Menu Close

في هذا اليوم تُقيم الكنيسة المُقدَّسَة تَذكار:

* القدّيسون الأبرار المقتولون في طور سيناء ورايثو * القدّيس البار ثيوذولس ابن القدّيس نيلس السّينائي * الشّهيدة أغنيس * القدّيس البار استيفانوس خنولاكوس * القدّيسة نونة المعادلة الرّسل * القدّيس البار سابا رئيس أساقفة صربيا ومؤسّس دير خيلندار الآثوسيّ* القدّيس فيليكس النّولي الـمُعتَرِف.

*        *        *

✤القدّيس البار سابا رئيس أساقفة صربيا ومؤسّس دير خيلندار الآثوسيّ✤

هو أدنى القدّيسين إلى قلب الشّعب الصّربيّ. وُلد عام 1169. وهو الابن الثّالث لأمير صربيا الأكبر، استيفانوس نامنجا التّقيّ. اتّخذ وقت المعموديّة اسم رادكو أو راتسلاف الّذي يعني هلالًا. ترعرع على مخافة الله. تسلّم وهو بعد في الخامسة عشرة من عمره حكم مقاطعة هرزكوفينا. لم يغرّه مجد العالم ولا مباهجه. محبّة الله تلظّت فيه. عرض عليه ذووه الزّواج وهو في السّادسة عشرة فتهرّب. في تلك الأثناء قدم رهبان صرب من جبل آثوس وعلى رأسهم شيخ روسيّ. جاؤوا يلتمسون العَوْن من الأمير الكبير. أصغى رادكو بشغف إلى كلام الشّيخ بشأن الحياة الرّهبانيّة الملائكيّة في جنّة والدة الإله، أي جبل آثوس. استقرّت في أذني رادكو خصوصًا كلمة تفوّه بها الشّيخ: “مَن أحبّ أبًا أو أمًّا أكثر منّي فلا يستحقّني” (متّى 10: 37). سقطت آخر تحفّظات الشّاب. أيقن أنّ تعلّقه بذويه ليس سببًا وجيهًا للبقاء. قرّر على الأثر أن يحمل هو أيضًا صليبه ويتبع المُعلّم. لجأ، لتحقيق رغبته المُبارَكة، إلى الحيلة. طلب من والده البرَكَة ليذهب في رحلة صيد للغزلان. فلمّا حَظيَ بما اشتهته نفسه انطلق في إثر الطّريدة الإلهيّة الّتي هي المسيح.

        انضمّ رادكو، أوّل أمره، إلى دير القدّيس بندلايمون الرّوسيّ. ولم يلبث أحد أشراف قصر أبيه أن اهتدى إلى مكان وجوده. لم يكن رادكو قد صار بعد راهبًا. في اللّيل، والزّوّار نائمون، صعد القدّيس إلى برج الدّير فاقتبل الثّوب الرّهبانيّ الملائكيّ واتّخذ سابا اسمًا له. في الصّباح الباكر استفاق المرسلون فإذ بهم أمام رادكو راهبًا مُقيمًا في البرج، وإذ بسابا يلقي إليهم من أعلى البرج شعره المقصوص وثيابه الأميريّة ورسالة تعزية إلى والديه.

        بعد ذلك صار سابا راهبًا في دير فاتوبيذي تحت قيادة شيخ اسمه مكاريوس. تجرّده الكامل وطاعته المُطلَقة وتواضعه وحرصه على الأصوام وسهره وصلاته، كلّ هذا أكبره في عين الرّهبان سريعًا. اعتاد أن يزور الأديرة والمَناسِك الآثوسيّة حافي القدمين. أخذ، بصورة أخصّ، بسيرة النّسّاك. أسرّ إلى أبيه الشّيخ برغبته في التّنسّك فلم يعطه البَرَكة. أقام في الطّاعة وخدمة الإخوة بلا تردّد. تسنّى له، خلال هذه المرحلة من سيرته الرّهبانيّة، أن يتقن اليونانيّة، الأمر الّذي سمح له بنقل الكثير من كنوز التّراث الآبائيّ واللّيتورجيّ والقانونيّ الكنسيّ إلى السّلافيّة، لغة شعبه.

        أمّا استفانوس نامنجا، أمير صربيا الأكبر، ووالد القدّيس سابا، فقد تخلّى عن العرش، بتأثير من ابنه عليه، وسلّمه إلى ابنه الثّاني استفانوس ليترهّب في الدّير الصّربيّ المعروف باسم ستودينيتسا ويتّخذ اسم سمعان. ومن هناك انتقل إلى الجبل المُقدّس واتّخذ من ابنه، سابا، أبًا روحيًّا له. وإذ لم يكن في طاقة سمعان أن يتمّم الفروض النّسكيّة المَطلوبَة من الرّهبان المُجرّبين، بسبب سنّه، أخذ سابا على عاتقه أمر مضاعفة جهاداته الخاصّة، عنه وعن أبيه. قال لأبيه: “أنا صيامك وسجداتك. أنا نسكك. أنا مسؤول أمام الله عنك لأنّك سمعت لي وأتيت إلى ههنا”. وبعدما وزّع الأمير حسناته على الأديرة، أسّس الأميران الرّاهبان دير خيلندار الّذي صار مركز الرّهبانيّة والثّقافة الكنسيّة الصّربيّة. هناك أقاما بصحبة رهبان صرب آخرين، كما انضمّ إليهم رهبان من جنسيّات مختلفة. سنة 1200 م رقد سمعان بالرَّبّ وهو أحد قدّيسي الكنيسة ويُعيَّد له في 13 شباط. للحال نضح طيبًا وجرت برفاته عجائب جمّة.

        بعد ذلك عَيّن سابا رئيسًا لدير خيلندار، عوضًا عنه، وانصرف ليحقِّق رغبة قلبه. ورغبة قلبه كانت النّسك. نزل قلّاية قرب كارياس، العاصمة الصّغيرة للجبل المُقدَّس. محبّة المسيح كانت قد أسرته. لم يعد ينظر إلّا للسّماء وخيرات العالم الآتي. كان يتضرّع إلى الرَّبّ الإله ليل نهار أن يتحنّن عليه لأنّه أسوأ الخطأة.

        عرف سابا في رؤيا ما اقتناه أبوه في الجسد من مجدٍ سماويّ فكتب سيرته ووضع له خدمة ليتورجيّة. أثناء ذلك اصطرع أخواه في صربيا، استيفانوس وفوكان، فيما بينهما، فسالت الدّماء. لكن لجأ كلاهما إلى القدّيس سابا الّذي كان في ذلك الوقت قد صار كاهنًا فأرشيمندريتًا. عاد سابا إلى بلاده، على الأثر، مصحوبًا برفات أبيه سمعان العجائبيّة. وبفضل تدخّل القدّيس تصالح الأميران أمام رفات أبيهما الّتي سال منها الطّيب. قبل سابا، بناء لإلحاح أخيه استيفانوس والشّعب الصّربيّ، أن يبقى في صربيا ويصير رئيسًا لدير ستودينيتسا. لم يهمل شيئًا من سيرته النّسكيّة. قام بعمل رسوليّ مهمّ. ثبّت الشّعب في الإيمان الأرثوذكسيّ. قاوم الهرطقات. بنى الكنائس والأديرة ونظّمها على النّمط الآثوسيّ. أسّس دير زيخا الكبير وهو ما أضحى، فيما بعد، مركز رئاسة الأساقفة الصّربيّة ومركز الحياة الكنسيّة في البلاد.

        عاد سابا إلى جبل آثوس سنة 1216 فيما كان أخوه استيفانوس يستعدّ لتقديم الولاء لبابا رومية بعد سقوط القسطنطينيّة في يد الصّليبيّين سنة 1204 م. انصرف إلى الصّلاة بحرارة إلى الله من أجل الشّعب الصّربيّ. توقّف الطّيب عن السّيلان من رفات القدّيس سمعان أبيه في صربيا. توجّس الصّرب شرًّا. استعانوا بالقدّيس سابا. أرسل سابا رسالة بواسطة تلميذه هيلاريون إلى استيفانوس الأمير وأخرى إلى أبيه. فلمّا وقف هيلاريون أمام رفات القدّيس سمعان قرأ الرّسالة الموجّهة إليه. للحال أخذ الطّيب يتدفّق من جديد، لا من الرّفات وحسب بل من أيقونات القدّيس سمعان أيضًا، الأمر الّذي أعاد الثّقة إلى الشّعب الصّربيّ وثبّت رضى الله عن القدّيس سابا وأرثوذكسيّته.

        سنة 1219 زار سابا الأمبراطور البيزنطيّ ثيودوروس الأوّل لاسكاريس في مدينة نيقية. أبدى الأمبراطور استعداده لأن يمنح الكنيسة الصّربيّة استقلالها الدّاخليّ الكامل شرط أن يكون سابا أوّل رئيس أساقفة لها. رضي سابا فسامه البطريرك القسطنطينيّ أسقفًا. للحال باشر سابا بتنظيم الكنيسة الصّربيّة. سام خيرة تلاميذه أساقفة وتوّج أخاه ملكًا. جال في البلاد كارزًا بالإيمان القويم. سام الكهنة وبنى الكنائس وأسّس الأديرة، ونقل القوانين الكنسيّة إلى السّلافيّة.

        بعد حين رقد أخوه الأمير استيفانوس ولمّا يحقّق رغبته الأخيرة في أن يصبح راهبًا. فما كان من سابا سوى أن ردّ إليه نسمة الحياة، بنعمة الله، ورهبنه وأعطاه اسم سمعان وناوله الذّخيرة المُقدّسة. وما أن تمّ له ما رغب فيه حتّى أسلم الرّوح بسلام.

        سنة 1230 م خرج سابا في حجّ إلى الأرض المقدّسة فنزل في دير القدّيس سابا القريب من أورشليم القدس. ثمّ في السّنة 1233 تنازل عن رئاسة الأساقفة وجال على الأرض المُقدّسة وسيناء وأنطاكية. رقد في الرَّبّ في 14 كانون الثّاني 1235 أو ربّما 1236 في تيرنوفو البلغاريّة. بقي جسده في كنيسة الأربعين شهيدًا هناك إلى أن جاء الأمير الصّربيّ فلاديسلاف واستعاده. استقرّ في دير ميلاسيفو الصّربيّ الّذي أضحى مركز حجّ مهمّ. بقي كذلك إلى أن أحرق سنان باشا التّركيّ الرّفات في بلغراد في 27 نيسان 1594 م.

مواضيع ذات صلة