Menu Close

* القدّيسون الشّهداء ميناس وهرموجانيس وأفغرافوس * الشّهيد جميلوس * القدّيس البار توما البثينيّ* الشّهيد في الكهنة ثيوتكنوس * الشّهيد مريانوس * الشّهيد أفجانيوس.

*        *        *

✤القدّيسون الشّهداء ميناس وهرموجانيس وأفغرافوس ✤

ليس واضحًا متى تمّت شهادة هؤلاء القدّيسين الثّلاثة. قيل في زمن الإمبراطور الرّومانيّ يوليوس مكسيمينوس الّذي تولّى الحكم لفترة قصيرة بين العامين (235 و238 للميلاد). وقيل أيضًا في زمن الإمبراطور مكسيميانوس هرقل الّذي تبوّأ العرش الرّومانيّ وزميله ذيوقليسيانوس بين العامين (285و305م)

أنّى يكن الأمر فإنّ ميناس، كما ورد في التّراث، رجل أثينائيّ وُصف ب “الرّخيم الصّوت” أو “الحسن النّغمة” لفصاحة لسانه وحسن منطقه. حصلت في أيّامه انقسامات سياسيّة بمدينة الإسكندريّة وحقّق المسيحيّون نجاحات ملحوظة في نشر الإنجيل بين السّكان فيها. ولمّا كان ميناس أحد مستشاري الإمبراطور فقد أوفده هذا الأخير لمعالجة الخلافات السّياسيّة الحاصلة وضرب المسيحيّين في المدينة وملاحقها.

ميناس، من ناحيته، كان مسيحيَّا متخفّيًا. لم يجاهر بمسيحيّته، إلى ذلك الزّمان، لأنّه لم يكن قد أدرك بعد أن ساعته قد جاءت ليتمجّد ابن الله فيه.

توجّه ميناس إلى الإسكندريّة وعالج صعوباتها بالحُسنَى، فتمكّن، بما أوتي من حكمة ودراية، من تهدئة الحال وإصلاح الأمور. هذا على الصّعيد السّياسيّ. أمّا وضع المسيحيّين فلم يشأ ميناس أن يعالجه وفق رغبة الإمبراطور. فقد أيقن أنّ ساعة الاعتراف بالمسيح قد حانت. وهكذا بدل أن يقمع المسيحيّين أطلق يدهم وشجّع على نشر كلمة الإنجيل. وقد ذكر أنّ الرَّبّ الإله أجرى على يديه آيات جمّة علامة للرّضى الإلهيّ عن هذا العمل المُبارَك وتأكيدًا لصدقيّة البشارة وقوّتها. ويبدو أنّ الوثنيّين في المدينة أخذت كلمة الخلاص بمجامع قلوبهم وأدهشتهم أعمال الله بحيث أنّ كثيرين منهم نقضوا هياكلهم وانضمّوا إلى الكنيسة.

ولم تلبث أخبار الإسكندريّة والجوار أن بلغت أسماع الإمبراطور الرّومانيّ فخَشِيَ على مصر أن تتحوّل بأكملها إلى المسيحيّة. وإذ رأى في ما كان يجري فيها تهديدًا لحكمه وتآمرًا عليه. أوفد، على جناح السّرعة، رجلًا اسمه هرموجانيس، موثوقًا لديه، ليرد ميناس إلى صوابه، لو أمكن، أو يعمد إلى تصفيته وتصفية المسيحيّين ويعيد الأمور، من ثم، إلى نصابها.

هرموجانيس كان أيضًا من أثينا. لم يعرف المسيح لكن الوثنيّة لم تفسده. كان مستقيمًا عادلًا طيّبًا وموظّفًا أمينًا، لكنّه، في جهله، ظنّ أنّ من حقّ الإمبراطور عليه أن يكونمُطيعًا له. تصرّف، أوّل أمره، كأي عامل ملكيّ ينفذ الأوامر ويفرض أحكام قيصر. وما أن انكشفت الحقيقة لعينيه، على غير ما كان يتصوّر، حتّى اهتدى، فكان له موقف آخر.

دخل هرموجانيس مدينة الإسكندريّة بمواكبة عسكريّة مهمّة. وأوّل ما فعله أن ألقى القبض على ميناس وأودعه السّجن. ثم أوقفه أمامه للمحاكمة بعد أيّام بحضور جمهور من النّاس.

أجاب ميناس على اتّهام هرموجانيس له بأنّه تمرّد على قيصر فأكّد ولاءه له في كلّ شأن من شؤون الحكم والإدارة المدنيّة والعسكريّة إلّا ما له علاقة بعبادة الله، خالق السّماء والأرض. ميّز بين ما هو لله وما هو لقيصر، الأمر الّذي لم يكن مألوفًا يومذاك، لا بل كان يعتبر خطرًا على تماسك الدّولة ووحدتها. الفكرة كانت أن من يخضع لقيصر يخضع لآلهة قيصر. الموضوع كان جديدًا على هرموجانيس. المطلوب، بالنّسبة إليه، كان الطّاعة لقيصر. قضيّة الأوثان، بِحَدّ ذاتها، كانت ثانويّة لديه.

واستطرد ميناس فسرد بثقة وهدوء كيف أنّ الله لم يكفّ عن إظهار عجائبه به، أي بميناس، منذ أن التزم البشارة بكلمة الخلاص. وفيما كان ميناس يعرض تفاصيل بعض ما جرى له، أخذت أصوات من بين الحضور ترتفع مؤكّدة صحّة ما يقول. وإذ احتدّت المشاعر في المكان وبان كأنّ الإجتماع على وشك أن يتحوّل إلى تظاهرة مسيحيّة انفضت الجلسة إلى اليوم التّالي.

في اليوم التّالي، أُتي بالقدّيس في محضر النّاس وجعل هرموجانيس أمامه آلات التّعذيب راغبًا في استعمال لغة غير اللّغة الّتي استعملها في اليوم الفائت عسى ميناس، بالتّخويف، أن يعود إلى طاعة قيصر كاملة غير منقوصة. وما أن اتّصل الكلام الّذي كان قد انقطع البارحة حتّى بدا لهرموجانيس أنّ منظر آلات التّعذيب لم يغيّر شيئًا من موقف ميناس. إذ ذاك أيقن أن لغة الكلام وحدها لا تنفع، فأشار إلى الجلادين أن يعذّبوه؛ فحطّموا كعبيه وفقأوا عينيه وقطعوا لسانه وأعادوه إلى سجنه على أمل إلقائه للوحوش في اليوم التّالي.

موقف ميناس أثناء التّعذيب كان لافتًا. فرغم آلامه الّتي من المُفترض أن تكون مُبرحة بدت نفسه في سلام. لم يتلو بمرارة ويأس كما اعتاد هرموجانيس أن يُعايِن السّفلة والمُجرمين يفعلون وهم تحت التّعذيب. كأنّما كانت في نفس ميناس قوّة لم ينجح التّعذيب، على قسوته، في النّيل منها. وذاك الوجه الّذي فاض نورًا على ما ارتسم عليه من ألم انطبع في وجدان هرموجانيس، فحسب موقف ميناس بطوله تستحقّ الثّناء.

وبات هرموجانيس على انطباعات من هذا النّوع.

أمّا ميناس الملقيّ في السّجن فجاء إليه الرَّبّ يسوع شخصيًّا أثناء اللّيل وعزّاه ومسّ جراحه فعاد صحيحًا.

وأطلّ الصّباح ودبّت الحركة، فأرسل هرموجانيس في طلب ميناس. كان يظنّ أنّه قد مات، لكنّه رغب، لإحساسه بالرّجولة، أن يجمع النّاس ويثني على بطولة ميناس في مواجهة التّعذيب والمعذّبين. وكم كانت دهشته فائقة حين وقف ميناس لديه سليمًا مُعافى وكأن جسده لم ينل ما ناله البارحة. إذ ذاك أدرك هرموجانيس أنّه عظيم الإيمان بالمسيح وعظيم إله المسيحيّين فآمن وجاهر بإيمانه أمام الشّعب، ثم اعتمد، وقيل تسقّف على الإسكندريّة بعد معموديّته بوقتٍ قصير.

في تلك الأثناء كان الإمبراطور ينتظر أخبارًا طيّبة من عامله في الإسكندريّة، فإذ به يتلقى خبر ما حدث فيها فطار صوابه وقرّر أن يتوجّه إلى هناك بنفسه لمعالجة الأمر بطريقة مضمونة.

وكان أن خاب القيصر، في الإسكندريّة، أشدّ الخيبة إثر وقوف ميناس وهرموجانيس لديه. دفاعهما أفحمه وزاده غيظًا فعذّبهما إلى أن قطع هامتيهما.

أمّا أفغرافوس الّذي قيل إنّه كان كاتبًا لقيصر، أو ربّما للقدّيس ميناس نفسه، فاجترأ، بعد كلّ ما عاين وسمع، أن يقف أمام الإمبراطور الهائج ويرسم على نفسه إشارة الصّليب ويجاهر بإيمانه بالمسيح. فما كان من قيصر سوى أن استلّ سيف أحد حرّاسه وضربه به فقتله.

هكذا أكمل الثّلاثة شهادتهم للمسيح فأحصتهم الكنيسة المقدّسة معًا في هذا اليوم المبارك، ولكن بقي في الذّاكرة أنّ ميناس كان أبرزهم.

هذا وقد جرى نقل رفات الثّلاثة إلى مدينة القسطنطينيّة، في القرن الخامس للميلاد. ولكن يبدو، على الأقل، أنّ رُفات القدّيس ميناس فقدت ردحًا من الزّمان إلى أن تمّ الكشف عنها من جديد في أيّام الإمبراطور البيزنطيّ باسيليوس الأوّل (867 – 886م). مذ ذاك صار يُقام عيد لاكتشاف رفات القدّيس ميناس في الأوّل من آذار.

ملاحظة

القدّيس ميناس الّذي نحتفل به اليوم هو غير القدّيس ميناس المُعيَّد له في 24 تشرين الثّاني. من يطالع سيرة الإثنين يلاحظ عدّة نقاط تلاق بينها أنّ الإثنين قضيا في الإسكندريّة. بعض الخلط بين الإثنين يبدو أنّه حدث. فقدّيسنا اليوم نعرفه في تراثنا باسم ميناس كلّيكيلادوس، أي الرّخيم الصّوت، فيما نعرف ميناس الآخر باسم ميناس الّذي من كوتيوس في فيرجيا. هذا الأخير هو المعروف في الكنيسة القبطيّة ب “مار مينا العجائبيّ” ولم نجد للقدّيس ميناس الرّخيم الصّوت ذكر في السّنكسار القبطيّ.

أمّا لدينا فالإثنان مذكوران، الأوّل نعيّد له في هذا اليوم والثّاني في 24 تشرين الثّاني. ويذكر أنّ الأوّل استشهد في ليبيا، أمّا الثّاني المصرىّ المولد فقد استشهد في مصر.

أنّى يكن الأمر فإنّ القدّيس ميناس “الرّخيم الصّوت” قد ارتبط اسمه عبر العصور بالقسطنطينيّة فيما ارتبط اسم الثّاني بالبلاد المصريّة، وعلى وجه الدّقة، بمريوط حيث اهتمّ البابا القبطيّ الأنبا كيرلّلس السّادس بإقامة دير كبير وكنيستين.

هذا ويذكر أنّ رفات القدّيس ميناس المصريّ (كوتيوس) موّزعة على عدد كبير من الأديرة والكنائس بينها بالإضافة إلى دير مار مينا في مريوط، كنيسة السّيّدة في حارة الرّوم في القاهرة، ودير القدّيس جاورجيوس في ليماسول (قبرص) حيث توجد قطعة من يده، وديرا ديونيسيو وكسانوفونتوس في جبل آثوس، وهناك قسم من جمجمته في دير ستاغيادون في تريكالا اليونانيّة.

أمّا القدّيس ميناس “الرّخيم الصّوت” فأكثر رفاته موجود في كنيسة القدّيس ميناس في هيراكليون (كريت). وهناك بقايا موزّعة على أنحاء في اليونان وقبرص وجبل آثوس (اللّافرا الكبيرة ودخياريو).

مواضيع ذات صلة