في هذا اليوم تُقيم الكنيسة المُقدَّسَة تَذكار:
* أبونا الجليل في القدّيسين ملاتيوس، رئيس أساقفة أنطاكية * الشّهيدان بلوتينوس وساتورنينوس * القدّيسة البارّة مارينا * القدّيس أنطونيوس كولياس القسطنطينيّ* الجديد في الشّهداء خريستوس البستانيّ* أبونا الجليل في القدّيسين ألكسي، متروبوليت موسكو * القدّيس البارّ بونوا الأنياني.
* * *
✤أبونا الجليل في القدّيسين ملاتيوس، رئيس أساقفة أنطاكية✤
ولادتُهُ ونشأتُهُ
وُلد القدّيس ملاتيوس الأنطاكيّ في ملاطية، عاصمة أرمينية الصّغرى، لعائلة مرموقة يبدو أنّه ترعرع في كنفها على محبَّة الله والعادات الكنسيّة الطَّيّبة. ومع أنّ أسباب الحياة الرّغيدة كانت ميسورة لديه فإنّه اتّخذ الإمساك والصّلاة سبيلًا سلك فيه منذُ الشّبابيَّة. في هذا الإطار حصَّل قسطًا وافرًا من العلوم المُتاحَة لأمثاله في ذلك الزّمان. ويظهر كما شهد معاصروه فيما بعد، أنّه كان مبرِّزًا وتمتّع بمزايا شخصيّة باهرة كالدّماثة والدّفء وطيب المعشر والوداعة والبساطة والصّدق والأمانة وحبّ السّلام. هذه لفتت الأنظار إليه وأكسبته ثقة العارفين وتقديرهم له. كان صاحب شخصيّة جامعة إلى حدّ بعيد. الآخرون يفارقونه ويعادونه أمَّا هو فلا يفارق أحدًا ولا يُعاديه.
ملاتيوس أسقفًا على سبسطيّة الأرمنيّة
سنة 358م أُطيحَ بأفستاتيوس أسقف سبسطيّة الأرمنيّة، لأنَّه كان آريوسيًّا. واختيِرَ ملاتيوس ليشغل الأسقفيّة عوضًا عنهُ. مختاروه كانوا من أتباع آريوس مع أنَّه لم يكن ما يشير إلى أنَّه كان قد اقتبل الآريوسيّة مذهبًا. غير أنَّ الاضطراب الحاصل في سبسطيّة وتصلُّب سكّانها حال دون بقاء ملاتيوس فيها طويلًا فغادرها، كما قيل إلى الصّحراء التماسًا لحياة الهدوء والصّلاة. ثمَّ ما لبث أن انتقل إلى مدينة حلب السّوريَّة.
ملاتيوس أسقفًا على أنطاكية
كانت أنطاكية العظمى مستأسَرة لشتّىالفرق الآريوسيّة. فلمّا أطاح فريق منها بأفدوكسيوس الأسقف الآريوسيّ، فرغت السّاحة فبحث القوم عن بديل فلم يجدوا خيرًا من ملاتيوس. معظم الفرقاء فيما يبدو أرثوذكسًا وآريوسيّين، قبلوا به هؤلاء لظنّهم أنّه حليف لهم- أليس أنّ فريقًا منهم أوصله إلى الأسقفيّة في سبسطية؟!- وأولئك لأنّهم كانوا عارفين بأخلاقه ومناقبيته واستقامته.
منذُ اليوم الأوّل لتبوّء ملاتيوس سدّة أنطاكية في شتاء 360/ 361م واجه استحقاقًا صعبًا. ولم يكفّ لحظة عن إيمانه القويم. ممّا خيَّب آمال الآريوسيّين، وثبَّت إيمان الأرثوذكسيّين لمّا عاينوا أفعال ملاتيوس على أنّها أفعال رجل الله الحقيقيّ الأرثوذكسيّ الإيمان، وسمعوا أقواله المُقترنة بأفعاله.
نفيهُ الأوّل
لمّا خابت آمال الآريوسيّين في ملاتيوس الأسقف عمدوا إلى قسطنديوس، مطالبين بعزله وأبعاده فكان لهم ذلك. وجرى نفيه إلى أرمينية.
لم يطُل الزّمن حتّى أخذت رياح التّغيير تنفخ. في 3 تشرين الثّاني سنة361 مات قسطنديوس الملك. وحلَّ محلّه يوليانوس الجاحد الّذي اهتمّ بضرب الكنيسة واستعادة الوثنيّة. وتحقيقًا لرغبته سمح بعودة جميع الأساقفة المنفيّين إلى كراسيهم مبقيًا على الآريوسيّين. كان يأمل في تأجيج الصّراعات داخل الكنيسة بالأكثر لإيهانها.
نفيه الثاني
حكم والنس إمبراطورًا على الشّرق ما بين (364- 378م) وكان يدين بالآريوسيّة كما زوجته الّتي كان لها الفضل الكبير في محاربة زوجها للأرثوذكسيّة. هذا ما سمح للآريوسيّة بالعودة من جديد إلى الواجهة. فبوشر بإخراج الأساقفة الأرثوذكسيّين من كراسيهم. ملاتيوس كان في عداد هؤلاء. حيث أوصى أفظويوس الأنطاكيّ الآريوسيّ بإبعاده فتمَّ لهُ ذلك خلال العام 365م. وانتُزِعَت الكنائس من المؤمنين المسَّمين عليه. لكن يبدو أنّ ملاتيوس تمكّن من العودة إلى كرسيّه سنة 367م مستفيدًا من انشغال والنس بحربه ضدّ القوط ومحاولة انقلاب بروكوبيوس عليه. لكن والنس ما لبث أن تخلّص من أعدائه فجرى إبعاد ملاتيوس من جديد سنة 371م، وقد بقي مبعَدًا في أرمينية إلى ما بعد وفاة والنس في 9 أب 378م.
العودة من المنفى
عاد ملاتيوس إلى كرسيّه مظفّرًا في أواخر العام 378م. فعلى أثر تولّي غراتيانوس الحكم تمَّ استدعاء المبعَدين من منافيهم. بعد قليل من ذلك أوفد الإمبراطور أحد جنرالاته شابور، لتسليم الفريق الأرثوذكسيّ ما سبق واغتصبه الأفرقاء الآريوسيّن من كنائس. سلمَّ شابور ملاتيوس مجمل الكنائس المُستردَّة. ولمَّا توفي القدّيس باسيليوس الكبير في أوّل كانون الثّاني 379م أضحى ملاتيوس وريث قيادة كنيسة المشرق ورمز الكنيسة الصّامدة وأب الآباء.
ملاتيوس رئيسًا للمجمع المسكونيّ الثّاني
في خريف 379م دعا ملاتيوس إلى مجمع أنطاكيّ ضمَّ مئة وخمسين من الأساقفة. همُّهم كان لملمة الكنيسة وتأكيد الإيمان القويم، والامتداد صوب روما وسواها من مراكز الثّقل تثبيتًا لوحدة الكنيسة، وإزالة اللّغط السّابق حصوله خلال مرحلة الهيمنة الآريوسيّة.هكذا صار هذا المجمع الّذي دعا إليه ملاتيوس تمهيدًا للمجمع المسكونيّ الثّاني الّذي دعا إليه ثيودوسيوس الملك المعيَّن إمبراطورًا للشّرق بدءًا من السّنة 379م وامتدادًا إلى السّنة 395م. فانعقد المجمع المسكونيّ الثّاني في ربيع العام 381م. وكان ملاتيوس الأب والشّيخ الأبرز. وكان المجمع برئاسته.
وفاتُهُ
ما إن تقدّم المجمع المقدَّس في أبحاثه قليلًا حتّى مرض ملاتيوس ومات. كان ذلك حوالي منتصف شهر أيّار من ذلك العام381م، فبكاه آباء المجمع. حضر الإمبراطور مراسم الدّفن ورثاه عدد من الآباء البارزين بينهم القدّيس غريغوريوس النّيصصيّ والقدّيس امفيلوخيوس الأيقونيّ. ثمَّ جرى بعد ذلك نقله إلى أنطاكية.سوزومينوس المؤرّخ ذكر أنَّه: “في ذلك الوقت نُقِل جثمان ملاتيوس إلى أنطاكية ودُفِن بجوار ضريح الشّهيد بابيلا. ويُقال أيضًا أنّه بموجب أمر ملكيّ وجب تزيح الجثمان في الجادات الرّئيسيّة داخل الأسوار في كلّ المدن الّتي مرَّ بها بالصّلوات والتّراتيل إلى أن وصل إلى أنطاكية”. بعض من رفاته اليوم موجود في كنيسة القيامة في القدس، وبعضها في المعهد اللّاهوتيّ في خالكي، اسطنبول.
طروباريّة القدّيس ملاتيوس (باللّحن الرّابع)
لقد أظهرتْكَ أفعال الحقّ لرعيّتك قانونًا للإيمان، وصورةً للوداعة، ومعلّمًا للإمساك، أيّها الأب رئيس الكهنة ملاتيوس، فلذلك أحرزتَ بالتّواضع الرّفعة وبالمسكنة الغنى، فتشفّع إلى المسيح الإله أن يخلّص نفوسنا.
قنداق (باللّحن السّادس)
إنّ مكدونيوس العاصي جزعَ هاربًا من مجاهرتكَ الرّوحيّة، يا مماثل الملائكة ملاتيوس، أيّها الحربة النّاريّة للمسيح إلهنا، الذّابحة جميع الكفرَة المُلحدين، لأجل ذلك نمدحكَ نحن عبيدكَ بشوقٍ، ونسارع متمّمين الخدمة الاستشفاعيّة الّتي لكَ، أيّها الكوكب المُنير الأشياء كلّها.
قنداق (باللّحن الثّاني)
أيّها الكلّيّ الغبطة ملاتيوس. لمّا تزيّنت بمناقب استقامة الرّأي. ظهرت نصيرًا للكنيسة ومُناضلًا عنها. منيرًا الأقطار بالعقائد. يا نبراسًا للبيعة باهر الضّياء.