في هذا اليوم تُقيم الكنيسة المُقدَّسَة تَذكار:
القدّيس البارّ يوحنّا الإيصافري *الشّهيد المجيد سابا الغوطيّ *القدّيسان البارّان قوزما الـمُعترف ورفيقه أوكسنديوس *القدّيس البارّ أفثيميوس العجائبيّ *القدّيس البارّ نوقراطوس السّتوديتي *القدّيسة البارّة أثناسيّا العجائبيّة *القدّيس البارّ لازريان الإيرلنديّ *الشّهيد برفكتوس قرطبة الأسبانيّ *الجديد في الشّهداء يوحنّا يوانينا *الجديد في الشّهداء يوحنّا كوليكاس *القدّيسون الأبرار أفثيميوس وأنطونيوس وفيليكس الرّوس.
* * *
✤ القدّيسة البارة أثناسيا العجائبية (القرن 9م)✤
وُلدت في جزيرة أجينا من أبوين تقيّين بارزين في قومهما. نشأت على أحكام الله. ولما كانت تعرف كتاب المزامير جيّداً وكذا كل الخدم الكنسيّة فإنها سعت حثيثاً إلى تكريس نفسها لله. غير أن أمانيها ذهبت أدراج الرياح لأن والديها زوّجاها، رغماً عنها. وإذ كانت هي مائلة إلى طاعة والديها فقد رضخت للأمر الواقع وسلّمت أمرها لله. ولكن حدث ما لم يكن في الحسبان، فبعد ستة عشر يوماً من الزفاف أغار قراصنة على جزيرة أجينا الخصبة. ولما تتالت الهجمات اضطر السكان إلى التراجع إلى المناطق الداخلية. غير أن القراصنة توغّلوا في الجزيرة بحثاً عن المزيد من الغنائم. وإذ حدث، بسماح من الله، أنهم التقوا زوج أثناسيا، وهو يعمل في الحقل، قتلوه.
لم يكن هذا الامتحان الوحيد الذي عبرت به أثناسيا بالصبر والاتكال على الله. فإنها ما إن أخذت تستعد لتحقيق رغبة قلبها الأولى بعد وفاة زوجها حتى حلّت بها تجربة أخرى. فقد صدر، في ذلك الحين، أمر من قيصر بتزويج العذارى والأرامل في أجينا من الأجانب. هؤلاء ليس واضحاً مَن كانوا. لكن يُظنّ أنهم لم يكونوا أرثوذكسيّين. لهذا اضطرّت أثناسيا إلى الزواج مرّة أخرى. غير أن أفكارها كانت، في كل حين، عند الله. وقد كانت تشغل نفسها بالصلاة والابتهال إلى الله وتوزّع ما أمكنها على الفقراء والمحتاجين. فلم يمضِ وقت قصير عليها حتى تمكّنت، بنعمة الله، من إقناع زوجها باقتبال الرهبانية، رغم كونه بربرياً، وقد تقدّم في معارج الفضيلة. لكن لم يطل به الوقت حتى رقد بالرب.
بوفاة زوج أثناسيا الثاني تحرّرت قدّيسة الله من كل همّ دنيوي، فوزّعت ما لديها على الفقراء وخرجت. أخريات من أهل الجزيرة أُخذن بسيرة أثناسيا فتبعنها وأسّسن وإيّاها منسكاً وديراً للعذارى.
كان نسك أثناسيا، كراهبة، صارماً حتى انها امتنعت عن أكل السمك والجبنة إلاّ في الفصح المجيد وخلال فترة الاثني عشر يوماً التي تلي عيد ميلاد الربّ يسوع بالجسد. في كل حال لم تكن تأكل حتى الشبع البتّة. في معظم أيام السنة كانت تكتفي بالخبز والماء وفقط بعد الساعة الثالثة من بعد الظهر. خلال الصوم الكبير كانت تصوم عن الخبز والماء، ولا تذوق إلاّ القليل من بقول الحقل مرّة كل يومين. هذا جعلها، بنعمة الله، تضبط حركات جسدها إلى حدّ بعيد. وكانت تنتبه لأفكارها وحركات قلبها لتصون نفسها من احتيالات العدو.
بعد أربع سنوات اختيرت أثناسيا رئيسة لشركة العذارى. سلكت في تواضع كبير ووداعة قلب مستعبدة نفسها للجميع. في نومها لم تكن تلقي رأسها على وسادة بل على حجر. كل هذا أتى بها إلى الرغبة في الهدوئية وكذا بالأخوات اللواتي تبعنها. أحد الرهبان المدعو متّى سهّل لهن الأمر في ذلك الحين وصار يؤمّن لهن احتياجاتهن. وقد لمع هو أيضاً كصانع عجائب في تلك البريّة القاحلة.
بعد حين توفي رجل الله متّى وصارت أثناسيا وأخواتها في ضيق. لكنهن لم يتذمّرن بل جعلن ثقتهن في الله. وقد توجّهت أثناسيا إلى القسطنطينية بمعية كاهن خصي مزيّن بالفضائل اسمه أغناطيوس. قصدها كان أن تجمع ما أمكنها من الحسنات لأخويّتها.
بقيت أثناسيا في القسطنطينية سبع سنوات تسعى لتأمين حاجات أخواتها، ثم عادت. وقد أفاض الرب الإله على لسانها مقالات وتعاليم سماوية.
استمرّت قدّيسة الله في جهادها المبرور إلى وفاتها. وإذ كانت تملك بصيرة حسنة عرفت يوم رقادها سلفاً وأعلمت أخواتها به. وقبل أن تسلم نفسها لله وتنطلق رتّبت أمر أخويتها ورقدت بسلام في الرب.
لما شاءت الأخوات مواراتها الثرى فاضت نعمة الله بها على الحاضرين فشُفي العديد من المرضى وعدد من الذين كانت فيهم أرواح خبيثة وعميان.
وتحقيقاً لنبوّة سبق لأثناسيا أن أعلنتها لراهباتها أن ما ستحظى به من عند الله سوف يأتيها في اليوم الأربعين من وفاتها، رأت أختان الأم أثناسيا تتكلّل بالمجد السماوي في ذلك اليوم بالذات.