في هذا اليوم تُقيم الكنيسة المُقدَّسَة تَذكار:
الشّهيد باتريكيوس البثينيّ *الشّهيد أكولوثوس المصريّ *الشّهيدة كيرياكي ومَن معها *الشّهيدة ثيوتيمي *الشّهداء الأبرار الثّلاثة عشر القبارصة *القدّيس البارّ كورنيليوس كوميل الرّوسيّ *القدّيس ديمتري دونسكول الرّوسيّ *القدّيس البارّ أغناطيوس فولودغا العجائبيّ *القدّيس البارّ سرجيوس شوختوف *القدّيسان البارّان كورنيليوس وإبراهيم بالي *القدّيسان البارّان بلاّتانوس وسافينوس الإيطاليّان *الشّهيدان كالوكيروس وبرثانيوس الرّوميّان *الشّهيدان كالوكيروس وبرثانيوس الرّوميّان *الشّهداء الأساقفة *الكهنة المستشهدون في زمن الحكم الشّيوعيّ.
* * *
✤ القدّيس البار كورنيليوس كوميل الروسي (+1537م)✤
وُلد كورنيليوس في كنف عائلة من العائلات الثريّة المعروفة في روستوف. كان يرتبط بالأمير الأكبر الموسكوفي بصلة القربى. انضمّ إلى القصر في سن الثالثة عشرة. التصق بعم له. فلما قرّر هذا الأخير أن يهجر العالم ويعتزل في دير القدّيس كيرللس عند البحيرة البيضاء، خرج هو معه. بقي كورنيليوس مبتدئاً ست سنوات يعمل بغيرة في المخبز ويأخذ على عاتقه، طوعاً، عمل إخوة آخرين أقلّ غيرة منه. كذلك كان يحمل على جسده سلاسل ثقيلة ويشغل أوقات فراغه بنسخ المخطوطات.
فلما صُيِّر راهباً باشر رحلة إلى الأديرة الأكثر شهرة في الروسيا. قصده كان أن يعمِّق معرفته بالحياة النسكية وأن يلتقي رجالات الله. بقي، لبعض الوقت، في منسك بقرب نوفغورود، لكنه ما لبث أن ولّى الأدبار بعدما اقترح عليه القدّيس جنّاديوس، رئيس الأساقفة، أن يسيمه كاهناً. هام على وجهه إلى أن أتى إلى غابة كانت لا تزال شبه عذراء، في كوميل، ناحية تفير. هناك استقرّ في كوخ مهجور خلّفه لصوص ودخل في حرب لا هوادة فيها مع استبداد البدن والطبيعة. بالإضافة إلى العقبات المعيشية التي واجهها، لأن المكان كان برّياً قاحلاً، فإنه كان عليه أن يتصدّى للتجارب العنيفة الملحاحة للأبالسة وكذا لهجمات اللصوص. ذات يوم بعدما سرقوا كتبه، وهي جلّ ما كان عنده، ضلّوا الطريق وتاهوا الليل بطوله في الغابة. فإذا بهم، في صبيحة اليوم التالي، أمام قلاّية القدّيس. فأعادوا إليه المسروق وطلبوا السماح. هذا وقد اقتبل كورنيليوس، أخيراً، نعمة الكهنوت، عنوة، فسامه سمعان، متروبوليت موسكو. بعد ذلك أقام في حضرة الله وحيداً معتزلاً عشرين سنة.
فلما بلغ الستّين من العمر بدأ بقبول التلاميذ. الكنيسة والقلالي المتواضعة التي بناها، أول أمره، للقادمين الجدد، ما لبثت أن استبانت غير كافية. نمت الشركة بسرعة وشرع الرهبان في بناء دير واسع ضمّ كنيسة ثانية باسم القدّيس أنطونيوس الكبير وسائر الأبنية اللازمة لسير حياة الشركة التي أراد كورنيليوس أن ينظّمها، بأمانة كاملة، وفق روح الآباء القدّيسين. لهذه الغاية وضع، كتابة، تيبيكوناً كاملاً ما لبث أن صار نموذجاً للمؤسّسات العديدة التي أنشأها تلاميذه. في هذا التيبيكون زاوج القدّيس كورنيليوس قواعد القدّيس نيلوس سورسكي بقواعد القدّيس يوسف فولوكولافسك بشكل جيّد التوقيع. أكّد، بصورة خاصة، الفقر الإنجيلي على نحو صارم، فكان محظّراً، بشكل قاطع، أن يقول أحد عن شيء ما إنه له. وعندما رغب الأمير باسيليوس الثاني في تقديم غابات وأراض للدير، لم يقبل القدّيس منها سوى ما كان في طاقة الشركة أن تعمله لحاجاتها ليكون للإخوة أن يأكلوا خبزهم بعرق جبينهم. كذلك كان على الجميع أن يحفظوا الطاعة ، التي هي مبدأ النظام والسلام، في كل تفاصيل الحياة اليومية. وذات يوم أعدّ الخبّاز الخبز دون أن يسأل الرئيس البركة، كما هو محدّد في التيبيكون، فما كان من كورنيليوس سوى أن أمر بإلقاء الخبز على الطريق. كان الدير، على مثال ملكوت الله، ملاذاً لكل الممتحَنين. فكان فيه ملجأ يستضيف الحجّاج والمتسوّلين. وعندما ضربت المجاعة فولودغا تهافت الجيّاع إلى المكان. استقبلهم كورنيليوس بمحبّة ووزّع عليهم المؤن بنفسه. حتى الذين أخذوا أكثر من مرّة لم يردّهم. كذلك احتضن قدّيس الله كأب الأولاد الذين تركهم أهلهم عند بابه بعدما استبدّ بهم اليأس لحالهم.
ذات يوم تململ بعض الرهبان واتّهموا الشيخ بالإسراف، فظهر له القدّيس أنطونيوس في رؤيا وملأ معطفه خبزاً وقرابين لكي يشجِّعه على الثبات في هذه الفضيلة. إذ ذاك أخذه الفرح فأمر تلاميذه، والدموع في عينيه، أن يداوموا على صنع الإحسان بعد موته. وإذ كان كورنيليوس مدركاً أنه ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان بل بكل كلمة تخرج من فم الله، فإنه كان ضنيناً أيضاً بالإحسان الروحي: يعطي هذا كلمة عزاء وذاك بركة. كان، بكل بشاشة وصبر، يبارك ويعزّي ويحسن ويتحدُث إلى كل الذين يلتجئون إليه.
ورغم صبر القدّيس ووداعته حيال المعاندين، فإن الصرامة التي التزمها في شأن تطبيق مبادئ الرهبانية أثارت حقد بعض الرهبان الذين حكموا عليه بأنه قاس فوق الطاقة. وفي يوم من الأيام، عزم اثنان منهم على التخلّص منه فاختبأا تحت الجسر الذي كان على كورنيليوس أن يعبره. لكنهم، على ثلاث دفعات، رأوه وجمع عديد يواكبه. والأمر المحيِّر كان أن الجمع كان يتوارى حالما يعبر القدّيس عن مرماهم. انتاب الراهبَين الهلع بإزاء هذه الآية فذهبوا إلى القدّيس وارتموا عند قدميه فسامحهم وأطلقهم بمحبّة. من جهة أخرى استهدفت كورنيليوس إشاعات مغرضة بثّها قوم حاسدون. عليهم الحسد حتى شكوا رجل الله لدى الحاكم. أما هو فبقي ثابتاً كالماس في الضرّاء يشكر الله على هذه المحن التي أهّله لها. وإذ تعب من هذه المناهضات، جمع رهبانه، يوماً، وأناب عنه مَن عرفه أهلاً لحمل المسؤولية. أما هو فذهب إلى غابة كوستروما، على بعد سبعين كيلومتراً من كومل سعياً وراء الهيزيخيا (الهدوء) والصلاة النقيّة. ولكن ما لبث رهبانه أن طلبوا منه العودة وألاّ يتركهم يتامى. لكنه أصمّ أذنيه عنهم سنين قبل أن يرضخ بعدما تدخّل الأمير باسيليوس الثالث.
هكذا عاد رجل الله إلى الشركة راعياً. وقد أعطى بتصرّفه مثالاً طيِّباً، فكان، رغم تقدّمه في السن، مثال العمل في أشغال الحقل واستصلاح الغابات التي أوقفها الأمير للدير. ولكن، من جديد، عاد الرهبان إلى التذمّر. جاء واحد مرّة يشكو فقر ثيابه، فلم يتفوّه رجل الله بكلمة فقام وأعطاه ثوبه ولبس ثوب الشاكي. مقاومات كهذه لروح الحياة الرسولية من قِبَل بعض الرهبان حملت رجل الله على مغادرة كومل من جديد عائداً إلى دير القدّيس كيرللس حيث باشر رهبانيته أولاً. ولكن بفضل، الدير هناك، نجح رهبان القدّيس كورنيليوس في إقناعه بالعودة إلى ديره مرّة أخرى. شرطه الأوحد كان أن يُسمّى رئيس آخر يأخذ مكانه، القدّيس لافرانديوس المعيَّد له في 16 أيار. في عودة رجل الله إلى كومل أقام في قلاّية انصرف فيها إلى الصلاة والصمت، لكنه عاد إلى قلاّيته الأولى بعد غزوة التتار (1536) التي أجبرت الرهبان على الفرار. وإذ لم يشأ الربّ الإله أن يُصيب الدير سوء عاد الرهبان، بعد حين، وعاد كورنيليوس إلى قلاّيته. أخيراً، في العام 1537، في الأحد الرابع بعد الفصح، دعا القدّيس رئيس الدير والشركة وحثّهم على سيرة متّفِقة وأن يحفظوا قانون الحياة في الدير بأمانة وأن يواظبوا على الصلوات الكنسيّة ولا يتوانوا عن العناية بالفقراء. ثم طلب أن يُقرأ قانون المديح لوالدة الإله. وبعد أن قام، بنفسه، بتبخير الإيقونات والحاضرين تمدّد وأسلم الروح بسلام عميق حتى لم يلاحظ أحد من الحاضرين أنه فارقهم إلاّ بعد حين.