في هذا اليوم تُقيم الكنيسة المُقدَّسَة تَذكار:
* القدّيسان سمعان القابل الإله وحنّة النّبيّة * الشّهيدان أدريانوس وأفبولس * الشّهيد بلاسيوس الرّاعي * القدّيس عزريا النّبيّ * الشّهيدان بولس وسمعان * القدّيس البارّ كلوديوس * الشّهداء الجدد ستاماثيوس ويوحنّا ونيقولاوس * أبونا الجليل في القدّيسين نيقولاوس الجديد رئيس أساقفة اليابان * القدّيس أنسكاريوس مبشّر الدّنمارك والسّويد * القدّيس البارّ سابا الّذي من يوانينا.
* * *
✤القدّيسان سمعان القابل الإله وحنّة النّبيّة✤
حنّة اللّاهجة بالله وسمعان الكُليّ السّعادة لمّا تلألآ بالنّبوءة وظهرا بلا عيب في الشّريعة، أبصرا الآن مُعطي النّاموس ظاهرًا طفلًا على صورتنا وسجدا له. فلنعيّد اليوم لتذكارهما بفرحٍ ممجّدين بحسب الواجب يسوع المحبّ البشر”. (قطعة على ياربّ إليك صرخت- صلاة المساء).
هكذا وَصَفتْ إحدى الترنيمات خدمة القدّيسين حالهما. كانا بارّين يتمتّعان بروح النّبوّة، لذلك أبصرا مُعطي الشّريعة طفلًا.
سمعان:
إسم أراميّ- عبريّ معناه “الّذي يسمع، المُطيع، الذي يُصغي”، وفي العبريّة هو شمعون Shimeon.
نقرأ في سفر التّكوين:”فحبلت ليئة وولدت إبنًا ودعت إسمه راوبين. لأنّها قالت إنّ الرَّبّ قد نظر إلى مَذَلَّتي. لأنّه الآن يحبنّي رجلي. وحبلت أيضًا وولدت إبنًا وقالت أنّ الرَّبّ قد سمع إنّي مَكروهة فأعطاني هذا أيضًا. فدعت إسمه شمعون (سمعان) (تكوين ٣٢:٢٩-٣٣)”.
فالإسم مرتبط إذًا بإصغاء الله لطلبة ليئة. وهنا لا بدّ من الإشارة إلى أنّ الأسماء في الحضارة السّامية كانت تعبّر عن حامليها أو عن حادث مُرتَجى.
وهذا أيضًا يذكّرنا بما حصل مع هاجر: “وقال لها ملاك الرَّبّ ها أنت حُبلى فتلدين إبنًا وتدعين إسمه اسماعيل لأنّ الرَّبّ قد سمع لمذّلتك” ( تكوين ١١:١٦).
الأمر ذاته يحصل مع سمعان الشّيخ وهو يحمل الرَّبّ يسوع على ذراعيه، فإسمه يعبّر عن حالة الشّكر والامتنان والتّسبيح الّذي يعيشه سمعان بمشاهدته للرَّبّ الخالق.
ذروة الفرح الّتي وصل إليها سمعان كانت بعبارته الّتي نردّدها في نهاية كلّ صلاة غروب:”الآن تُطلِق عبدك يا سيّد حسب قولك بسلام… لأنّ عينيّ قد أبصرتا خلاصك الّذي أعددته قدّام وجه جميع الشّعوب. نور إعلان للأمم ومجدًا لشعبك إسرائيل”(لوقا ٣٢:٢).
سمعان الشّيخ لم يعد يأبه بالموت، لا بل يقول “قلبي مستعدّ يا الله”. فأمام الله المُتجسّد الّذي يحمله طفلًا، أدرك الحياة الأبديّة والسّلام الحقيقيّ، وهو يدعونا الآن لأن نحمل الرَّبّ على أذرعنا وندخله هياكل قلوبنا ونفوسنا لنصبح خليقةً جديدة.
اعتبر سمعان شيخًا مع أنّه لا توجد كلمة واحدة في نصّ لوقا الإنجيليّ تؤكّد أنّه كان طاعنًا في السّنّ. وقد شغلت النّاس هويّة الرّجل: من يكون؟
– قال قوم إنّه سمعان الّذي وبّخ أرخيلاوس خليفة هيرودوس الكبير، والّذي تزوّج أرملة أخيه.
– وقال آخرون بل هو سمعان بن هلال، أبو غمالائيل المذكور في سفر أعمال الرّسل والمقال عن بولس الرّسول إنّه تتلمذ عند رجليه ( أع 3:22) فريسيًّا. هذا ذُكر أنّه كان رئيسًا للسّنهدريم عام 13 م.
وربطًا لسمعان بالأنبياء، لاسّيما إشيعاء، قيل إنّ سمعان لمّا قرأ إشيعاء ١٤:٧، وفق النّصّ السّبعينيّ، والّذي فيه “ها إنّ العذراء تحبل وتلد ابنًا ويدعى اسمه عمّانوئيل”، خطر له أن يغيّر كلمة “عذراء” بكلمة “صبيّة”، ففعل. فلمّا عاد في اليوم التّالي وجد لفظة “صبيّة” ممحاة. ولفظة “عذراء” في محلّها. فأيقن أنّه ليس على الله أمر عسير. ثم أوحي إليه أنّه لا يموت قبل أن يرى مسيح الرَّبّ.
– وهناك من يُطلق على سمعان لقب “رقيب الصّبح”، وأن يروا فيه صورة من قيل عنه في المزمور١٢٩: “من أجل اسمك ياربّ نظرت إليك. نظرت نفسي إلى كلامك. توكّلت نفسي على الرَّبّ. من انفجار الصّبح إلى اللّيل فليتّكل إسرائيل على الرَّبّ، لأنّ مِنَ الرَّبّ الرّحْمَةَ ومنه النّجاة الكثيرة، وهو ينجّي إسرائيل من كلّ آثامه”(٥-٨).
سمعان الشّيخ شخص مهّم جدًّا في التّاريخ اليهوديّ:
يُقال إنّه كان بعمر ١١٢ سنة عندما حمل الرَّبّ يسوع المسيح على ذراعيه. (متّى المنحول).
هو ابن العلّامة العظيم هليل الّذي أنشأ مدرسة هليل، والّذي كان رئيس مجمع السّنهدريم لمدّة أربعين سنة، وهو والد العلّامة غمالائيل معلّم بولس الرّسول عندما كان شاول.
عُيّن رئيسًا للمجمع بعد والده قبل زمان المسيح، ولكن تمّ إخفاء كلّ الكتابات عن زمنه وشهاداته، رغم أنّه أوّل من حصل على لقب رابان، وهو لقب راقٍ جدًّا في المجمع اليهوديّ.
الأمر الغريب جدًّا هو أن تُخفى كتاباته وشروحاته وهو يحمل هذا اللّقب الكبير، وهو ابن معلّم من أهمّ الرّؤساء اليهود صاحب مدرسة باسمه وهي “مدرسة هليل”.
لم يكتب عنه في المشنه ولا في التّلمود والجمار، رغم أنّها تكلّمت على من هم أقلّ أهميّة بكثير منه، وهذا شيء يتعجّب له اليهود أنفسهم، فهو رجل من أعظم شيوخ اليهود ولم يُذكر له أخطاء تدينه، فلماذا إذًا تمّ إخفاء تاريخه من قبل اليهود؟
هم يكتفون بذكر:”يسوع النّاصريّ ولد في بيت لحم في سنة 3761 من الخليقة، وهو في السّنة 42 من اغسطس قيصر، وكان ميلاده في آخر أيّام الرّابان سمعان ابن هليل”. وهذا يعني أنّه رئيس عظيم وطاعن في السّنّ.
هذا التّعتيم يؤكّد أنّه لم يرق للمعلّمين اليهود ما قاله سمعان، أي قوله إنّ الطّفل الّذي حمله على ذراعيه هو المسيح المولود من العذراء بحسب آية إشعياء النّبيّ (١٤:٧)، والّتي لطالما شغلته هذه الآية بالتّحديد، خاصّة في ترجمتها السّبعينيّة.
هناك من استغرب قائلًا: كيف يعترف سمعان بمجيء المخلّص، المَسِيّا المُنتَظَر، المُعزّي، المناحيم، ويكون ابنه غمالائيل بعكس معتقده؟
يمكن للجواب أن يحمل أكثر من شق:
– أتى اعتراف سمعان الشّيخ في آخر أيّامه بعد أن ترك رئاسة المجمع لكبر سنّه.
– ليس من الضّروريّ أن يكون الابن على وعي والده، وهناك أمثلة كثيرة في العهد القديم عن ذلك.
– الفرق الزّمنيّ بين اعتراف سمعان الشّيخ، وغمالائيل طويل جدًّا ويزيد عن الثّلاثين عامًا، وقد يكون غمالائيل تأثّر بأمورٍ كثيرة.
ولكن يجب التّوقّف عند المفارقة الآتيَة: ألم يدافع غمالائيل بطريقة غير مباشرة عن تلاميذ الرَّبّ يسوع؟
“فقام في المجمع رجل فرّيسيّ اسمه غمالائيل، معلّم للنّاموس، مكرّم عند جميع الشّعب، وأمر أن يخرج الرّسل قليلًا”.
ثمّ قال للسّنهدريم، أي المجمع اليهوديّ:«أيّها الرّجال الإسرائيليّون، إحترزوا لأنفسكم من جهة هؤلاء النّاس في ما أنتم مزمعون أن تفعلوا… تنحّوا عن هؤلاء النّاس واتركوهم! لأنّه إن كان هذا الرّأي أو هذا العمل من النّاس فسوف ينتقض، وإن كان من الله فلا تقدرون أن تنقضوه، لئلا توجدوا محاربين لله أيضًا». فانقادوا اليه. ودعوا الرّسل وجلدوهم، وأوصوهم أن لا يتكلّموا باسم يسوع، ثم أطلقوهم. (أع ٥: ٣٣ـ٤٠)
يُذكر أن غمالائيل، والّذي يعني اسمه هديّة الله، قد تعمّد على يديّ القدّيسين بطرس ويوحنّا، لكن ليس عندنا إثبات على ذلك.
أنّى يكن الأمر فإنّه يتوقّع أن يكون سمعان قد رقد بعد فترة قصيرة من مُعاينة مسيح الرَّبّ. وقد ورد أنّ رفاته كانت تكرّم في القسطنطينيّة في كنيسة القدّيس يعقوب، في القرن السّادس للميلاد، أيّام الأمبراطور يوستينوس.
2- حنّة:
– معنى الإسم:
إسم حنّة عبريّ مشتقّ من فعل “شنا” الّذي يشير إلى الحنان والرّأفة والنّعمة، وهو في جذوره مرتبط أيضًا بالفعل العبريّ “شع” الّذي يعني الخالص (أنظر إسم يسوع). كما هو اختصار لإسم حنانيّا الّذي يعني بدوره الله تحنّنن. فكلّ هذه الأسماء حنّة، حنانيّا، يوحنّا هي من الجذر ذاته وتشير جميعها أنّ يهوى حنون أيّ الله حنون.
– حنّة بنت فنوئيل من سبط أشير:
حنّة هي بنت فنوئيل أي “وجه الله”، ومن سبط أشير.
أشير هو أحد أسباط إسرائيل [يذكر سفر التّكوين أن زيلفا، جارية ليا زوجة يعقوب، ولدت إبنًا ثانيًا له من بعد جاد، وسمتّه أشير الّذي يعني “مغبوط” أو “سعيد”(١٢:٣٠)]. وكلمة سبط تعني “عصا” أي جماعة يقودها رئيس يحمل عصا الرّعاية والتّأديب.
– عدد الأسباط إثني عشر وهم (بحسب ترتيب الولادة):
١-رأوبين، ٢-شمعون، ٣-لاوي (فُرز للخدمة الكهنوتيّة)، ٤-يهوذا، ٥-دان، ٦-نفتالي، ٧-جاد، ٨-أشير، ٩-يساكر، ١٠-زبولون، ١١-يوسف (ولد منسّى وإفراييم)، ١٢-بنجامين.
– حنّة أرملة ونبيّة:
كانت حنّة مُتقدِّمة في السّنّ، وقد عاشت مع زوجها سبع سنوات ثم ترمّلت ولم تتزوّج من بعد، وقد بلغت في تلك الأيّام الّتي التقت فيها الطّفل يسوع الرّابعة والثّمانين. خلال هذه الفترة الطّويلة من عمرها لم تفارق الهيكل، وكانت عابدة بأصوام وطلبات ليلًا ونهارًا. فهي تعلّمنا الجهاد والصّبر، “مَنْ صَبَرَ إلى المُنتهى يَخْلُص”(متّى ٢٢:١٠). لم يكن عمرها المُتقدِّم عائِقًا، بالعكس تمامًا، حتّى وهي عجوز بالجسد، ظلّ روحها ينبض حياةً منتظرةً خلاص الرَّبّ.
هي نموذج للأرامل والعذارى والرّهبان الّذين يلازمون العفّة ويُداوِمون على الصّوم والصّلاة، ولا يفارقون العبادة ليلًا ونهارًا.
فبعد أن شاهدت الطّفل الإلهيّ، أي الطّفل المَحمول على ذِراعَيْ سمعان الشّيخ وسمعت إعتراف الأخير، وقفت تسبّح الرَّبّ وتكلّم عنه مع جميع المنتظرين فداء في اورشليم. (لوقا ٣٦:٢-٣٨).