Menu Close

الأحد 7 كانون الثّاني 2024           

العدد 1
الأحد بعد عيد الظّهور الإلهيّ 
اللّحن 6– الإيوثينا    9

أعياد الأسبوع: *7: تذكار جامع للنّبيّ السّابق يوحنَّا المعمدان *8: البارَّة دومنيكة، البارّ جرجس الخوزيبي *9: الشَّهيد بوليفكتُس، البارّ افستراتيوس *10: القدّيس غريغوريوس أسقف نيصص، القدّيس دومتيانوس أسقف مليطة *11: البارّ ثيودوسيوس رئيس الأديرة، البارّ ڨيتاليوس *12: الشَّهيدتين تتيانا وآفستاسيَّا، البارّ فيلوثيوس الأنطاكيّ الشَّهيد *13: الشّهيدين أرميلس واستراتونيكس، البارّ مكسيموس (كفسُوكاليفيا).

كلمة الراعي

سرُّ الله وسرُّ الإنسان

 قَبْلَ يسوع المسيح كانت معرفة الله ظلِّيَّة ومستترة في الرُّموز المُستَعْلَنَة لأصفياء الله وفي الخليقة. عرفنا الله ثالوثًا في التَّجسُّد وظهور الإله الإنسان لنا. في معموديّة يسوع على يد يوحنّا المعمدان ظهر الآب شاهدًا للابن بالصَّوْت والرُّوح القدس بهيئة حمامة والمعمدان أعلن ”هُوَذَا حَمَلُ اللهِ الَّذِي يَرْفَعُ خَطِيَّةَ الْعَالَمِ!“ (يو 1: 29).

قال بيلاطس لليهود ”هوذا الإنسان“ (يو 19: 5) مُشيرًا إلى يسوع الحامل إكليل الشَّوْك على رأسه واللَّابس ثوب الأرجوان الَّذي ألبسوه إيّاه استهزاءً بملوكيّته، ليشير بدون أن يعلم أنَّ هذا ”الإنسان“   (O Anthropos) هو الإنسان الحقّ وأصل كلّ إنسان ومصدره وغايته. لا إنسان حقّ إلّا يسوع المسيح ولا إنسانيَّة أصيلة وحقيقيّة على صورة الله خارجه. من يريد أن يصير إنسانًا عليه أن يتشبّه بيسوع أي أن يتّحد به. في الحقيقة صــورة الله في الإنـــــــــــــــــســــــــــان هي بذرة ”الكلمة الإلهيّ“ (Logos Spermatikos) فيه.

سرُّ الله (the mystery of God) لا يُدرك بالعقل بل يُكشَف. العقل يمكنه أن يستدلَّ على الخالق من خلال خليقته، لكنّه لن يتمكّن من معرفته حقيقة إلّا بالكشف (Revelation) في القلب من خلال سرّ الاتّحاد به بالنِّعمة في المسيح….

*          *          *

سرُّ ذبيحة الله استُعلِن في المذبوح لأجل خطايانا على الصَّليب، والَّذي ظهر معتمِدًا في مياه الأردن رمزًا لموته وقيامته. الصّليب كان حاضرًا في المياه رمز الموت والحياة في آن، والآب كان ظاهِرًا في الابن الذّي شهد له قائلًا: ”هذَا هُوَ ابْني الْحَبِيبُ الَّذِي بِهِ سُرِرْتُ“ (مت 3: 7) لأنّ الآب يُستعلَن في الابن بواسطة الرُّوح القدس لطالبيه.

سرُّ الله هو سرّ الوَحدة والشَّركة، سرُّ عطاء الذّات الكلّيّ من الآب للابن وللرُّوح القدس، وسُكنى الابن والرُّوح في الآب، واستقرار الرُّوح في الابن والابن في الرُّوح. من هنا، يتّحد الإنسان بالله الآب في الابن بنعمة الرُّوح القدس، ونعمة الرُّوح القدس هي الّتي تجعل الإنسان عضوًا في جسد المسيح-الكنيسة الّتي فيها يسكن الرُّوح وبها يسكن روح الله في الإنسان من خلال الأسرار المقدَّسة فيتّحد بالابن الَّذي يكشف له الآب، ”اَلَّذِي رَآنِي فَقَدْ رَأَى الآبَ“ (يو 14: 9) وذلك لأنّه لا أحد ”رَأَى الآبَ إِلاَّ الَّذِي مِنَ اللهِ. هذَا قَدْ رَأَى الآبَ” (يو 6: 46).

سرُّ معنى حياة الإنسان هو سرُّ الله، لأنّ الله خلق الإنسان ليعيش دون موت أي حياة أبديَّة، لكنّ انفصال الإنسان عن الله بالمعصية أي برفض محبّة الله له بسبب أنانيّته جعله يخسر النّعمة الإلهيَّة التّي هي حياة الله المُعطاة للإنسان، لذلك أتى المسيح ليعيش سرّ المحبّة الكاملة ويكشفه لنا ويهبنا إيّاه من جديد فيه بالرُّوح القدس، ليردّ الإنسان إلى حقيقته الجوهريّة الّتي خُلق عليها ويمنحه تتميم دعوة الله له. يسوع تمّم مشروع الله وكشف لنا طريق الحياة الأبديَّة: ”وَهذِهِ هِيَ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ: أَنْ يَعْرِفُوكَ أَنْتَ الإِلهَ الْحَقِيقِيَّ وَحْدَكَ وَيَسُوعَ الْمَسِيحَ الَّذِي أَرْسَلْتَهُ” (يو 17: 3)…

*          *          *

أيُّها الأحبّاء، يسوع المسيح أتى ليجدِّد طبيعتنا ويعيد خلقنا بإيلاده لنا من ”الماء والرُّوح“ (يو 3: 5). هو نزل المياه ليقدٍّسها ويُجدِّد طبيعتها والإنسان والكَوْن من خلالها. فالله الآب قد وهبنا ملكوته ”لَا بِأَعْمَالِ بِرٍّ عَمِلْنَاهَا نَحْنُ، بَلْ بِمُقْتَضَى رَحْمَتِهِ خَلَّصَنَا بِغَسْلِ الْمِيلاَدِ الثَّانِي وَتَجْدِيدِ الرُّوح الْقُدُسِ، الَّذِي سَكَبَهُ بِغِنًى عَلَيْنَا بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ مُخَلِّصِنَا“ (تي 3: 5 و6).

اليوم، نحن الّذين أُعطينا نعمة المعموديَّة علينا أن نحيا بموجبها. ”لأَنَّنَا كُنَّا نَحْنُ أَيْضًا قَبْلًا أَغْبِيَاءَ، غَيْرَ طَائِعِينَ، ضَالِّينَ، مُسْتَعْبَدِينَ لِشَهَوَاتٍ وَلَذَّاتٍ مُخْتَلِفَةٍ، عَائِشِينَ فِي الْخُبْثِ وَالْحَسَدِ، مَمْقُوتِينَ، مُبْغِضِينَ بَعْضُنَا بَعْضًا“ (تي 3: 3)، أمّا الآن فلا نستطيع أن نكمّل في طريقنا السّالفة بل علينا أن نقبل التّجديد في الرُّوح القدس المنسكب علينا بالمسيح لكي نسلك كأبناء الملكوت في العالم ونكون متغيِّرين عن عتاقتنا وحاملين حياتنا الجديدة في المسيح نورًا لخلاص العالم.

على المسيحيّين أن ”يَكُونُوا مُسْتَعِدِّينَ لِكُلِّ عَمَل صَالِحٍ، وَلاَ يَطْعَنُوا فِي أَحَدٍ، وَيَكُونُوا غَيْرَ مُخَاصِمِينَ، حُلَمَاءَ، مُظْهِرِينَ كُلَّ وَدَاعَةٍ لِجَمِيعِ النَّاسِ“ (تي 3: 1 و2). هذا ما أتى يسوع ليهبنا إيّاه فيه، فمعموديّته هي لكي يقدِّسنا ويطهِّرنا بواسطة ”غسل الماء بالكلمة“ (أف 5: 26). نصير ”خليقة جديدة“ (2 كو 5: 17) بولادتنا في المسيح من الماء والرُّوح ونسلك في ”جدّة الحياة“ (رو 6: 4) باستمرار غسلنا وتطهيرنا بعيش كلمة الله وحفظها أساسًا لحياتنا في التَّوبة والصَّلاة والتَّضحية والعطاء وأعمال البّرّ واقتناء الفضيلة…

ومن له أذنان للسَّمع فليسمع…

+ أنطونيوس

مـتروبوليــت زحلة وبعلبك وتوابعهـما

طروباريّة القيامة (باللَّحن السّادس)

إِنَّ القوَّاتِ الملائِكِيَّة ظَهَرُوا على قبرِكَ الـمُوَقَّر، والحرَّاسَ صَارُوا كَالأَموات، ومريمَ وَقَفَتْ عندَ القَبْرِ طَالِبَةً جَسَدَكَ الطَّاهِر، فَسَبَيْتَ الجَحِيمَ ولَمْ تُجَرَّبْ مِنْهَا، وصَادَفْتَ البَتُولَ مَانِحًا الحَيَاة، فَيَا مَنْ قَامَ مِنْ بَيْنِ الأَمْوَاتِ، يَا رَبُّ المَجْدُ لَك.

طروباريّة قطع رأس يوحنّا المعمدان (اللّحن الثّاني)

تذكار الصِّدِّيقِ بالمَديح، أمّا أنتَ أيّها السّابق فتَكفيكَ شهادَةُ الرَّبّ، لأنّك ظهرتَ بالحقيقة أشرف من كلّ الأنبياء، إذ قد استأهلتَ أنْ تُعمِّدَ في المَجاري مَنْ قد كُرِزَ به. ولذلك إذ جاهدتَ عن الحقّ مسرورًا، بشّرتَ الّذين في الجحيم بالإله الظّاهر بالجسد، الرّافعُ خطيئة العالم، والمانحُ إيّانا الرّحمة العظمى.

طروباريّة الظّهور (باللَّحن الأوّل)باعتمادكَ يا ربُّ في نهرِ الأردن ظهرَتِ السَّجدَةُ للثّالوث، لأنّ صوتَ الآبِ تقدَّمَ لكَ بالشّهادة مُسمِّيًا إيّاكَ ابنًا محبوبًا، والرُّوح بهيئةِ حمامة يؤيِّدُ حقيقة الكلمة. فيا مَن ظهرتَ وأنرتَ العالم، أيُّها المسيحُ الإلهُ، المجدُ لك.

الرِّسَالة(أع 19: 1-8)

 يفرحُ الصِّدِّيقُ بالرَّبّ       

استمِع يا الله لِصَوتي

في تلك الأيَّام حدث، إذ كان أبُلُّوس في كُورِنثوس، أنَّ بولُسَ اجتازَ في النَّواحي العالية وجاءَ إلى أفسس. فوجَدَ بعضًا منَ التَّلاميذ، فقالَ لهم: هل أخذْتُم الرُّوح القدُس لمَّا آمنَتُم؟ فقالوا لهُ: لا، بل ما سَمِعنا بأنَّهُ يوجَدُ روحُ قدُسٍ. قال: فبأيّةِ معموديّة اعتمدتُم؟ فقالوا بمعموديّةِ يوحنَّا. فقالَ بولُسُ: إنَّ يوحنَّا عمَّدَ بمعموديّةِ التَّوْبةِ قائلًا للشَّعبِ أنْ يؤمِنوا بالَّذي يأتي بعدَه أي بالمسيح يسوع، فلمَّا سمِعوا اعتمَدوا باسم الرَّبِّ يسوع. ووضعَ بولسُ يدَيه عليهم فحَلَّ الرُّوح القدُسُ عليهم. فطفقوا يتكلَّمون بلغاتٍ ويتنبّأُون؛ وكانوا كلُّهم نحوَ اثني عشَرَ رجلًا. ثمَّ دخلَ المجمعَ وكان يُجاهِر مُدَّةَ ثلاثَةِ أشهرٍ يفاوِضُهم ويُقنِعُهم بما يختَصُّ بملكوتِ الله.

الإنجيل(يو 1: 29-34)

في ذلك الزَّمان رأى يوحنّا يسوعَ مُقبِلًا إليه فقال: هُوَّذا حَمَلُ الله الَّذي يَرْفَعُ خطيئة العالم. هذا هو الَّذي قُلْتُ عنهُ إنَّهُ يأتي بعدي رجلٌ قد صار قبلي لأنَّهُ مُتَقَدِّمي. وأنا لم أكُن أعرفُهُ، لكنْ لكي يظَهر لإسرائيل لذلك جئتُ أنا أعمّدُ بالماءِ. وشهد يوحنّا قائلًا: إنّي رأيتُ الرُّوح مثلَ حمامةٍ قد نزَلَ من السَّماءِ واستقرَّ عليهِ. وأنا لم أكُن أعرِفُهُ، لكنَّ الَّذي أرسَلَني لأُعمِّدَ بالماءِ هو قال لي: إنَّ الَّذي ترى الرُّوح ينزِلُ ويستقرُّ عليهِ هو الَّذي يُعمِّدُ بالرُّوح القدس. وأنا قد عاينتُ وشهِدتُ أنَّ هذا هو ابنُ الله.

حول الرّسالة

(١) : النَّواحي العالية مِن آسيا الصُّغرى (تركيَّا حاليًّا) هي غلاطية وفريجيّة. بولس الرَّسول يأتي إلى أفسس ويمكث عند أكيلّا وبرسكِللا في منزلهما. ومِن هناك ينطلق للتَّبشير والكرازة.

(٢-٧) : بولس الرَّسول وَجَد إخوة تلاميذ مبتدئين يعرفون معموديّة يوحنّا المعمدان فقط. هذا الأمر دفعه إلى تبشيرهم بالرَّبِّ يسوع فتجاوَبوا وآمَنوا واعتَمَدوا. ثمّ وَضَع عليهم يَدَه فَحَلَّ الرُّوح القُدُس (سِرّ المَيْرون حاليًّا) وصاروا يتكلَّمون بأكثر من لغة ويتنَّبأون. هذه الأمور كانت نتيجة حلول الرُّوح القدس على المعتمدين وكان عددهم ١٢. هذا الرَّقم يُذَكِّرنا بأسباط اسرائيل الإثنَيْ عَشَر  في العهد  القديم، وبتلاميذ الرَّبّ يسوع في العهد الجديد. بولس يُفهِّمهم أنَّ معموديَّة يوحنَّا كانت تحضيرًا وتمْهيدًا بالتَّوبة والاستعداد اللَّائق لِمَجيء المُخَلِّص المُنْتَظر الَّذي سيُعَمِّد بالرُّوح والحَقّ كُلَّ تابعيه. هذه المعموديَّة المَرْجُوَّة هي الَّتي قَصَدها السَّيِّد المَسيح في حديثه مع نيقوديموس التِّلميذ اللَّيليّ مبيّنًا له أنَّ الوِلادة من فوق هي المطلوبة والضَّروريّة للخَلاص. الوِلادَة مِنَ الرُّوح أسمى بكثير من الولادة بالجسد .

(٨): بولس الرَّسول كعادته يدخل أوَّلًا إلى المجمع اليهودِيّ ليُبشِّر وينقل إلى المستمعين كلّ ما هو نافع لخلاصهم رافعًا أذهانهم وعقولهم إلى ملكوت الله “أطلبوا أوَّلًا ملكوت الله وبرّه والباقي كلَّه يُزاد لكم” (متى ٣٣:٦) .

سنة الرّبّ الجديدة

يحتفل العالم في الأوّل من شهر كانون الثّاني بعيد رأس السّنة الميلاديّة في حين أنّ الكنيسة، الّتي تعيّد لعيد رأس السّنة في الأوّل من شهر أيلول، تعيّد في هذا اليوم لعيد ختانة الرّبّ يسوع المسيح في اليوم الثّامن من ميلاده، إضافةً إلى عيد القدّيس باسيليوس الكبير رئيس أساقفة قيصريّة كبادوكية.

لكنّ نظرةً إلى هذا العيد الزّمنيّ الواقع بعد عيد ميلاد الرّبّ يسوع المسيح تجعلنا نتأمّل في المعنى الأعمق لهذا العيد الّذي تشدّد عليه الكنيسة، ألا وهو علاقة الزّمن مع حياتنا الرُّوحيّة.

كان البشر قبل المسيح ينظرون إلى الزّمن على أنّه شيءٌ متواتر، دون بدايةٍ ونهايةٍ، مثل ولادة النّاس وموتهم، وشروق الشّمس وغروبها. مع المسيح بدأ العالم يرى الزّمن على أنّه ذو بدايةٍ ونهايةٍ، لا بل وأنّ للزّمن هدفًا ومعنى. فالزّمن سينتهي في يوم الدّينونة والقيامة العامّة عندما يعود يسوع ويقوم الأموات وندخل في وجودٍ جديدٍ أي الأبديَّة، وهذه هي النّهاية.

لقد أرسل الله ابنه ليخلّص الزّمن ويخلّصنا ويكرز بسنة الرّبّ المقبولة. أي أنّ الزّمن مهمٌّ وأُعطِي لنا من أجل خلاصنا، أي لنستخدمه كي نقترب من الله. لذلك لدينا أزمنةٌ ومواسم للأعياد والأصوام لكي نفتدي الوقت ونشترك في “هذه السّنة المقبولة”.

إذًا السّؤال المطروح هو: هل سأستخدم هذا الوقت لأقترب أكثر من الله وبالتّالي من الحياة الأبديّة في المسيح أو سأختار الحياة الأرضيّة؟

يبدو أنّنا في القرن الحادي والعشرين المعاصر نملك أكثر وأكثر من كلّ شيءٍ، ومع ذلك نشكو من نقص الوقت. لكن هل نستخدم الوقت بحكمة؟ هل سنفتدي الوقت مقدّسين إيّاه ومقدّمينه إلى الرّبّ بشكرٍ وامتنانٍ أو سنهدره على مختلف أنواع التّشتيتات والتّسليات الطّائشة؟

لا نضيّعنّ الوقت في هذا الزّمن بالتّحديد. لنصنعنّ بدايةً جديدةً متّخذين لنا أساسًا قول القدّيس هرمان الّذي من ألاسكا منير أميركا الشّماليّة: “من أجل مصلحتنا ومن أجل خلاصنا، لنأخذ على الأقلّ عهدًا على أنفسنا بأنّنا من هذا اليوم، من هذه السّاعة، من هذه الدّقيقة، سنجاهد فوق كلّ شيءٍ آخر كي نحبّ الله ونتمّم مشيئته المقدّسة”.

المسرَّة الإلهيّة والحبّ الإنسانيّ

“هذا هو ابني الحبيب الَّذي به سررت”

 “مبارك الآتي باسم الربّ، الله الربّ ظهر لنا”، هذه هي التّرنيمة في عيد الظُّهور. وهي تهلّلٌ بأمرَين: بظهور الله لنا، ولكن أيضاً بالآتي باسم الربّ؛ الإنسان- الإله؛ يسوع المسيح.

عيد الظُّهور، لم يظهر فيه الله للإنسان فقط، ولكن ظهر فيه “الإنسان” لله أيضًا. لقد ظهر الإنسان الَّذي به، بالنّهاية، سُرَّ قلب الله. إنّه الابن والإنسان الحبيب الَّذي به ارتضى الله وسُرَّ.

لقد ظهر كيف تتحقّق مسرّة الله. لقد ظهرت الصورة التي يجب علينا أن نكون عليها ليسرّ الله بنا. لقد ظهر الإنسان: “هذا هو الإنسان”! لقد ظهر الإنسان الَّذي ينتظره الربّ، فمبارك الآتي باسم الربّ.

وأجمل نداء يوجهه الله الآب، إلى الإنسان الَّذي يرتضي به، كان: “ابني الحبيب”. فالله محبّة. والله لا يحبّ واحداً دون آخر، ولا يميّز في حبه شخصاً عن سواه. لكن الابن الحبيب من الآب هو بالذات الابن الَّذي يحبّ هذا الآب. إذن فرادة الصورة الإنسانيّة التي ظهرت وترضي القلب الإلهيّ أنّها ليست المثل لصورة الإنسان المحبوب من الآب السماويّ، فهذه صورة كلّ إنسان خلقه الله، بمقدار ما هي صورة الإنسان الَّذي يحبّ الآبَ السماويّ إلى النهاية، ويحبّه حتّى الموت، موت الصليب.

الله محبّة أزلياً وللجميع، فهو يُمطر على الأبرار والأشرار وهذا ظاهر منذ البداية. ولكن ما يجب أن يظهر هم المسيحيّون على صورة المسيح الَّذي يجيب على الحبّ الإلهيّ الأبويّ الكامل بالحبّ الإنسانـيّ البنويّ الكامل. الآب المحبّ ظاهر، والابن الإنسان الَّذي يمكن أن ُينادى من الآب بـ”ابني الحبيب” والمحبّ يجب أن يظهر.

عيد الظُّهور يظهر فيه الثالوث الأقدس كحياة الحبّ الإلهيّ، وتظهر مسرّة الآب بالأبناء المحبوبين له. إنّها صورة يسوع الَّذي أجاب على الحبّ الإلهيّ الكامل بالحبّ الإنسانـيّ الكامل. فالله لا يُسرّ إلى أن يعود الجميع ويحيون (معه). هذا هو الشوق الإلهيّ والرضوان. العصور حاول الناس، مسيحيّين وغير مسيحيّين، أن يرضوا الله كلّ بحسب إيمانه. ولقد قدَّم الناس عموماً للآلهة تقدّمات وعبادات في سبيل إرضائها، وذلك حسب فكرتهم عن هذه الآلهة. في الكتاب المقدس اشتهر آباء العهد القديم بحفظهم للوصايا حتّى الحرف، وقدّموا التقدّمات والعبادة والمحرقات والذبائح علامة مصالحة مع الله واسترضاء له. لكن الأنبياء مرّات عديدة أعلوا الصوت أن الله لا يرضى بمحرقات ولا يُصالَح بتقدّمات، التوبة هي المصالحة والذبيحة لله هي الروح المنسحق.

إنّ الله محبّة ويريد أولاده دائماً محبوبين، “أحباء”. العلاقة بيننا وبين الله لا يمكنها أن تكون الخوف ولا المصلحة بل المحبّة. “الله الربّ ظهر لنا” ولذلك ما ينتظر منّا هو أن نقابله المحبّة. إن الأصوام والصلوات والإحسان والمساهمات ما كانت وكلّ ما نسميه فضائل مسيحيّة ليست بضروريّة لله، ولكنّها ضروريّة لنا، ليس لنقدّمها فدية أو كفّارة! حاشى، فالله ليس بالمحاسب ولا بالقاضي. الله هو الآب المحبّ. لذلك كلّ هذه الفضائل ضروريّة لنا كأدوات تجعل قلبنا يحبّ الله. الفضائل ممارسات ليس لها قيمة بذاتها وإنّما قيمتها بمقدار ما تجعل قلبنا القاسي ليِّناً وبمقدار ما تحوّل حبّنا من المتبدّلات إلى الواحد الَّذي الحاجة إليه وجه الآب السماويّ.

نصوم لنحبّ الله، نصلّي للأمر ذاته، نحسن لهذه الغاية… أيّة فضيلة لا تقود إلى زيادة حبّنا لله وعشق وجه ربّنا يسوع المسيح هي أتعاب دون ثمر.

الله يحبّ ويُراد أن يحبّ منّا وبهذا خلاصُنا. الله سُرّ لما استطاع أن ينادي ابنه الوحيد “بالحبيب” الَّذي به يسرّ. وينتظر أن ينادينا بالاسم ذاته. “الله الربّ ظهر في عيد الظُّهور كآب محبّ. ولنا في هذا العيد أن نصلّي بالمقابل لنكون أبناء له محبّين وبالتالي يليق بنا اسم “الحبيب” أيضاً، الَّذي نرجو أن يُسرّ به قلب الله الآب الأب. آميــن

أنقر هنا لتحميل الملفّ

مواضيع ذات صلة