في هذا اليوم تُقيم الكنيسة المُقدَّسَة تَذكار:
*النّبيّ أليشع *أبونا الجليل في القدّيسين مثوديوس المعترف القسطنطينيّ*الشّهيد في الكهنة كيرلّس الكريتيّ*القدّيس البارّ نيفون الآثوسيّ*القدّيسة البارَّة يوليطة *القدّيس الأمير ميستيسلاف جورج الرُّوسيّ*القدّيس البارّ أليشع صُوما الرُّوسيّ*الشّهيدان روفينوس وفاليريوس *القدّيس البارّ بْسَالموديوس النَّاسِك الإيرلنديّ*الشَّهداء أنستاسيوس وفيليكس وديغنا الأسبانيّون *الشَّهيد في الكهنة مرقيانوس الصّقليّ*القدّيس البارّ مثوديوسPeshnosha الرُّوسيّ*الجديد في الشّهداء نيقولاوس فينوغرادوف الرُّوسيّ.
* * *
✤النّبيّ أليشع✤
أليشع، الإسم، معناه “الله يساعد” أو “الله يخلّص”. هو أحد أنبياء مملكة الشّمال، إسرائيل– وعاصمتها السّامِرَة– البارزين وتلميذ إيليّا النّبيّ وخليفته. تنبّأ على مدى خمسين سنة تقريبًا، بين العامَيْن 850 و 800 ق. م.، خلال فترات حكم كلّ مِنَ المُلوك يورام وياهو ويوآحاز ويوآش. فاق معلّمه، إيليّا، بعدد المعجزات الّتي أتاها، بنعمة الله، وطابعها المُدْهِش، لكنْ بقيت شخصيّة إيليّا أثبت وأرسخ في وجدان اللّاحقين. ففيما يُذَكر إيليا ثلاثين مرّة في أسفار العهد الجديد لا يُذكر أليشع سوى مرّة واحدة. كان أليشع، يلبس ملابس عاديّة كسائر النَّاس، وكان أصلع ويحمل عكّازًا، فيما كان إيليّا رجلًا أشعر يتمنطق بمنطقة من جلد على حقويه. كذلك كان لأليشع بيته الخاص في السَّامرة وكان الشّيوخ يجلسون إليه. وقد خصّصت له أسرة شونميّة غرفة في بيتها ينزل فيها ويأكل خبزًا كلّما عبر بشونم. وقد ورد أنّ روح النّبوّة كان يحلّ عليه، أحيانًا، على عزف العُود.
إيليّا هو ماسح أليشع نبيًّا عِوَضًا عنه بأمر الله. وهو ابن شافاط، رجلٌ ثريٌّ، من سبط يسّاكر. وقد أقام في آبل محولة في وادي الأردن. لمّا لقيه إيليّا، أوّل أمره، كان يحرث وقدّامه اثنا عشر فدّان بقر وهو مع الثّاني عشر. فما كان من إيليّا سوى أن مرّ به وطرح رداءه عليه. للحال ترك البقر ولحق به، وسأله: “دعني أقبّل أبي وأمّي وأسير وراءك”. فقال له: “اذهب راجعًا فماذا فعلت لك”. فرجع وأخذ زوج فدادين وذبحهما وسلق اللَّحم وأعطى الشَّعب فأكلوا ثمّ قام ومضى وراء إيليّا وكان يخدمه.
دامت خدمة أليشع لإيليّا ثماني سنوات. فلمّا دنت ساعة مُغادَرَة إيليّا عَبَرا الأردن معًا على اليَبَس. ثمّ قال إيليّا لأليشع: “اطلب ماذا أفعل لك قبل أن أُؤخذ عنك”. فقال: “ليكن نصيب اثنين من روحك عليّ”. فأجاب إيليّا: “صعّبت السُّؤال. فإن رأيتني أُؤخذ عنك يكون لك كذلك وإلّا فلا يكون”. وفيما هما يَسيران فصلَتْ مركبة ناريّة وخيل مِن نار ما بينهما وصعد إيليّا في العاصفة إلى السَّماء. “وكان أليشع ينظر وهو يصرخ يا أبي، يا أبي، يا مركبة إسرائيل وفرسانها ولم يره بعد”. فأمسك أليشع ثيابه ومَزَّقها قطعتين ثمّ رفع رداء إيليّا الّذي كان قد سقط عنه ورجع ووقف قبالة الأردن وضرب الماء بالرِّداء فانفلق فعبر. الأنبياء الّذين كانوا في أريحا قبالته قالوا: “قد استقرّت روح إيليّا على أليشع. فجاؤوا للقائه وسجدوا له إلى الأرض”.
بقي أليشع في أريحا فجاءه رجال المدينة وسألوه العون. قالوا: المدينة ذات موقع حسن، لكن مياهها رديئة والأرض مجدّبة فقال “ايتوني بصحن جديد ضعوا فيه ملحًا”، فأتوه به، فخرج إلى نبع الماء وطرح الملح فيه فبرئت المياه باسم الرَّبّ.
وفي بيت إيل سخر منه صبية وبالغوا لصلعته فلعنهم، وقيل خرجت دبَّتان من الوعر وافترستا منهم اثنين وأربعين.
من أعمال الرَّحمة الّتي صنعها أنّ امرأة من نساء بني الأنبياء مات زوجها وترك لها إيفاء دين عليه. فأتى المرابي وأراد أن يأخذ ولديها عبدين. فلجأت إلى أليشع فقال لها: ما عندك في البيت؟ فقالت لا شيء إلّا قليل زيت. فقال: اذهبي استعيري أوعية من جيرانك ولا تقلّلي ثمّ ادخلي وأغلقي الباب على نفسك وبنيك وصبّي في جميع هذه الأوعية وما امتلأ انقليه. ففعلت كما قال لها. وكان أولادها يقدّمون لها الأوعية وهي تصبّ حتّى ملأت الكلّ. إذ ذاك وقف الزّيت عن الفيض. فلمّا أخبرت رجل الله قال لها: اذهبي بيعي الزَّيت وأوفي الدّين وعيشي أنت وبنوك بما بَقِيَ.
ومِن أعماله الطيِّبة أيضًا صنيعه إلى المرأة الشّونميّة، من شونم، على 11 كلمًا شمالي شرقي النَّاصِرَة. هذه يصفها سفر الملوك بالـ”عَظيمة”. فلمّا أكرمت هي وزوجها رجل الله بإيوائه لديهما أراد أن يردّ لها الجميل فأعطاها ابنًا بنعمة الله. وكبر الولد ومرض ومات. فصعدت أمّه به وأضجعته على سرير رجل الله وانطلقت إليه وهو في جبل الكرمل. فجاء معها ودخل إلى غرفته في بيت الشّونميّة حيث كان الصّبيّ مُلقى على السّرير وصلّى إلى الرَّبّ الإله. وقد ورد في النَّصّ أنّ أليشع صعد واضطجع فوق الصّبيّ ووضع فمه على فمه وعينيه على عينيه ويديه على يديه وتمدّد عليه فسخن جسد الولد. وبقي يعيد الكرّة إلى أن عطس الصّبيّ سبع مرّات ثمّ فتح عينيه فاستدعى الشّونميّة ودفع الصّبيّ إليها حيًّا.
وفي الجلجال، على الطّريق بين أورشليم والسّامِرَة، شفى أليشع الطّعام في القدر وأطعم بني الأنبياء حين كان جوع في الأرض. وفي بعل شليشة كثّر الخبز وأطعم مائة رجل وفَضَّل عنهم.
ومِن أخبار أليشع شفاؤه نعمان، رئيس جيش ملك آرام. هذا كان جبّار بأس لكنّه كان أبرص. فإذ درى بأمر رجل الله جاءه بخيله ومركباته ووقف عند باب بيته، في السّامِرَة، فأرسل إليه أليشع رسولًا يقول له “اذهب اغتسل سبع مرّات في الأردن فيرجع لحمك إليك وتطهّر”. فغضب نعمان ومضى بغَيظٍ شاعِرًا بالمَهانة لأنّه ظنّ أنّ رجل الله سوف يخرج إليه ويدعو باسم الرَّبّ إلهه ويجعل يده فوق موضع البرص فيُشفى. فلمّا تدخّل عبيده وقالوا: “لو قال لك النّبيّ أمرًا عظيمًا أما كنت تعمله فكم بالحريّ إذا قال لك اغتسل واطهر”، فنزل وغطس في الأردن سبع مرّات فرجع لحمه كلحم صبيّ صغير وطهر. إذ ذاك رجع إلى أليشع وقال له: “هوذا قد عرفت أنّه ليس إله في كلّ الأرض إلّا في إسرائيل… فإنّه لا يقرّب بعد عبدك محرقة ولا ذبيحة لآلهة أخرى بل للرَّبّ…”. ولمّا أراد نعمان أن يقدّم له هدية أبى. لكن جيحزي، خادم أليشع، ذهب وراء نعمان مع غلامين من بني الأنبياء وقال له كلامًا على لسان معلّمه زورًا وطلب للغُلامَين فِضَّة وثيابًا فأعطاه نعمان ما شاء. فلمّا وصل إلى الأكمّة أخذ الأغراض من الغلامين وأطلقهما فارغين مودِعًا ما أخذ في البيت. ثمّ، بعد ذلك، دخل ووقف أمام سيّده ولم يطلعه عمّا فعل. أمّا أليشع فدرى بروحه بما جرى وجعل برص نعمان عليه وعلى نسله إلى الأبد، فخرج أمامه أبرص كالثّلج.
وذات يوم وُجد أليشع في دوثان الّتي هي اليوم تل على بعد 8 كلم جنوبي جنين. وكان ملك آرام، في ذلك الحين، يحارب إسرائيل وقد كمن لملك إسرائيل في موضع يُفترض أن يمرّ فيه. لكنّ رجل الله أرسل يقول لملك إسرائيل أن يحذّر العبور بذاك الموضع لأنّ الآراميّين حالّون هناك. فاضطرب قلب ملك آرام لأنّه ظنّ أنّ ثمّة لديه مَن يتجسّس عليه لملك إسرائيل. لكنّ واحدًا من عبيده كشف له أنّ أليشع النّبيّ الّذي في إسرائيل هو الّذي “يخبر ملك إسرائيل بالأمور الّتي يتكلّم بها في مخدع مضجعه”، على ما ورد في النَّصّ الكتابيّ. فبعدما استطلع ملك آرام أين كان أليشع أرسل إلى دوثان خيلًا ومركبات وجيشًا ثقيلًا فجاؤوا ليلًا وأحاطوا بالمَدينة. وحدث أن خرج خادم رجل الله باكرًا فرأى الجيش يحيط بالمدينة فرجع إلى معلّمه وأطلعه على الأمر مضطربًا. فطمأنه أليشع قائلًا: “لا تخف لأنّ الّذين معنا أكثر من الّذين معهم”. وصلّى أليشع وقال يا ربّ افتح عينيه فيبصر. ففتح الرَّبّ عَيْنَيّ الغلام فأبصر وإذا الجبل مملوء خيلًا ومركبات نار حول أليشع. ولمّا نزلوا إليه صلّى أليشع إلى الرَّبّ قائلًا: “اضرب هؤلاء بالعمى”. فضربهم كقول النّبيّ. إذ ذاك قال أليشع للآراميّين ليست هذه هي الطّريق ولا هذه هي المدينة. اتبعوني فأسير بكم إلى الرّجل الّذي تفتّشون عليه. سار بهم إلى السّامرة وهم مصدّقوه. فلمّا دخلوا المدينة قال أليشع: “يا ربّ افتح أعين هؤلاء فيبصروا. ففتح الرَّبّ أعينهم فأبصروا فإذا بهم في وسط السّامرة، في عقر دار ملك إسرائيل. فقال ملك إسرائيل لأليشع لمّا رآهم: “أأضرب، هل أضرب يا أبي؟”. فأجابه أليشع: “لا تضرب. تضرب الّذين سبيتهم بسيفك وقوسك. ضع خبزًا وماءً أمامهم فيأكلوا ويشربوا ثمّ ينطلقوا إلى سيّدهم”. فأوْلَمَ ملك إسرائيل لجيش آرام وليمة عظيمة فأكلوا وشربوا ثمّ أطلقهم فانطلقوا إلى سيّدهم.
وحدث، بعد ذلك، أن بنهدد الآرامي حاصر السّامرة فكان الجوع فيها شديدًا، حتّى أخذت النّساء تأكلن أولادهنّ. فحنق الملك على أليشع وأراد أن يقطع رأسه. فأرسل إليه رجلًا يتمّم قصده، فدرى أليشع بالأمر، بنعمة الله، وقال للشّيوخ الجالسين في بيته أن يغلقوا الباب ويحصروا الرّجل عند الباب. وقال أليشع: “اسمعوا كلام الرَّبّ. هكذا قال الرَّبّ في مثل هذا الوقت غدًا تكون كَيْلَةُ الدَّقيق بشاقِل وكَيْلَتا الشَّعير بشاقل في باب السَّامِرَة”. كلام أليشع بأنّ الخير سيفيض في الغد وستهبط الأسعار هبوطًا كبيرًا لم يرق لجنديّ الملك فسخر من رجل الله قائلًا: هوذا الرَّبّ يصنع كوى في السّماء يُنزل لنا منها الخير إنزالًا. كيف يمكن لهذا الأمر أن يحدث؟ فأجابه أليشع: سوف ترى بعينيك ولكنّك لا تأكل منه. وكان أن أسمع الرَّبّ الإله جيش الآراميّين في اللّيل صوت مركبات وصوت خيل، صوت جيش عظيم فدبّ الفزع في صفوفهم وتركوا خيامهم وخيلهم وحميرهم والمحلّة كما هي وهربوا. ودخل برص المكان يأسًا لأنّهم كانوا جائعين فاكتشفوا المحلّة خالية من الآراميّين. فأخذوا ما طاب لهم وذهبوا وأخبروا بوّاب المدينة بالأمر. فخرج الشّعب ونهب محلّة الآراميّين فصارت، في اليوم التّالي، كيلة الدَّقيق بشاقل وكيلتا الشَّعير بشاقل حسب كلام الرَّبّ. أمّا الجنديّ الّذي تكلّم عليه أليشع فأقامه الملك بالباب فداسه الشَّعب ومات كما قال رجل الله.
إلى ذلك تنبّأ أليشع بجلوس حزائيل على عرش مملكة آرام وتكلّم على انتصارات يوآش ملك إسرائيل ومسح ياهو ملكًا على إسرائيل فأباد كلّ بيت آخاب، الملك المنافق.
ومات أليشع فدفنوه. وكان غزاة موآب يدخلون الأرض عند دخول السّنة. فإذ حدث للسكّان أنّهم كانوا يدفنون رجلًا، إذا بهم يرون الغزاة مُقبلين. فطرحوا الرَّجل في قبر أليشع. فلمّا نزل الرَّجل ومسّ عظام أليشع عاش وقام على رجليه.
هذا وخبر أليشع النّبيّ موفور في سفر الملوك الثّاني بين الإصحاحين الثّاني والثّالث عشر إضافة إلى سفر الملوك الأوّل، الإصحاح 19.