عيد دخول ربّنا يسوع المسيح إلى الهيكل
العدد 5
الأحد 02 شباط 2025
كلمة الرّاعي
هل نحن مكرَّسون لله؟!…
“وَأَمَّا أَنْتُمْ فَجِنْسٌ مُخْتَارٌ، وَكَهَنُوتٌ مُلُوكِيٌّ، أُمَّةٌ مُقَدَّسَةٌ، شَعْبُ اقْتِنَاءٍ،
لِكَيْ تُخْبِرُوا بِفَضَائِلِ الَّذِي دَعَاكُمْ مِنَ الظُّلْمَةِ إِلَى نُورِهِ الْعَجِيبِ” (1 بط 2: 9).
تتكرَّر الأعياد اللِّيتورجيَّة والمواسم المقَدَّسَة لا لِتَكُون تَردادًا عَقِيمًا أو تَذَكُّرًا لأحداثٍ تاريخيَّة بل لأجل تجديدنا بالرُّوح عبر تجديد تكريسنا لله. كلّ خدمة ليتورجيَّة وكلّ عيد مناسبة فرصة تُعطى لنا لتجديد القلب بالتَّوْبَة والحياة بالرُّوح. ما أتَمَّهُ يسوع قد تَمَّ المهمّ كيف يتحقَّق فينا وفي حياتنا. قُدِّم يسوع إلى الهَيْكَل كَحَمَلٍ حَوْلِيّ لأجل خلاص العالم، هو لم يُفْتَدَى بل قد افتدانا، لذا صِرْنا له مُكَرَّسين كَوْنَهُ ذُبِحَ لأجْلِنَا على الصَّليب، وله جميعًا مَفْرُوزين لأجل تَجْسِيد مَشيئَتِهِ الإلهيَّة حياةً جديدةً فَنَكُون نحن به وفيه باكورة العالم الجديد والخليقة الجديدة.
* * *
المسيح اختارَنا، “لَيْسَ أَنْتُمُ اخْتَرْتُمُونِي بَلْ أَنَا اخْتَرْتُكُمْ، وَأَقَمْتُكُمْ لِتَذْهَبُوا وَتَأْتُوا بِثَمَرٍ، وَيَدُومَ ثَمَرُكُمْ، لِكَيْ يُعْطِيَكُمُ الآبُ كُلَّ مَا طَلَبْتُمْ بِاسْمِي” (يو 15: 16). هذه حقيقتُنا الَّتي أُعْطِيتْ لنا في المعموديَّة، صِرنا شعبَ الله المختار وإسرائيل الجديد. إسرائيل القديم لم يُعْطِ ثمرًا فقُطِعَ مثل التِّينَة غير المثْمِرَة (راجع، مر 12: 11 -14، مت 18: 19 – 21، مت 10: 3 ولو 9: 3). مطلوبٌ منّا أن نُعطي ثمرًا يَليق بدعوتنا كوننا شعب الله الجديد وأبناؤه في المسيح وبواسطته. الإثمار يتحقَّق بنعمة الله، وحين يرى الله ثمارنا الصَّالِحَة يُعطينا الآب كلّ ما نطلبه منه باسم يسوع المسيح، وهكذا بالرُّوح القدس نصنع مشيئة الآب وباسم الابن نحقِّق عمل يسوع بنعمة الآب. هذا هو عَيْشُنا لكهنوتنا الملوكيّ بتقديس حياتنا في خدمة الله وطاعته بعمل الفضيلة الَّتي هي ثمرةُ الرُّوح القدس الفاعل فينا.
* * *
أيُّها الأحبَّاء، هل نحن نعيش بمُقتَضى هذا الفهم أي أنّنا لله ولَسنا لِسِواه. هل نُدْرك أنَّنا لسنا لأنفسنا، “أَمْ لَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ جَسَدَكُمْ هُوَ هَيْكَلٌ لِلرُّوحِ الْقُدُسِ الَّذِي فِيكُمُ، الَّذِي لَكُمْ مِنَ اللهِ، وَأَنَّكُمْ لَسْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ؟” (1 كو 6: 19). هل نُدْرِك أنَّ حياتنا وعائلاتنا وأولادنا وأملاكنا إلخ.. كلَّها ليست لنا بل هي للَّذي مَنحنا إيَّاها؟!… ليس أنَّ الله يُريد منّا شيئًا، هو لا يَحتاجُنا، المسألة هي أنَّه يُريدُ أنْ يُعْطينا كلَّ ما عِنْدَه أي ذاته. لكن، حتّى نتمكّن من استقباله فينا حياةً لنا علينا أن نتخلّى عن حياتنا أي أنْ نَحْيَا مُكَرَّسين له أيْ عامِلين مشيئَتَهُ في كُلِّ حين.
كم يَصْعُب علينا أن نُقَدِّم حَياتَنا طوْعِيًّا لله، أي كجَوابٍ على حُبِّهِ لنا هو الَّذي “أَحَبَّنَا أَوَّلًا” (1 يو 4: 19)، أو أنْ نسمح لأولادِنا أنْ يَصيرُوا خُدَّامًا له كهنةً أو رُهبانًا إلخ. أسهل علينا أن نترك أولادنا يَعيشون العالم وما فيه، حتّى فساده، من أن نقبل تكريسهم لله. هل الله يُزاحمنا على أولادنا أو يريد أن يأخذهم منّا؟!… في الحقيقة هم عَطيّةٌ منه لنا، هم لَيْسُوا مُلْكَنَا، إنْ كانوا مُلكًا لأحد فللَّه، لكن الله لا يطلب عبيدًا وإماءً له بل أبناء…
مِنْ هُنا، تُذَكِّرُنا الكنيسة المقدَّسة في عيد دخول السَّيِّد إلى الهيكل بأنَّنا لله، “لأَنَّكُمْ قَدِ اشْتُرِيتُمْ بِثَمَنٍ. فَمَجِّدُوا اللهَ فِي أَجْسَادِكُمْ وَفِي أَرْوَاحِكُمُ الَّتِي هِيِ للهِ” (1 كو 6: 20)، حتَّى لا نَصِيرَ عَبيدًا للنَّاس (1 كو 7: 23)، بل أحرارًا في المسيح الَّذي بَذَلَ دَمَهُ ليُعتِقَنا مِنْ كُلِّ سُلطان العَدُوّ إبليس ومِنْ شَهَوات العالم السَّاقط… فنَكْرِز بخلاصه حاملين نوره نِبْرَاسًا لِطَرْدِ ظلمة العالم والحسد والحقد والأنانِيَّة والكبرياء والظُّلم والغُبن إلخ. ليَبْزُغَ فينا فجْرَ قيامته حياةً في الفضيلة لخلاص العالم بالحُبِّ الإلهيّ في يسوع المسيح وكنيسته الَّتي هي استباقُ حضورِ ملكوتِ الدَّهر الآتي وتعزية العالم السَّاقط وخلاصه بعمل الرُّوح القدس فيها وفي أعضائها…
ومن له أذنان للسَّمع فليسمع…
+ أنطونيوس
متروبوليت زحلة وبعلبك وتوابعهما