في هذا اليوم تُقيم الكنيسة المُقدَّسَة تَذكار:
*القدّيسان قوزما وداميانوس الرّومانيّان، الصّانعا العجائب والعادِما الفِضَّة *القدّيس البارّ بطرس إيفندروس *الشّهداء الألفان *شهداء نيقوميذيا الخمسة والعشرون *القدّيس البارّ لاون النّاسك *الشّهداء قسطنطين أَلَمان ورفاقه *القدّيس البارّ لاونديوس رادوتوس الرّومانيّ*الشّهيدان يوليوس وهارون الإنكليزيّان *الشّهيد بوتيتوس *القدّيس البارّ رومولد *أبونا الجليل في القدّيسين غال أسقف كليرمون *القدّيسون الأبرار كالي وليونوروس وتياري وسيبار الفرنسيّون.
* * *
✤القدّيسان قوزما وداميانوس الرّومانيّان✤
عاش هذان القدّيسان في رومية وقضيا في المسيح حوالي العام 284 م.، زمن الإمبراطور كارينوس الّذي اعتلى العرش بين العامَين 283 و284 م. الدّارسون يميِّزونهما عن القدّيسَين قوزما وداميانوس السّوريّين القورشيَّين المعيَّد لهما في 1 تشرين الثّاني و17 تشرين الأوّل.
كان قوزما وداميانوس الرّومانيّان أخوَين في الجسد وكذلك في الإيمان بيسوع وتصميمهما المُشتَرَك على أن يَشهدا لمراحم الله ويكرزا بالإنجيل. لمعا في الفضيلة وعمل الرَّحمة. وزّعا كلّ ما لديهما بدءًا وتَعَلَّما الطّبَّ على وثنيّ بارز. قصدهما كان الاقتداء بالمُخلِّص المحبّ البشر خدمة للمتألّمين.
اعتادا أن يستعملا الأدوية والعناية الطّبّيّة بمثابة واجهة لمداواة أسقام النّاس والبهائم بذكر اسم الرَّبّ يسوع، طبيب النّفوس والأجساد، الّذي أخذ أوهاننا وحمل أمراضنا. وإذ كانا يمتنعان عن تقاضي أيّ أجر على أتعابهما، كانا يقدّمان ثمنًا لشفاء الأجساد: الإيمان بالرَّبّ يسوع، مخلّص العالَمين.
ذاعت شهرتهما في كلّ مكان فقصدهما النّاس المُتعَبون من أقصى الأرض. كانا يُقيمان في قرية قريبة من رومية. كلّ الّذين نالوا البرء بصلاتهما وعنايتهما كانوا يعودون إلى ديارهم مُستنيرين بالإيمان بيسوع ويذيعون بمراحم الله. أثار صيتهما الطَّيِّب حسد الوَثنيّين وحقدهم، في تلك النَّواحي. هؤلاء اشتكوا لدى الإمبراطور أنّ نجاح القدّيسَين يعرّض للخطر عبادة الآلهة، حماة السّلطة الإمبراطوريّة. كذلك اتّهموهما باللّجوء إلى السّحر لخداع النّاس ونشر الدّيانة المسيحيّة.
اضطرب الملك لأخبار القدّيسَين ومزاعم المُشتَكين عليهما فأرسل جنوده للقبض عليهما في المَوضع الّذي شاع أنّهما يشفيان فيه. غير أنّ سكّان ذلك الموضع دروا بالأمر فأخذوا القدّيسَين وخبّأوهما في مغارة مخفيّة في الجبل حيث أقاما أيّامًا في الصّلاة والتّسبيح. خلال ذلك خاب أمل العسكر لأنّهم لم يتمكّنوا منهما. ولئلّا يعودوا إلى القصر خائبين فيثيروا غضب الملك، ألقوا أيديهم على رجال ونساء من المحلّة ثمّ أوثقوهم واقتادوهم إلى رومية. فلمّا علم القدّيسان العادما الفضّة بما جرى ساءهما أن يعاني آخرون القيود عوضهما وأن يُحرَما هما من فرصة الشّهادة الّتي طالما اشتهياها، فخرجا من مخبأهما وأسرعا الخطى ليلحقا بالقافلة. فبعدما سارا النّهار واللّيل بلغا العسكر فقدّما نفسيهما: “نحن قوزما وداميانوس اللّذان تبحثون عنهما! فدعوا هؤلاء يذهبون وخذونا حيثما شئتم!”
في اليوم التّالي بلغ الجند القصر فسلّموا ما لديهم وأخبروا بما حدث لهم. جلس الملك على عرشه بحضور جمع واستدعى القدّيسَين وقال لهما: “أأنتما مَن ينبذ الآلهة وعبادتها ونسبتما أشفية أحدثتماها بالسّحر إلى ميت فاعل سوء قضى في ميتة عنيفة اسمه يسوع؟” فأجاب القدّيسان بهدوء وثقة: “لسنا مخادعَين ولا ساحرَين، يا أيّها الإمبراطور… ولكن إذ عرفنا أنّ مَن تسمّيه يسوع الميت هو الإله الحقّ الأوحد الآتي طوعاً ليبثّنا الحياة الأبديّة بقيامته في اليوم الثّالث، نبذنا العبادة الباطلة للأصنام وما لا حياة فيه لنكرّس نفسينا للإله الحيّ. هذا باسمه كلّ علّة تُبرأ والأبالسة العاجزة تفرّ. مجّانًا نتعاطى الأشفية انسجامًا مع أقوال معلّمنا الإلهيّ أنّ ما حصّلناه مجّانًا نعطيه مجّانًا. هذا هو علمنا وهذا هو ترياق المسيحيّين الّذي يشفي ويخلّص”.
غضب الملك وأمرهما، تحت طائلة العقاب الشّديد، بأن يخضعا لدين الأجداد الّذي يعلِّم الآلهة، بموجبه، العلوم والفنون للنّاس، لا سيّما أسكلّابيوس المتقدِّم في كلّ شفاء. فردّ القدّيسان: “نحن مستعدّان لأن نتألّم من أجل المسيح، الإله الحقيقيّ، لأنّنا في مقابل العنف الّذي تبتدعونه نحظى، نحن، من الله بأطايب لا حدّ لها”. وقد اجترأا على الإمبراطور فأبديا أنّه إذا لم يشأ أن يتفقّه بالعقل فلسوف يتفقّه بالقوّة. للحال أصابته رعدة شديدة سرت في كلّ بدنه وشعر بأضلاعه تتكسّر وانفتل رأسه حتّى تسمّر وجهه إلى الخلف ولم تعد رقبته تقوى على الحراك لا يمينًا ولا يسارًا. الحاضرون اعتراهم الدّهش فهتفوا بعفويّة: “عظيم هو الله، المسيح!” وقد ورد أنّ الإمبراطور اتّضع وألقى بردائه القرمزيّ إلى القدّيسَين سائلًا إيّاهما، بتوسّل، أن يتوسّطا لدى الله من أجله. ولمّا أجاباه أنّه بالإيمان والاعتراف يستردّ عافيته هتف صارخًا: “أؤمن بكَ، أيّها المسيح، وأعترف بأنّكَ أنتَ هو الإله الحقيقيّ!” وما إن وضع القدّيسان الأيدي عليه مصلِّيَين حتّى استقام عنقه وثبّت البرءُ في الإيمان بالمسيح كلّ الحاضرين. كذلك ورد أنّ الإمبراطور اعتمد ودعا إلى الإيمان بالمسيح. أمّا القدّيسان فأُطلقا وعادا مكرّمَين إلى بيتهما.
استشهاد القدّيسَين كان بيد أحد الوثنيّين، وهو الطبيب الّذي علّمهما المهنة. هذا أضمر لهما الشَّرّ لكنّه تودّد لهما. فلمّا كان موسم جمع النّباتات الطبّيّة في الجبل خرج وإيّاهما منفردين ثمّ عمد إلى قتلهما وإخفاء جسدَيهما في التّراب. بحث السُّكّان عنهما في كلّ مكان إلى أن اهتدوا إليهما بوساطة شخصَين كان فيهما روح خبيث فخرج وهما بقرب موضع جسدَيهما. جُعلا في مدفن واحد. لم يكفّا، مذ ذاك، عن اجتراح العجائب سواء بفعل عظامهما أو في رؤى أو لمجرد ذكر اسمَيهما وطلب شفاعتهما لدى الله.