنيسة المُقدَّسَة تَذكار:
* أبونا الجليل في القدّيسين ثيوفيلكتوس، أسقف نيقوميذية * القدّيس بولس الـمُعتَرِف، أسقف بلوسياس * القدّيس الرّسول أغابوس أحد السّبعين * القدّيس الرّسول هرماس تلميذ القدّيس بولس الرّسول * الشّهيد ديون * القدّيس البارّ ضومط * الشّهيد دانيال.
* * *
✤تذكار أبينا الجليل في القدّيسين ثيوفيلكتوس النّيقوميذي✤
ولد ثيوفيلكتوس قرابة العام 765 م لعائلة متواضعة من العامّة. ترك موطنه شابًّا وذهب إلى القسطنطينيّة حيث انضمّ إلى القدّيس طراسيوس (25 شباط)، البطريرك العتيد للمدينة المتملّكة، والّذي كان يومذاك مستشارًا أمبراطوريًّا. فلمّا تبوّأ طراسيوس سدّة البطريركيّة عام 784، اقتبل ثيوفيلكتوس الرّهبنة في دير أنشأه طراسيوس عند جسر أوكسينوس. أحد رفقائه كان القدّيس ميخائيل الّذي تسقّف، فيما بعد، على سينادا. تبارى الرّفيقان في ساحة الأتعاب النّسكيّة فأجادا. كانا دائمي التّأمل في الكلمة الإلهيّة عاملين على ردّ كلّ متعة عن نفسيهما وكلّ إشباع للجسديّات. ويُنقل عنهما أنّهما في نهار صيفيّ شديد الحرارة انتابتهما رغبة شديدة في شرب الماء، فلكي لا يفسحا لنفسيهما في المجال لتلك الرّغبة أن تملك عليهما سكبا الماء على الأرض ولم يسمحا لنفسيهما أن يتناولا منه نقطة واحدة. وقد نجحا، بعون الله، في تخفيف ثقل الجسد لدرجة أنّ نعمة الله سكنت فيهما بوفرة وامتدّت إلى جسديهما جاعلة منهما صورة حيّة للفضيلة. وإذ لم يشأ القدّيس طراسيوس لهذين القمرين أن يبقيا مغمورين رفعهما إلى سدّة الأسقفيّة، فاختير القدّيس ميخائيل متروبوليتًا لسينادا في فيرجية، والقدّيس ثيوفيلكتوس متروبوليتًا للمدينة الشّهيرة نيقوميذيّة في بيثينيا.
لم يكتف ثيوفيلكتوس كراع أن يبثّ التّعليم القويم ويسلك في الوصايا الإنجيليّة بين شعبه وحسب بل انخرط في سلسلة من أعمال الإحسان وخدمة الموائد. فلقد أسّس في نيقوميذيّة، نظير القدّيس باسيليوس الكبير من قبله في قيصريّة الكبّادوك، مدينة محبّيّة، فكان من بين ما عمله بناء بيوت من طبقتين ضمّنها كلّ ما هو ضروري لاستقبال المرضى والعناية بهم، كما نظم مستشفى ضمّ إليه الأطبّاء والممرّضين. اهتمّ هذا المجمّع بالمرضى من ناحية صحتهم الجسديّة والرّوحيّة في آن. كما أقام بقربه كنيسة على اسم القدّيسَين قزما ودميانوس الصّانعَي العجائب العادمَي الفضّة.
كان ثيوفيلكتوس أبًا للأيتام ومحاميًا عن الأرامل. انعطف برأفة على حاجات خراف الله النّاطقة الموكلة إليه. وعلى مثال القدّيس طراسيوس، أنشأ ثيوفيلكتوس سجلاّت بأسماء المحتاجين في المدينة بقصد توزيع حسنات شهريّة عليهم. كلّ أسبوع، بعد نهاية السّهرانة، كان يقدّم للمرضى في مستشفياته حمامًا ساخنًا ويتّزر بمنشفة نظير معلّمه يسوع فيعبر بينهم ويمسح جراحاتهم.
ساس ثيوفيلكتوس الكنيسة في سلام إلى ان جاء يوم أثار فيه الأمبراطور لاون الخامس الأرمني (813 – 820) الحرب من جديد على الإيقونات المقدّسة ومكرميها. في أرجاء الأمبراطوريّة استُعيد جو تحطيم الإيقونات ومطاردة الرّهبان وإذلالهم، مما حدا بالبطريرك نيقيفوروس خلال العام 815 م إلى جمع العديد من المطارنة ورؤساء الأديرة في القسطنطينيّة، من بينهم القدّيسين أفثيميوس سرديس (26 كانون الأول) وأمليانوس سيزيك (8 آب) ويوسف التّسالونيكي (14 تموز) وأفدوكسيوس العموري وميخائيل السّينادي وثيوفيلكتوس النّيقوميذي. هؤلاء قابلوا الأمبراطور غير خائفين من غضبه عليهم، وكرجل واحد وبصوت واحد عبّروا عن إيمانهم الواحد مبيّنين له الأسس المتينة الّتي يقوم عليها إكرام الإيقونات المقدّسة. هذه الجهود المباركة والجسارة الإلهيّة اصطدمت بالإرادة السّيئة للأمبراطور ولاهوتيي القصر. وبعدما أصغى لاون إلى حجج القدّيس نيقيفوروس وجماعته غضب عليهم غضبًا شديدًا وأمر بعزل البطريرك ونفي الجميع. وقد جرى نقل القدّيس ثيوفيلكتوس إلى قلعة ستروبيلوس حيث بقي ثلاثين عامًا وعانى أسوأ معاملة، لكنه استمر سائسًا لرعيّته عن بعد.
وسعيًا لخلاص شعبه وحفظه من الذّئاب الكاسرة وتأكيدًا للأرثوذكسيّة، كانت لثيوفيلكتوس مراسلات مع العديدين على نطاق واسع. بعض هؤلاء راسلهم حاضًا إياهم على نبذ الامتيازات والكرامات الّتي يسّرها لهم محاربو الإيقونات وعلى العودة إلى الإيمان القويم وحمل الصّليب. والبعض الآخر شدّدهم ليثبتوا أمناء للإيمان الأرثوذكسي إلى النّهاية. القدّيس ثيودوروس السّتوديتي دعاه في إحدى رسائله: “عمود الحق، قاعدة الأرثوذكسيّة، حافظ التّقوى وسند الكنيسة”. ولم ينس ثيوفيلكتوس حاجات الفقراء والمضنوكين. كلّالّذين كانوا على صلة به لمسوا نعمة الله الفاعلة فيه فكانوا يتعزّون ويتقوّون.
وإلى آلام النّفي والغربة، شاء الرّبّ الإله، تكميلًا لعبده، ان يفتقده بمرض دام طويلًا فكابده دون تذمر شاكرًا الله على كلّ شيء. وبقي كذلك إلى ان أسلم الرّوح قرابة العام 840 م.
بعد سنوات قليلة من وفاته وانتصار الأرثوذكسيّة نقل البطريرك مثوديوس القسطنطيني رفات ثيوفيلكتوس إلى نيقوميذيّة وأودعها كنيسة القدّيسَين قزما ودميانوس.