في هذا اليوم تُقيم الكنيسة المُقدَّسَة تَذكار:
* القدّيسان الرّسولان ياسون وسوسيباتروس * الشّهداء أفسافيوس وزينون وفيتاليوس وناون * الشّهداء الإثنان والعشرون * الشّهداء أغابيوس ورفقته * القدّيس البارّ دانيال جيرونا الإسبانيّ* القدّيس ديشو الإيرلنديّ* القدّيس ساويروس نابولي الصّانع العجائب* الشّهيد توربيز بيزا * القدّيس البارّ يوحنا كالوكتينوس الرَّحيم * القدّيس البارّ نيقيفوروس سيبازي* القدّيس البارّ فياخنا الإيرلنديّ* القدّيس البارّ باسيليوس الصّربيّ* الجديد في الشّهداء ستانكو الرّاعي* القدّيس البارّ نكتاريوس أوبتينا الرّوسيّ المعترف.
* * *
✤القدّيسان الرّسولان ياسون وسوسيباتروس✤
أصل القدّيس ياسون من مدينة الرسول بولس، طرسوس الكيليكية. غير أن معرفته به كانت في مدينة تسالونيكية حين كان الرسول المصطفى برفقة سيلا. هناك استضاف ياسون رسول الأمم. فلما قام اليهود، في المدينة، حسداً على الرسولين لم يصادفوا بولس بل ياسون فجرّروه أمام الولاة متّهمين إيّاه بإيواء قوم ينازعون سلطة قيصر (راجع أعمال الرسل 17: 5 – 9). النصّ يقول إنهم كانوا يصرخون ان هؤلاء الذين “فتنوا المسكونة حضروا إلى ههنا أيضاً. وقد قبلهم ياسون. وهؤلاء كلّهم يعملون ضدّ أحكام قيصر قائلين إنه يوجد ملك آخر يسوع. فأزعجوا الجميع وحكّام المدينة إذ سمعوا هذا. فأخذوا كفالة من ياسون ومن الباقين ثم أطلقوهم”.
بعد ذلك لحق ياسون بالقدّيس بولس في رحلته إلى مقدونية وآسيا، برفقة تلاميذ آخرين بينهم سوسيباتروس الذي من أخايا في البليوبونيز. وأن هذين التلميذين، ياسون وسوسيباتروس، التصقا ببولس حتى قال عنهما، في رسالته إلى أهل رومية، إنهما نسيباه. وقد ورد في التراث أن بولس كلّف ياسون بكنيسة طرسوس، فيما كلّف سوسيباتروس بكنيسة أيكونيوم.
بعد أن ثبّت الرسولان دعائم المسيحية في هاتين المدينتين، ارتحلا إلى الغرب ليكرزا بالإنجيل. فلما بلغا جزيرة كورفو اليونانية شرعا في بناء كنيسة إحياء لذكرى القدّيس، أول الشهداء، استفانوس. وعوض أن يكرزا ببراهين تمتّ إلى الحكمة البشرية رفعا أناشيد متواترة لتمجيد الله فاجتذبا العديد من الوثنيّين إلى الإيمان، أي إلى التسبيح القويم لله.
النجاحات التي حقّقها الرسولان أقلقت ملك الجزيرة، كيركيليانوس، فاستحضرهما إليه لإجبارهما على التضحية للآلهة. جواب القدّيسَين كان: “اصنع بجسدَينا ما يبدو لك موافقاً، أما على نفسَينا فلا سلطان لك لأنهما يخصّان الله!” أُلقيا في السجن بانتظار صدور الحكم عليهما. التقيا في الحبس سبعة لصوص: ساتورنينوس، فوستيانوس، يانواريوس، مارساليوس، أوفراسيوس ومامّوس. وقد تمكّن الرسولان بنعمة الله وصبرهما في الشدائد وكذا بكلام الحياة الأبدية من هداية اللصوص إلى الإيمان القويم إضافة إلى أنطونيوس الجلاّد. هذا جذبه الطيب والنور الإلهيان اللذان كانا ينبعثان من السجن.
لما دخل الجنود المرسَلون من عند الملك السجن ليقمعوا المهتدين الجدد، فوجئوا بمرأى أنطونيوس الجلاّد جالساً بسلام وبجانبه شاب مشرق بالنور يمسك بإحدى يديه صليباً وباليد الأخرى سيفاً. أما المساجين الآخرون فكانوا مزيَّنين بأكلَّة من الذهب فيما صدحت في المكان ترنيمة الظفر: “قدّوس، قدّوس، قدّوس، ربّ الصباؤوت…”.
أوقف الملك أنطونيوس أمامه وسأله لِمَ تخلّى عن دين آبائه. فأجاب أنطونيوس، أولاً، برسم إشارة الصليب على الملك. هذا الأمر أخرج الملك عن طوره فقطع يد أنطونيوس. لكن ملاك الرب شدّده لئلا يخور عزمه فثبت على جسارته، لا يتزعزع. واستجابة لصلاته أثار الربّ الإله زوبعة صعقت زوجة الملك وولدَيه. رغم كل شيء لم يلن كيركيليانوس ولا عاد عن غيِّه بل حاول أن يلقي اليد على أنطونيوس فشُلَّت ذراعه. إذ ذاك، عوض أن يتّعظ، أمر بقطع رأس تلميذ المسيح خارج المدينة. وإن بعض الأتقياء المسيحيّين، من الذين عاينوا المشهد، أخذوا جسد أنطونيوس الجلاّد ودفنوه في كنيسة القدّيس استفانوس.
بعد يومين استدعى كيركيليانوس كلاً من ياسون وسوسيباتروس فاعترفا، بصوت واحد، بالإله الحيّ الوحيد والربّ يسوع المسيح. تنفيذ حكم الموت بأنطونيوس لم يزحزحهما بل جعلا يمجِّدان الله على ما أعطاهما من صبر وجسارة ليحظيا بإكليل عدم الفساد. إذ ذاك اقترح عليهما الملك أن يتبارزا وأحد السحرة لديه. هذا تمكّن في ساعة واحدة من إنبات قمح وتحويله إلى خبز ساخن. يُذكر أنه لما بدأ الساحر بتلاوة شعوزاته اضطربت الحيوانات والطبيعة في الجوار وأخذت تتصرّف بطريقة غريبة. كل الحاضرين أصابهم الدهش لهذه القوى الشيطانية ما خلا القدّيسَين الرسولَين اللذين دعيا باسم الربّ فسقط الساحر للحال صريعاً. وإذا بالخليقة تستعيد مسارها الطبيعي فهتف الجمع: “أجل، إله ياسون وسوسيباتروس هو الإله الحقيقي وحده!”. على هذا اغتاظ الحاكم وأمر بإعادة الرسولَين إلى السجن، كما أمر بجلب ساتورنينوس وبقية اللصوص المهتدين إليه.
في الغد، بعد أن قضى السبعة ليلتهم في الصلاة، استيقوا، مقيَّدين، إلى أمام الوالي كربيانوس لا كلصوص بل كمسيحيّين. فلما أُخضعوا للاستجواب عاينت كيركرة، ابنة الملك، وهي فتاة في الخامسة عشرة من العمر، أقول عاينت المشهد، وقد انحنت من نافذة القصر. وإذ علمت أن هؤلاء الرجال يكابدون التعذيب من أجل اسم المسيح هتفت: “أنا أيضاً مسيحيّة ولا علاقة لي بعبادة الأوثان. المسيح، المسيح ألتمسُ عريساً لي!”. الملك، الذي كان ساعتذاك، يلاحظ، صعقه المشهد. فلما عاد إلى نفسه حاول أن يقنع ابنته بالعدول عمّا أبدت. لم يحمل كلامها، أوّل الأمر، على محمل الجدّ. ولكنْ لمّا رآها مصرّة على موقفها هدّدها بالتعذيب والموت. فتمسّكت بالأكثر. وفيما كان الملك يضرب أخماساً بأسداس، غير عارف بما سيفعله بابنته، قامت هي بتوزيع ما لديها من مقتنيات للفقراء وأخذت تستعدّ، بفرح، لاقتبال الشهادة. أخيراً قبض الجند على الصبيّة وجرّرها مكبّلة بالأصفاد إلى إحدى القرى حيث أخضعها كربيانوس الوالي للتعذيب. وفيما كان دمها يسيل كانت القدّيسة تشكر الله بصوت مرتفع لأنه اقتبلها معتمدة بدمها. إثر ذلك أُلقيت في السجن. وبناء لطلب أبيها الملك، أُوفد عسكري حبشي، خشن ورهيب ليُذلّها. ولكن، بقوّة الله، جاء دبّ واستقرّ عند مدخل السجن وزأر على الرجل حالما دنا من السجن. أما القدّيسة فأسكتت الدبّ وهدت الحبشي إلى المسيح ودعته خريستوذولوس. بعد ذلك أطلقته بسلام مزوِّدة إيّاه بصليب وان يجيب الذين يسألونه: “ان المسيح هو مَن أطلب. إيّاه أعبد وأنا أحبّه!”. وحالما ظهر الرجل في المدينة حتى جرى القبض عليه وأُسلم للتعذيب إلى أن قطعه الوالي اثنين.
إثر إعدام خريستوذولوس، توجّه كاربيانوس إلى السجن لكن الدبّ وقف في وجهه. على هذا طلب الوالي من الملك السماح له بإقفال ملف الصبيّة. فكان أن أضرم النار في السجن فهرب الدبّ إلى الغابة فيما بقيت كيركرة، المحفوظة بنعمة الله، في الصلاة وسط ألسنة اللهب، نظير الفتية الثلاثة القدّيسين. وفي غضون ثلاثة أيام انطفأت النار فجاء الملك ليأخذ بقايا ابنته للدفن. وكم كانت دهشته عظيمة، حين اكتشف، وسط الأنقاض المحروقة، أن الصبيّة كانت جالسة، بهيَّة، بحمى ملاك نوراني. لم يحرّك المشهد أحشاء الملك الذي قسّى قلبه واستاق ابنته خارج المدينة، إلى حيث جرى تعليقها ورأسها إلى أسفل ورُميت بالسهام فأكملت الشهادة.
بعد ذلك أُلقي ساتورنينوس ورفقته في قدور مليئة بالزفت المشتعل. فلما كانوا على وشك إتمام شهادتهم شكروا الله لأنه رأف بهم كما رأف بلصّ اليمين. عندما علم الملك بأن شهادة هؤلاء كانت هداية للعديدين وأن المهتدين الجدد هم الذين اهتمّوا بمواراة الشهداء الثرى حاول أن يذرّي رماد هؤلاء وملاحقة أولئك فحدث، بنعمة الله، ما منعه من ذلك وأودى بحياته وحياة مَن كانوا معه.
إثر ذلك، كما ورد، أُطلق سراح الرسولَين ياسون وسوسيباتروس الذين ثبّتوا بكرازتهما المؤمنين الجدد. لكن الهدنة لم تدم طويلاً. فإن داسيانوس ألقى القبض عليهما من جديد وأمر بإلقاء سوسيباتروس في برميل من القار المشتعل. فرسم سوسيباتروس إشارة الصليب على نفسه وقدّم نفسه ذبيحة لله طيِّبة الرائحة. إلاّ أن ألسنة اللهب امتدّت إلى الجوار والتهمت العديد من الوثنيّين. ارتعب الملك وارتمى أرضاً وسأل إله سوسيباتروس العفو ثم لجأ إلى ياسون ليعلِّمه الإيمان. وقد جرت عمادة الملك واتّخذ اسم سباستيانوس. كما اعتمد جميع الذين كانوا في الجزيرة، الذين عاينوا عجائب الله في قدّيسيه.
مذ ذاك وجزيرة كورفو على المسيحية والقدّيسان ياسون وسوسيباتروس شفيعاها.