في هذا اليوم تُقيم الكنيسة المُقدَّسَة تَذكار:
أطفال بيت لحم الشّهداء *القدّيس البارّ مركلّلوس الآفامي، رئيس دير الّذين لا ينامون *القدّيس البارّ تدّاوس الـمُعترف *القدّيس البارّ بنيامين النّيتري *القدّيس البارّ أثينودوروس *القدّيس جاورجيوس المرنّم، أسقف نيقوميذية *القدّيسون الأبرار الكهفيّون الرّوس مرقص الحفّار مع يوحنّا وثيوفيلوس.
* * *
✤ القديس البار مركللوس الآفامي رئيس دير الذين لا ينامون✤
من عائلة غنية عاشت في آفاميا السورية. تيتّم شاباً صغيراً فانتقل إلى أنطاكية ليدرس العلوم الدنيوية. لم يطل به المقام هناك حتى أدرك بطلان ما خرج من أجله. استهوته مواعيد الخيرات السماوية في الكتاب المقدّس. وزّع ممتلكاته على الفقراء ثم ترك موطنه وسافر إلى أفسس. هناك أخذ يحصِّل لقمة عيشه خطّاطاً. رفيقه في العمل ومعلّمه في حياة الفضيلة كان عبداً يدعى بروموتس. هذا كان يوزّع أكثر أجره على المحتاجين وبعد قضاء نهاريه في مشغل الخط كان ينصرف ومركلّلوس للصلاة الليلية في الأديرة والكنائس التي كانت تنفتح أمامه من ذاتها. انتهى إليه خبر الكسندروس السوري الذي كان قائداً عسكرياً فزهد في الدنيا وترك العالم ليؤسّس، سنة 402م، ديراً على ضفاف نهر الفرات. هناك اجتمع إليه أربعمائة راهب. ثم انتقل إلى نواحي القسطنطينية فأسّس ديراً آخر بثلاثمائة راهب قريباً من كنيسة القديس ميناس. وإذ كان الكسندروس مهتماً بالصلاة المتواصلة فقد وزّع رهبانه على ستة أجواق كانت تتناوب الصلاة في الكنيسة على امتداد أربع وعشرين ساعة في اليوم. لهذا لقِّب الكسندروس بالذي لا ينام وكذلك ديره، وصارت طريقته نمطاً رهبانياً اجتذب الكثيرين. فلما سمع مركللوس عن هؤلاء الملائكة الأرضيين انضمّ إليهم، لكن اضطر الكسندروس ورهبانه أن يغادروا القسطنطينية بعدما تحرّك حسد بعض الأديرة عليهم لنجاحاتهم فانتقلوا إلى بريّة غومونا في بيثينيا إثر اتهامهم بالمسّاليانية. مركلّلوس كان في عداد الذين غادروا وقد اقتنى فضائل جمّة حتى أضحى من أكثر رهبان ديره إشعاعاً. فلما دنت ساعة الكسندروس قام مركلّلوس فترك الدير خشية أن يجعلوه رئيساً وأخذ يتردّد على النسّاك المشهورين في زمانه ليتعلّم منهم ويأخذ عنهم ما أبدعوا هم فيه. فلما بلغه أن أهل ديره اختاروا لهم يوحنا رئيساً عاد ليعمل في أحطَ الخدم. وقد جعلوه قيّماً على حمار الطاحون. غير أن فضيلة القديس مركللّوس كانت بيّنة للجميع. وما لبث يوحنا، الرئيس الجديد، أن كلّفه بالعناية الروحية بالإخوة، وكان يأخذ بمشورته في أمور ديرية كثيرة. فعلى كلمته مثلاً انتقلت الشركة المتنامية إلى موضع أقل عزلة في ايرانيون، على الضفّة الجنوبية من البوسفور. وما لبث يوحنا، رئيس الدير، أن رقد فاختار الإخوة مركلّلوس رئيساً جديداً عليهم. في عهده ذاع صيت دير الذين لا ينامون في كل مكان وصار طلاب الحياة الرهبانية يأتون إليه حتى من الغرب وفارس وأرمينيا. توزّع رهبان ديره على ثلاث مجموعات لغوية: اليونان واللاتين والسريان. هؤلاء كانوا يؤمّنون التسبيح الدائم لله. صار القديس مرجعاً لكل شأن رهباني حتى إن كل من رغب في تأسيس دير أو مؤسسة إحسان كان يطلب رعايته وإرشاده. أخذ يرسل تلامذته في كل اتجاه ليشرف على إنشاء الأديرة والمؤسسات. لما ضاقت بديره الأمكنة من كثرة القادمين إليه جاءه رجل اسمه فارتريوس فترهّب هو وأولاده جميعاً ووهب الدير ثروته الطائلة. كذلك لما رغب ستوديوس البطريق أن يؤسس ديراً في القسطنطينية سنة 463م، وهو الدير الذي اشتهر فيما بعد وعرف دير ستوديون، أقول لما رغب ستوديوس في ذلك دعا مركلّلس إلى استلامه وتنظيمه. على هذا النحو صار دير الذين لا ينامون. في أيام مركلّلس، بمثابة منظّم للحياة الرهبانية وأحد أبرز المراكز الثقافية اللامعة. فقد احتوى على مكتبة غنيّة وكان فيه عدد كبير من الرهبان يهتمون بالنسخ وزخرفة المخطوطات التي أخذت تنتشر في كل أنحاء الإمبراطورية. إلى ذلك برز مركلّلس كأحد أشد المدافعين عن الإيمان الأرثوذكسي في وجه أوتيخيوس وسواه من الهراطقة. وقد لعب دوراً مهماً في مجمع خلقيدونية. كما حرّك الشعب والرهبان، بمعية البطريرك جنّاديوس، للحؤول دون حصول باتريكيوس الآريوسي على لقب قيصر. هذا حدث في زمن لاون الإمبراطور (457 – 474م). وقد منّ الرب الإله على مركلّلس بموهبة صنع العجائب وشفاء المرضى. صار ملجأ للفقراء والمحتاجين وكان محباً للتوزيع. بالمقابل كان الرب الإله يزيد خيرات الدير أضعافاً. ولما مات أخوه وانتقلت إليه ثروته الكبيرة لم يحتفظ منها لديره بشيء بل وزّعها برمّتها على الأديرة الفقيرة المحتاجة. مما يروى عنه أن مجاعة ضربت الناحية التي كان فيها دير الذين لا ينامون. فقصده بعض الفقراء وسألوا عون القدّيس مركلّلس. فاستضافهم ثم استدعى ناظر الصندوق وسأله كم عنده في الصندوق من المال؟ فأجاب: عشرة قطع فضية! فأمره أن يعطي كل ما لديه للرجال الفقراء. ففعل لكنه احتفظ بقطعة فضية واحدة لأنه قال إن وضع المجاعة آخذ في التفاقم. فجأة زار الدير أحد الأغنياء وسلّم الرئيس تسعين وزنة من الذهب. فما كان من القدّيس مركلّلس، الذي عرف بروحه ما حدث، سوى أن استدعى ناظر الصندوق وقال له: “لقد شاء الرب الإله أن تكون لنا مائة وزنة عبر هذا الرجل التقي. ولكن لأنك لم تطع ما أمرتك به واحتفظت بقطعة فضيّة فقد أمسك المولى عنا عشرة وزنات!”. كذلك كان مركلّلس ملاذاً للمظلومين، لا يتردّد عن احتضان الضعفاء والدفاع عنهم حتى الأباطرة كانوا يعتبرونه معلماً لهم ويطلبون منه النصح. أما للنفوس المضنكة بثقل الخطيئة فكان شفيعاً حاراً ومعزّياً رفيقاً رؤوفاً. كما أن كل الذين كانوا يعودون إليه تائبين من الرهبان كان يقتبلهم بفرح. كان الكل للكل على قياس محبة الله الفائضة في قلبه. وقد بقي كذلك إلى أن رقد في الرب بعد ستين سنة من الحياة النسكية، قرابة العام 484م.