نشرة كنيستي- أحد الشَّعانين- العدد 16
17 نيسان 2022
كلمة الرَّاعي
يا أورشليم… يا أورشليم…
”أُوصَنَّا لابْنِ دَاوُدَ! مُبَارَكٌ الآتِي بِاسْمِ الرَّبِّ!
أُوصَنَّا فِي الأَعَالِي!“ (مت 21: 9)
”يَا أُورُشَلِيمُ، يَا أُورُشَلِيمُ! يَا قَاتِلَةَ الأَنْبِيَاءِ وَرَاجِمَةَ الْمُرْسَلِينَ إِلَيْهَا“ (مت 23: 37)، ها إنّ ملكك المسِّيَّا الَّذي انتظرته مئات السِّنين يأتيك راكبًا على جحش ابن أتان ملكًا للسّلام في هتاف أبنائك وشعبه ”أوصنَّا لابن داود“ أي الرّبّ ينتصر لمختاره وينصره على أعدائه. ماذا كنت تنتظرين من ملكك الجالس على جحش وليس على حصان، هل ظننت أنّه يسحق أعداءك في هذا العالم ومستعبديكِ ومحتلِّيكِ؟! هو جاء غالبًا كلّ حقد وشرّ، هو جاء ليموت لكي يحييك مدينة جديدة نازلة من السّماء وليس مملكةً أرضيّة…
يا أورشليم! اليوم تستقبلين المسّيَّا كمَلِكٍ ظافرٍ بأغصان النّخيل والزّيتون والهتافات ”أوصنّا لابن داود…“ ولاحقًا تصرخين ”اصلبه اصلبه…“ (لو 23: 21، يو 19: 6 و15). هو لم يكن خافيًا عليه مَكْرُكِ وخداعُك وخبثُك لأنّه كان يعرف ما في الإنسان… (راجع يو 2: 24 و25).
* * *
ها إنَّ ملك الملوك وربّ الأرباب يأتي في هيئة الضَّعف كإنسان ليُدخِل السّلام إلى العالم بتقويضه مملكة الشّرّ عبر قبوله أن يدخل كملك وذبيحة بآنٍ معًا. ملوكيّته وقوّته ستتجلَّيان في صليبه إذ بالموت سيُميت الموت ويهدم مملكة إبليس ويحرِّر المقيَّدين في الجحيم وينهضهم معه.
ها هو المسيح يسوع يدخل على قلوب الَّذين يستقبلونه بالسَّعَف وأغصان الزَّيتون ويفرشون ثيابهم له دلالة على خضوعهم لملكه، لكنّ يسوع كان يعلم ما يقوله كاتب المزامير: ”أَنَا قُلْتُ فِي حَيْرَتِي: كُلُّ إِنْسَانٍ كَاذِبٌ.مَاذَا أَرُدُّ لِلرَّبِّ مِنْ أَجْلِ كُلِّ حَسَنَاتِهِ لِي؟ كَأْسَ الْخَلاَصِ أَتَنَاوَلُ، وَبِاسْمِ الرَّبِّ أَدْعُو. أُوفِي نُذُورِي لِلرَّبِّ مُقَابِلَ كُلِّ شَعْبِهِ …“ (مز 115 (116): 10—14). لذلك، كان يسوع عالمًا أنّ قلوب هؤلاء ليست نقيّة، ومع ذلك قَبِلَ هتافاتهم لأنّها كانت لتشهد عليهم أمام الله وليشهدوا هم أمام رؤساء هذا العالم لأنّ حقّ الله لا يمكن أن يحجبه الإنسان، فأنّه ”إِنْ سَكَتَ هؤُلاَءِ فَالْحِجَارَةُ تَصْرُخُ!“ (لو 19: 40).
يسوع يدخل أورشليم وهو عارف أنّه سيشرب الكأس الّتي يعطيه إيّاها الآب الَّذي أحبّ خاصّته حتّى إنّه بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كلّ من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبديّة. يسوع هو ملك الحبّ الإلهيّ، أي هو كشف لنا أنّ الله محبّة، وحيث المحبّة فهناك الاتّضاع، وحيث الاتّضاع فهناك السّلام، وحيث السّلام فهناك الفرح، وحيث الفرح فهناك الحياة الأبديّة وملكوت السّماوات.
* * *
أيُّها الأحبّاء، ها نحن منطلقون في مسيرة الفصح الّتي استُعلِنَت بإقامة لعازر من بين الأموات وتجلَّت باستقبال يسوع ملكًا ظافرًا سيجلس على عرشه-الصّليب حيث يحكم منه على مملكة الشّرّ بالانحلال ويمنح بقيامته الرَّاقدين منذ الدَّهر التّحرُّر من سلطان إبليس.
أمّا نحن، فلنستقبله ملكًا وإلهًا وربًّا لنا، ولنفرش له حياتنا تحت قدميه ليباركها بسكناه في أورشليم قلوبنا ملكًا للسّلام، مصالِحًا لنا مع الله ومع أنفسنا ومع الآخَرين بمنحنا نعمة التّوبة، فنتخلَّى عن حبّ الشّرّ وعن التّمسُّك بتعلُّقاتنا الأنانيّة وعن علاقاتنا الاستهلاكيَّة، ولنقبله سيِّدًا مُطْلَقًا علينا فنصنع مشيئه دومًا لنصير به بشرًا قياميِّين أي غالبين مواتيّة ترابيّتنا لنحيا بروحه القدُّوس الرّبّ الصّانع الحياة، ليصير ملكوته فينا ظاهِرًا وفاعِلًا وطاردًا فينا ومن حولنا كلّ يأس وإحباط وباثًّا يقين الغلبة بالرّجاء على آلام هذا الدّهر بعطيَّة الحبّ الإلهيّ المتفجِّرة بقيامته في قلوب المؤمنين به والطّالبينه.
”الرُّوحُ وَالْعَرُوسُ يَقُولاَنِ: “تَعَالَ!” (…) “نَعَمْ! أَنَا آتِي سَرِيعًا”. آمِينَ. تَعَالَ أَيُّهَا الرَّبُّ يَسُوعُ…“ (رؤ 22: 17—20).
+ أنطونيوس
مـتروبوليــت زحلة وبعلبك وتوابعهـما