في هذا اليوم تُقيم الكنيسة المُقدَّسَة تَذكار:
* القدّيس البارّ أفثيميوس الكبير * الشّهيد في الكهنة فابيانوس، أسقف رومية * الشّهداء باسوس وأفسافيوس وأوتيخوس وباسيليدس * الشّهداء إيناس وريماس وبيناس * القدّيس بطرس الرّحيم * الشّهيدة حنّة الرّومية * الشّهيدان تيرسس وأغنيس* الشّهيد الجديد زكريّا البترائي * القدّيس البار لافرنديوس الكهفيّ الكييفيّ* القدّيس البار أفثيميوس الكهفيّ الكييفيّ.
* * *
✤القدّيس البارّ أفثيميوس الكبير✤
الكاتب
كتب سيرة القديس البار أفثيميوس الكبير أحد تلامذة القديس سابا، الراهب كيرللس البيساني (سكيثوبوليس)، بناء لطلب القديس يوحنا الهدوئي (8كانون الثاني) وإثر معاينته القدّيسين أفثيميوس وسابا في رؤيا وتلقّيه العون والبركة من القديس أفثيميوس، على ما روى. أخذ الورق وجلس فلم يُؤْتَ الكتابة. كانت الساعة الثانية، أو الثامنة صباحاً حسب ترتيبنا اليوم. فجأة أتاه القدّيسان في رؤيا متجلببين بالجلباب عينه فقال سابا لأفثيميوس: “هوذا كيرللس يمسك بالدّرج ولمّا يباشر الكتابة بعد!”، فأجابه أفثيميوس: “أنّى له أن يُتمّ واجباً كهذا ولم تنزل عليه بعد نعمة إلهية ترشد خطاه؟” فأردف سابا: “هبه أنت نعمة، كهذه، أيها الأب القدّيس!” فجعل أفثيميوس يده في حضنه وأخرج إناء مرمرياً فضياً ناعماً وغمس فيه أداة في طرفها ريشة ثلاث مرّات ومدّها إلى كيرللس. فبدت في فمه سائلاً كزيت الزيتون، مذاقه من الحلاوة بحيث لو شُبِّه بالعسل لبخسه العسل حقّه. ثم صحا وكانت نكهة السائل بعد في فمه. وإذ امتلأ من مسرّة الله باشر بكتابة السيرة.
مولود العقر
ولد أفثيميوس قرابة العام 377م في ملاطية الأرمنية، قريباً من نهر الفرات، زمن الإمبراطور غراتيانوس. اسم أبيه بولس واسم أمّه ديونيسيا. كلاهما كان بارزاً وفاضلاً. لكنهما أقاما مكتئبين سنوات لأنهما كانا من دون ذرّية. وإذ اعتادا التردّد على كنيسة القديس بوليفاكتوس الملاطي (9كانون الثاني) دأبا على الابتهال إلى الله أن يمنّ عليهما بثمرة البطن ويسكِّن لوعتهما. فقُبلت طلبتهما وأنعم عليهما الرب الإله بمولود ذكر أسمياه أفثيميوس أي المسرّة. هذا نذراه لله من قبل أن يولد. فلما بلغ الثالثة رقد أبوه وقدّمته أمّه للكنيسة نظير حنّة أم صموئيل واقتبلت هي الشموسية.
راهب ومدبّر
قضى أفثيميوس سنوات الفتوّة في عشرة الكتاب المقدّس وأخبار القدّيسين ملتصقاً بأكاكيوس معلّمه، أسقف ملاطية العتيد، خادماً له، سالكاً في السيرة الملائكية بحرص وانتباه. وقد سامه معلّمه كاهناً وكلّفه العناية بالأديرة التابعة لأبرشيته.
أحبّ أفثيميوس الهدوء والتردّد على كنيسة القديس بوليفاكتوس. فيها اعتاد قضاء سحابة أيامه كلّما وجد إلى ذلك سبيلاً. وكان يترك المدينة مرة في السنة، بعد الظهور الإلهي، ليعتزل في بعض الجبال في البرّية إلى عيد الشعانين.
أضنت القديس مهمّة الإشراف على الأديرة فيما اشتاقت نفسه إلى المزيد من الهدوء والسكينة فخرج سرّاً إلى أورشليم وهو في التاسعة والعشرين. همّه كان أن يحجّ إلى هناك وأن يحادث الآباء القدّيسين ويتعلّم منهم. فبعدما تزوّد بأمثلة العديدين ونصائحهم مال إلى مكان يبعد سبعة أميال عن أورشليم، إلى الجهة الشمالية الشرقية، يدعى فارا فأقام بقرب عين الماء وأشجار النخيل في هدوء. هناك تعرّف إلى ناسك في الجوار هو القديس البار ثيوكتيستوس (3 أيلول) الذي أضحى وإيّاه كنفس واحدة.
من فارا إلى المغارة
بقي أفثيميوس في فارا خمس سنوات انتقل بعدها ورفيقه إلى صحراء كوتيلا، صوب البحر الميت، ناحية قمران. هناك هداهما الرب الإله إلى مغارة فسيحة كانت ملاذاً للوحوش، فأقاما فيها زمناً طويلاً يقتاتان من الأعشاب البرّية ولا يباليان بغير الرجاء بالله إلى أن كشف مكانهما رعيان من بيت عنيا.
وسمع بالمجاهدين رهبان فارا فأخذوا يتردّدون عليهما. فلما ذاع صيتهما وكثر طلاّب الرهبنة عليهما حوّل أفثيميوس الكهف كنيسة وابتنى فوقها لافرا عهد بعنايتها إلى ثيوكتيستوس. اللافرا، في الأساس، مجموعة قلالٍ للمتوحّدين حول مركز يضمّ كنيسة وفرناً. واستعمال اللفظة فلسطيني أولاً. المتوحّدون كانوا يمضون أيامهم في قلاليهم، إلا السبت والأحد ليشتركوا في سر الشكر ومائدة المحبة وتبادل كلام المنفعة. أما أفثيميوس فاختلى في المغارة وكان يرشد المقبلين إليه والمعترفين لديه معلّماً إيّاهم الزهد والطاعة والاتضاع وأن يجعلوا ذكر الموت حيّاً فيهم ويحصّلوا طعامهم بتعبهم ويحفظوا الصمت.
البدو
وحدث، في ذلك الزمان، أنه كان لأحد زعماء البدو ابن يدعى ترافون عانى من ضغطة شيطانية فانشلّ نصفه الأيمن. وأتت الصبي رؤيا قيل له فيها أن يذهب إلى مغارة أفثيميوس الراهب وهو يشفيه. فقام ووالده وصحبه وذهبوا إلى الموضع كما أُشير به إليهم في الرؤيا. فلما وصلوا طالعهم ثيوكتيستوس فأخبروه بما أتوا من أجله وما حدث لهم. وكان أفثيميوس منكفئاً على عادته. فقال ترافون: “لقد التجأت إلى السحرة وأطبّاء العربية وأنفقت مالاً جزيلاً ولمّا أنتفع شيئاً، فأيقنت أن ما نوليه قيمة لا يعدو كونه حكايات وأوهاماً. فصلّيت إلى الإله الحقيقي وأخذت على نفسي أن أصير مسيحياً إن برئت. وفيما كنت أصلّي على هذا النحو عاينت شيخاً راهباً طويل اللحية يسألني عن علّتي فكشفتها له، فقال لي: لو شُفيتَ لكان عليك أن تتمّم ما وعدت به. فقلت: أجل يا سيّد! سوف أفعل ذلك! إذ ذاك كشف لي عن نفسه قائلاً: “أنا أفثيميوس. أقيم في ناحية السيول، على بعد عشرة أميال عن أورشليم. فلو رغبت في أن تُشفى فأتِ إليّ والرب يشفيك”. وتابع ترافرن كلامه قائلاً: لما علمتُ أنا بذلك أخبرت والدي، وأتينا إليك. فأدرك ثيوكتيستوس أن في الأمر تدبيراً إلهياً فنقل الخبر إلى أفثيميوس الذي خرج من المغارة لتوّه وقابل البدو وصلّى على الصبي فأبرأه باسم الرب يسوع.
تعجّب البدو جداً وآمنوا بالمسيح وطلبوا العماد بيد قدّيس الله. للحال جعل أفثيميوس من زاوية الكهف مكاناً للمعمودية. فاعتمد والد الصبي ودعي بطرس وكذلك ماريس، زوج أخته، وكان فهيماً فاضلاً، ثم ترافون والباقون. وقد علّمهم القديس ووعظهم أن يحفظوا التقوى وصاموا أربعين يوماً، ثم قاموا وارتحلوا إلا ماريس الذي ترهّب ودخل في طاعة القدّيس، وهو الذي صار، فيما بعد، رئيساً للافرا. وقد ورد أن العديد من البدو اهتدوا واعتمدوا بفضل بطرس وبركة القديس أفثيميوس وتعليمه وإن بطرس سيم أسقفاً عليهم.
إلى قمة مردان
وتقاطر الناس إلى قديس الله من كل صوب وطلب الكثيرون البر، على يديه. فلما اشتدّت وطأتهم غادر موضعه سرّاً لأنه أحب السكون، ورافقه راهب فاضل يدعى دوميتيانوس. وقد قصدا مكاناً بقرب روبا وصعدا قمّة مردان التي هي مسعدا المعروفة في تاريخ بني إسرائيل. هناك وجدا ماء وبعض الخرائب، فأصلحا لنفسيهما كنيسة وأقاما فيها. هناك أيضاً اهتدى الناس إلى أفثيميوس فأخذوا يتردّدون عليه. وإذ شفى، باسم الله، ولداً عذّبه الشيطان، كثر عليه القادمون وابتنوا لأنفسهم ديراً بعنايته.
إلا أن أفثيميوس عاد بعد حين إلى الكهف وإلى رهبان اللافرا، لكنه أقام على بعد ثلاثة أميال منهم وصار يتردّد عليهم بانتظام.
ضيوف ومائدة
في ذلك الزمان تاه أربعمائة من الأرمن نزلوا من أورشليم إلى الأردن فبلغوا لافرا القديس أفثيميوس. فلما رآهم المغبوط دعا تلميذه دومتيانوس وطلب استضافتهم. فأجابه دومتيانوس: ولكن، لا طعام لنا ولا ليوم واحد! فقال له أفثيميوس: اذهب يا بني وانظر كم تختلف أفكار الناس عن نعمة الله وقدرته!” فخرج دومتيانوس إلى المخزن. ولما رام فتح الباب لم يقدر. فصاح بآخرين فأتوا وساعدوه. فلما فتحوا الباب وجدوا الخير في المخزن فائضاً. كل ما يمكن أن يحتاجوا إليه من الطعام كان موجوداً في الداخل: خبز وخمر وزيت وخلافه! فعاد دومتيانوس إلى معلّمه وسجد عند قدميه فأقامه القديس قائلاً: من يزرع بالبركات، فبالبركات أيضاً يحصد! من يخدم الغرباء ويقبل الفقراء ينفع نفسه بالأكثر. هذا ما يجب أن تفعله إذا ما اشتهيت بركة الله عليك وأن تقوى ما فيه الكفاية في الدهر الحاضر وتنعم بالحياة الأبدية في الدهر الآتي.
عدم الطاعة
وبلغ عدد الرهبان في اللافرا قرابة الخمسين. أحدهم، أوكسنديوس، حافظ البهائم، لم يكن مطيعاً. فنبّهه الإخوة ونبّهه القديس فلم يرعو. فقال له القديس: سوف تلقى ثمرة عصيانك بعد قليل! وإذا بروح الخوف يستبدّ به لدرجة أن قواه خارت وسقط أرضاً. فأقامه قديس الله وشفاه، بنعمة الله، ووعظه فاتعظ واستقامت قناته.
راهبان يطلبان ترك الدير
مرة أخرى، طلب راهبان، مارون وكليماتيوس، ترك الدير. فعرف القديس بروحه أن الشيطان لجم رأسيهما وطلب إسقاطهما، فحذّرهما مبيّناً لهما، بأمثلة عديدة عن الطاعة، أنه إذا أراد أحد ترك مكانه راغباً في الفضيلة يخطأ لأن تغيير طريقة الحياة هي التي تخلّص الإنسان لا تغيير موضعه. وكما أن الشجرة التي تُقلع وتزرع من جديد في موضع آخر لا تزدهر كذلك الراهب لا ينجح في حياة الفضيلة إذا أدام التنقّل من موضع إلى آخر. فلم يشأ الراهبان أن يفهما إلى أن سمح الله بروح رعدة استبدت بهما فتابا.
جهادات القديس
ونقل كيرياكوس الناسك الذي رافق القديس وعرف صرامة عيشه أنه لم يره مرة يأكل أو يتلفّظ بكلمة واحدة، خمسة أيام في الأسبوع، إلاّ عند الضرورة القصوى، ولا اعتاد النوم ممدّداً بل جالساً أو معلّقاً بحبل في زاوية القلاّية. كان لا ينام إلا قليلاً وينادي النوم قائلاً: “هيا، أيها العبد الشرير!”
كذلك سلك أفثيميوس في خطى أرسانيوس (8أيار)، اعتزالاً واتضاعاً وصمتاً وفقراً في الملبس وإمساكاً وأسهاراً ونخس قلب ودموعاً واحتمالاً.
أمليانوس الراهب
أحد إخوة اللافرا واسمه أمليانوس سلك في الفضيلة منذ صباه وكان طاهراً حكيماً، فحسده الشيطان وهاجمه بحرب جسدية رهيبة لم يحتملها. وإذ مال إلى تلك الأفكار قبلها أخيراً. فلما خرج القديس عند الفجر إلى صلاة السحر مرّ بذلك الأخ فاشتم رائحة كريهة تنبعث منه فأدرك أن في الأمر فخاً من الشيطان فانتهره. وإذا بالأخ يسقط على الأرض ويتشنّج ويزبد فطلب القديس ضوءاً لأن المكان كان مظلماً وقال للآباء: “انظروا يا إخوة هذا الذي كان منذ الطفولية حكيماً وفاضلاً كيف هو الآن مغلوب لأفكار النجاسة. إنه لأمر مخيف مبك! لذلك أقول لكم ليحطم كل واحد منكم أفكاره الشرّيرة ويطردها أولاً بأول، حين لا تكون بعد قوية. أما إذا لاطفناها ودخلنا في وصال معها وتمتعنا بها، حتى ولو لم نعرف جسداً فإن النفس تكون قد خطئت. إذ في ذاك، كما علّمنا ربّنا، ندان كزناة يوم تكشف دواخلنا.
وبعدما نبّه الإخوة إلى ضرورة الحذر والتأمل في خروج النفس على الدوام، صلّى على أمليانوس فخرجت منه رائحة نتنة لا تحتمل. وإذا بصوت يقول: “أنا هو روح الزنى!”
بعد ذلك عاد أمليانوس إلى صوابه وتأدّب.
القدّاس الإلهي
لما بلغ القديس السادسة والسبعين نزل من الروبا إلى اللافرا وخدم سرّ الشكر، القدّاس الإلهي، وكان سبتاً. بضعة أشخاص كانوا محتفّين به كتلميذه دومتيانوس وترافون البدوي. فلما بلغت الخدمة حدّ الترنيمة المثلثة التقديس، فجأة نزلت نار من السماء وغلّفت القديس وتلميذه دومتيانوس، من تلك اللحظة وإلى نهاية القدّاس الإلهي.
كذلك أفاد عارفو القديس أن الرب الإله منّ عليه بنعمة خاصة أتاحت له معرفة الجميع، واحداً واحداً، من مجرّد منظرهم، كما في مرآة. كان يعرف حركات قلوبهم وأهواء نفوسهم ويميِّز الهوى الذي سقط فيه الأخ، وكذا الأهواء التي لم ينغلب لها. من هذا المنطلق، كان ينظر بعض المقبلين إلى الكأس المقدّسة حسني المنظر، ذوي بهاء، فيما كان سواهم مسودّاً، كئيباً.
وقد لاحظ بعض الإخوة إن ملائكة مخوفين كانوا يأتون إليه في الخدمة الإلهية ويعاونونه كشمامسة.
عن القديس سابا
لما بلغ القديس أفثيميوس الثانية والثمانين أتى المغبوط سابا المتقدّس راغباً في الانضمام إليه، فعرف القدّيس بروحه على أية قامة سوف يكون سابا في حياته. وإذ لم يقبله لصغر سنّه بعث به إلى ثيوكتيستوس قائلاً: “اقبل هذا الشاب وأرشده وقده باهتمام في دروب النسك والرهبنة بدقّة، لأنه يبدو لي إنه سوف يتقدّم تقدّماً كبيراً في الحياة النسكية وسيشعّ على العديدين بإنجازاته الفائقة العجيبة”.
وداعية القدّيس
إذ كانت للقدّيس دالة عند الله فقد عرف وخبّر عن خروجه العتيد إلى ربّه وما سوف يحدث للافرا التي أنشأها بتعب جزيل. فبعد ثمانية أيام من عيد الظهور الإلهي، اجتمع إليه العديد من الآباء، بعضهم ليودّعه وآخرون ليذهبوا معه إلى الصحراء. كانوا يظنّون إنه سوف يخرج كعادته إلى خلوته السنوية. وإذ لاحظوا إنه لم يعدّ العدّة للذهاب سألوه، فأجابهم: “أنا باق معكم كل هذا الأسبوع. ثم أغادركم يوم السبت في نصف الليل”. كلّمهم عن مغادرته لهم لا إلى الصحراء بل إلى ربّه فلم يفطنوا.
بعد ثلاثة أيام، كان عيد القديس أنطونيوس الكبير فأمرهم أن يقيموا السهرانة ففعلوا. في نهايتها، دعا الخدّام وقال لهم: “اعلموا هذا، يا إخوة، إن الرب دعاني من هذه الحياة إلى الحياة الآتية. فليجتمع الإخوة كلّهم غداً فأخبركم كيف تسلكون بعد رحيلي عنكم”.
في الصباح، اجتمع الإخوة ففتح فاه وكلّمهم قائلاً: “أيها الآباء والإخوة المحبوبون في الرب، يا أولادي الأعزاء! في ثلاثة أيام أطأ نهاية طريق آبائي. لذا عليكم أن تحفظوا الوصايا التي أستودعكم إيّاها لكي تستبين تقواكم ومحبّتكم لي. أهمّ الفضائل التي عليكم اقتناؤها المحبة التي بدونها لا يمكن لأحد أن يحقّق شيئاً. كل الفضائل تعرف بالمحبة والتواضع. التواضع يرفع الفاضل إلى قمم الإنجاز فيما تعصمه المحبة عن السقوط منها. علينا دائماً أن نعترف بخطايانا أمام الله… اثبتوا أنقياء في النفس والجسد. احفظوا القانون الذي وضعته لكم وداوموا على التمجيد في اجتماعاتكم. اهتمّوا بالمتألّمين قدر طاقتكم. على كل الإخوة القلقين من أفكار فاسدة كريهة أن يعترفوا بها للحال وأن يصلحهم الآباء الأكثر خبرة بالوعظ والمثال الصالح حتى لا يطيح بهم الشيطان. بهذا أوصيكم فاحفظوه بحرص: لا توصدوا الباب في وجه المقبلين إليكم! ليكن مفتوحاً للمسافرين المنهوكين وللفقراء. ضعوا ما تقتنون في خدمة المحتاجين إذا ما رغبتم إلى الله في أن يزوّدكم بما تحتاجون إليه بوفرة…”. ثم ختم القديس بالقول: “وأنا إذا أذن لي الرب فلسوف أسأله أن أكون مع الشركة دائماً في الروح”.
فلما قال هذا صرف الجميع إلا دومتيانوس الذي بقي معه ثلاثة أيام. ثم في مساء السبت، كما سبق فخبّر، رقد في سلام بالرب ممتلئاً أياماً، ستة وتسعين عاماً. كان ذلك في 20كانون الثاني من السنة 473م.
ملامح القديس
كيف بدا القديس أفثيميوس لناظره؟
ثمة وصف له أورده كيرللس البيساني الراهب. قال: كان القديس بطبعه لطيف المعشر، موطّد العزم، مليح التقاسيم، وسيماً، دائري الوجه، بهج الطلعة، حلو الشمائل، ممدود اللحية إلى وسطه ويزيد. كل ما فيه كان صحيحاً سليماً. وكان كامل الأعضاء، حتى أسنانه لا نقص فيها.
عجائبه:
ينقل كيرللس الراهب للقديس عن تلاميذه عجائب جمّة بينها أشفية وطرد للأرواح الشرّيرة. من أخباره هذه الحادثة الفريدة التي جرت بعد وفاته. في قرية تدعى فاران، إلى الشرق، كان راع اسمه كيرياكوس أمّنه جار له فقير على عشر خراف يرعاها. بعد حين عضّت الفقير الحاجة ورغب في بيعها، فلما جاء إلى كيرياكوس وطلبها منه لم يعترف إلا بثمانية واحتفظ لنفسه بخروفين. فتجادل وإياه ولكن دون جدوى. فقال له الفقير: “إذا كنت مستعداً أن تقسم عند قبر القديس أفثيميوس فلا بأس عندي إن خسرتها !” فقبل كيرياكوس العرض. وإذ دنا الاثنان من قبر القديس رأى المُسُاء إليه أن كيرياكوس على وشك أن يحلف يميناً كاذبة فخشي الإثم وقال له: “لنعد يا أخي وأنا أعتبر كأنك أقسمت!” فلم يرض كيرياكوس، وكأن الحق بجانبه، وأصرّ، بوقاحة، على أخذ القسم. وإذ اقترب من القبر تجاسر وحلف يميناً كاذبة، ثم عاد إلى بيته. في تلك الليلة، فيما كان كيرياكوس في السرير، بدا له كأن الباب انفتح ودخل راهب في يده عصا ومعه خمسة فتيان. فجأة امتلأ البيت نوراً. كان الراهب هو القديس أفثيميوس بالذات وكان متجهِّم الوجه. وإذا به يصرخ في وجه كيرياكوس قائلاً: “أيها البطّال، كيف تجرؤ على حلف يمين كاذبة عند قبر أفثيميوس؟” فخرس كيرياكوس ولم يستطع جواباً. فأمر القديس أربعة من الفتيان أن يضربوه بالسوط والخامس بالعصا قائلاً: “اضربه بكل قوّتك حتى لا يجرأ على إهانة الله مرة أخرى ويقسم قسماً كاذباً ويأخذ ما ليس له!” وبعدما ضربوه ما فيه الكفاية أوقفهم القديس وقال للمفتري: “ألم تعلم، أيها الأثيم، أن هناك إلهاً يدين الأرض بعدل؟ وهو جعل هذا العقاب عليك، لا لخيرك، لأنك غداً تموت وآخرون يأخذون ما جمعته بغير حق، بل لإصلاح سواك، حتى يفروّا من خطر القسم الكاذب ويجتنبوا حتى القسم بحق!” قال القديس هذا وانصرف. كانت آلام كيرياكوس لا تطاق. وإذ صرخ اجتمع عليه الجيران فأراهم جراحه واعترف بأنه أقسم يميناً كاذبة. ثم رجاهم أن يأخذوه إلى قبر القديس ليسترحم لديه. فلمّا أحاطوا به خافوا أن يلمسوه من كثرة جراحه. فاحضروا كيسين من القش وضعوه بينهما وأخذوه إلى الدير وأخبروا بما جرى. وكل الذين سمعوا انتابتهم القشعريرة وخافوا خوفاً عظيماً، فلم يعد أحد يجرؤ، مذ ذاك، على حلف يمين، لا فرق صادقة أو كاذبة. وبعد يومين ساءت حال كيرياكوس وانفتحت معدته وكان يتقيأ باستمرار فجاء أقرباؤه وأخذوه إلى البيت. وفي اليوم الثالث مات.
طروبارية القديس البار أفثيميوس الكبير (باللحن الرابع)
افرحي أيتها البريَّة التي تَلد، اطربي يا مَن لم تُمارس طَلْقَاً، لأن رجل رغائب الروح قد كثَّر أولادكِ، إذ قد غرسهم بحسب العبادة، وعالهم بالإمساك, لكمال الفضائل، فبتوسُّلاته أيها المسيح الإله سلم حياتنا.