في هذا اليوم تُقيم الكنيسة المُقدَّسَة تَذكار:
* شهداء عمّوريّة الاثنان والأربعون * القدّيس البارّ هزيخيوس العجائبيّ* القدّيس البارّ مكسيموس الشّهيد * الشّهيد أفروسينوس * القدّيس البارّ أركاديوس * تذكار نقل الصّليب المحيي ومسامير الآلام * الشّهيدان يوليانوس وأفبولوس* القدّيس البارّ أيّوب الموسكوفيّ.
* * *
✤القدّيسون شهداء عموريّةالإثنان والأربعون (+845 م)✤
استُشهد هؤلاء القدّيسون زمن الأمبراطور البيزنطيّ ميخائيل الثّالث (842 – 867) والخليفة العباسيّ الواثق بالله (842 – 847). كانوا قد وقعوا في أسر العرب المسلمين سنة 837 م حين كان الأمبراطور البيزنطيّ ثيوفيلوس، المُحارب للأيقونات، بعدُ في الحكم. جلّهم من القادة العسكريّين البيزنطيّين والأعيان الكبار. وقد جرى القبض عليهم إثر سقوط مدينة عمّوريّة في فيرجيّة العليا نتيجة خيانة أحد المقدّمين واقتباله الإسلام. أُعمل السّيف في رقاب النّاس وأُخذ هؤلاء الإثنان والأربعون أسرى إلى سورية مصفّدين بالحديد حيث أودعوا، في مكان ما، سجنًا مظلمًا. أقاموا في الأسر سبع سنين. قصْدُ الخليفة كان أن يحوِّلهم عن إيمانهم بالمسيح إلى الدّيانة المحمّديّة. لهذا السّبب مارس عليهم ضغوطًا شديدة. حاول إضعاف معنويّاتهم بشتى الطّرق. عرّضهم للجوع والعطش وتركهم طعمًا للحشرات، كما لم تتح الظّلمة لأحد منهم أن يرى رفيقه. رغم كلّ شيء، رغم الوهن الشّديد الّذي أصاب أبدانهم، كانوا بسلاء، أقوياء في النّفس حتّى لم تنجح محاولات مرسلي الخليفة في حملهم على الكفر بإيمانهم واقتبال الإسلام والظّهور علنًا بمعيّة الخليفة لأداء الصّلاة. أجاب الشّهداء المرسلين:” أكنتم تصنعون ما تطلبونه منّا لو كنتم في مكاننا؟”. “طبعًا أجاب المرسلون” لأنّه ليس شيء أغلى من الحرّيّة”. فأردف الشّهداء:”أمّا نحن، المسيحيّين، فلا نأخذ، في مسائل إيماننا، بمشورة المستعدّين أن يتخلّوا عن دينهم بالسّهولة الّتي تقولون!”.
انصرف المرسلون وجاء غيرهم، بعد حين. أبدوا أسفهم للحال الّتي صار إليها الشّهداء وأظهروا رغبتهم في مدّ يد العون لهم. قالوا: كان محمّد نبيًا حقيقيًا ولم يكن المسيح كذلك. فسأل الشّهداء: لو أنّ رجلين اختلفا بشأن حقل وكان كلّ واحد منهما يقول عن الحقل إنّه له، ثم أتى الواحد بشهود عديدين ولم يأتِ الآخر بشاهد واحد يدعم قوله، فماذا تقولون؟ لمن يكون الحقل؟ فأجابوا: للّذي شهد له الشّهود طبعًا. فلاحظ القدّيسون: بالصّواب حكمتم! هذا هو حال المسيح ومحمّد. للمسيح شهود عديدون كالأنبياء القدامى الّذين أنتم أنفسكم تكرمون، من موسى إلى يوحنا المعمدان. أمّا محمّد فليس له شاهد واحد، ولكن يشهد لنفسه. فتحيّر المرسلون ولم يدروا جوابًا، لكنّهم قالوا: إيماننا خير من إيمانكم. هذا بيّن في ان الله أعطانا النّصرة عليكم وهو يعطينا أفضل الأراضي وكذلك أمبراطوريّة أعظم من أمبراطوريّة المسيحيّين. فأجاب القدّيسون: لو كان الأمر كذلك لكانت عبادة أصنام مصر وبابل واليونان ورومية وعبادة النّار في فارس ديانات حقّانيّة لأن شعوب تلك البلدان تمكّنت في وقت من الأوقات من أن تقهر سواها وتبسط سيادتها عليها. واضح إذًا أن انتصاركم وقوّتكم وغناكم لا يثبت صحّة إيمانكم. نحن نعلم أنّ الله يعطي النّصرة للمسيحيّين أحيانًا وأحيانًا يسلمهم للتّعذيب والألم ليصلحهم ويأتي بهم إلى التّوبة وينقّيهم من خطاياهم.
بقي هؤلاء الشّهداء القدّيسون ثابتين على الإيمان بالمسيح إلى النّهاية وكانوا، على ما قيل، يؤدّون الصّلوات في حينها ويردّدون مزامير داود النّبي شاكرين الله لأنّه أهّلهم لأن يتألّموا من أجله. وفي الخامس من آذار سنة 845 م صدر بحقّهم حكم الموت. فجاء المدعو باديتزاس، وهو الخائن الّذي أسلم عمّوريّة، ناقلًا لهم الخبر وحاثًا إيّاهم على نكران المسيح والانضمام إلى الخليفة في صلاته فلم يلق لديهم أذنًا صاغية.
في صباح اليوم التّالي حضر ضابط ومعه جنود كثيرون، وبعدما قيّدوا الأسرى وراء ظهورهم أخذوهم إلى ضفاف الفرات. هناك خاطب الضّابط أحدهم وهو المدعو ثيودوروس كراتيريوس مذكّرًا إيّاه بأنه سبق له ان تخلى عن كهنوته للمسيح وانضمّ إلى العسكر. قال: أنت يا من حملت السّلاح وقتلت، لماذا تريد الآن ان تظهر بمظهر المسيحي؟ أليس خيرًا لك ان تستعين بمحمّد طالما انه لا رجاء لك بالمسيح الّذي كفرت به؟ فأجاب ثيودوروس: لأجل هذا السّبب بالذّات عليّ ان أبذل دمي حتّى يسامحني ربّي عما اقترفته من خطايا!
وبعدما استنفد الجلاّدون كلّ حيلة قطعوا رؤوس القدّيسين الواحد تلو الآخر. وكان هؤلاء يتقدّمون بهدوء وثقة بالله وكانت عليهم نعمة.
إثر استكمال إعدام الشّهداء، استدعى الخليفة المدعو باديتزاس، ذاك الخائن الكافر، وقال له: لو كنت مستقيمًا لما أسلمت مدينتك ولو كنت صالحًا لما كفرت بدينك. ولما قال له هذا أمر به فقُطع رأسه.
دوّن حادث استشهاد هؤلاء القدّيسين أحد معاصريهم المدعو أفوذيوس.