Menu Close

نشرة كنيستي- الأحد قبل عيد ميلاد ربّنا يسوع المسيح (أحد النِّسبة)- العدد 51

22 كانون الأوَّل 2024

كلمة الرّاعي 

ميلاد عِمَّانوئيل

“هُوَذَا الْعَذْرَاءُ تَحْبَلُ وَتَلِدُ ابْنًا، وَيَدْعُونَ اسْمَهُ «عِمَّانُوئِيلَ» الَّذِي تَفْسِيرُهُ: اَللهُ مَعَنَا” (مت 1: 23)

البَشَرِيَّة كانت تَحْيَا في انتظار الله مُخَلِّصِها، والوَعْد كان للإنسان الأوَّل أنَّ الَّذي سيَسْحَق رأس الحيَّة يأتي (راجع تك 3: 15). هو وَعد لكُلِّ البَشَرِيّة اختار الله أنْ يُتَمِّمه مِنْ خِلال الشَّعب العِبْرَانيّ سليل إبراهيم خليل الله والَّذي جُدِّد له الوَعْد والعَهْد من الله (ر اجع تك 12: 3) ولِسُلالَته من بعده. وَعْدُ الله كان أنّه هو نفسه سيأتي لِيَسْكُنَ بين النَّاس، وهذا ما قاله إشعياء النَّبيّ: “وَلكِنْ يُعْطِيكُمُ السَّيِّدُ نَفْسُهُ آيَةً: هَا الْعَذْرَاءُ تَحْبَلُ وَتَلِدُ ابْنًا وَتَدْعُو اسْمَهُ «عِمَّانُوئِيلَ” (إش 7: 14). البشريّة كلّها كانت تنتظر تحقيق هذا الوعد الَّذي تمّ “لَمَّا جَاءَ مِلْءُ الزَّمَانِ، (و) أَرْسَلَ اللهُ ابْنَهُ مَوْلُودًا مِنِ امْرَأَةٍ، مَوْلُودًا تَحْتَ النَّامُوسِ، لِيَفْتَدِيَ الَّذِينَ تَحْتَ النَّامُوسِ، لِنَنَالَ التَّبَنِّيَ” (غل 4: 4 و5). غاية الولادة للطِّفل الإلهيّ مِنَ البَتول مريم هو أنْ نَصيرَ أبناءَ الله بالتَّبنّي في المسيح يسوع. هذا هو مشروع الله الخلاصيّ لخليقته، إنّه يريد أن يُتْحِدَها فيه ليمنحها أن ترِثَهُ أي أن تقتني حياتَه الأبديَّة بالنِّعْمَة…

*       *       *

المسيح وُلِد “وَالْكَلِمَةُ صَارَ جَسَدًا وَحَلَّ بَيْنَنَا، وَرَأَيْنَا مَجْدَهُ، مَجْدًا كَمَا لِوَحِيدٍ مِنَ الآبِ، مَمْلُوءًا نِعْمَةً وَحَقًّا” (يو 1: 14). التَّلاميذ رأوْا وعاينوا ولمسوا وشَهِدوا (راجع 1 يو 1: 1)، فشهادتهم حقّ لأنّها شهادة خبرة وعِيان ويَقين، وثمرة شهادتهم هم الَّذين آمنوا ويؤمنون وسيؤمنون بيسوع المسيح ربًّا ومخلِّصًا… طفل المغارة غيّر وجه الكون والخليقة، ومازال وسيستمرّ إلى أن يأتي يوم حضوره “بمجد لِيَدين الأحياء والأموات”. الآن في عيد الميلاد يأتينا طفلًا متواضعًا فقيرًا يوضع في مذود تُدفئه البهائم، هذا من جهة، ومجده يُستعلن للرِّعاة والمجوس من جهةٍ أخرى. التَّواضع أكليل مجده والعَذراء كُرْسيّ عرشه والرُّعاة والمجوس والبَهائِم رمز رعيّته. هو سيّد كلّ الخليقة، ويأتي لكلّ البشريّة اليَهود والأمم، وها هم مجتمعون حول مذوده الحقير يسبِّحون الله ويمجِّدُونَه ويعترفون بأَنَّهُ “يُولَدُ لَنَا وَلَدٌ وَنُعْطَى ابْنًا، وَتَكُونُ الرِّيَاسَةُ عَلَى كَتِفِهِ، وَيُدْعَى اسْمُهُ عَجِيبًا، مُشِيرًا، إِلهًا قَدِيرًا، أَبًا أَبَدِيًّا، رَئِيسَ السَّلاَمِ. لِنُمُوِّ رِيَاسَتِهِ، وَلِلسَّلاَمِ لاَ نِهَايَةَ عَلَى كُرْسِيِّ دَاوُدَ وَعَلَى مَمْلَكَتِهِ، لِيُثَبِّتَهَا وَيَعْضُدَهَا بِالْحَقِّ وَالْبِرِّ، مِنَ الآنَ إِلَى الأَبَدِ” (إش 9: 6 و7). ملك السَّلام أتى وصار الكلّ به مدعوًّا إلى بنوّة الله وتشكيل شعبه…

*       *       *

أيُّها الأحبَّاء، إنَّ عيد الميلاد ليس حدثًا تاريخيًّا وحسب، بل هو النّقطة الفاصلة في التَّاريخ، فما قبل المسيح ليس كما بعده، المسيح نقل البشريّة والكَوْن إلى مرحلة جديدة وإلى تحقيق غاية الخلق، إذ به وفيه يتجدّد كلّ مَنْ وما هو مخلوق. الإنسان الجديد أتى والعتيق مضى، “إِذًا إِنْ كَانَ أَحَدٌ فِي الْمَسِيحِ فَهُوَ خَلِيقَةٌ جَدِيدَةٌ: الأَشْيَاءُ الْعَتِيقَةُ قَدْ مَضَتْ، هُوَذَا الْكُلُّ قَدْ صَارَ جَدِيدًا” (2 كو 5: 17). مع ميلاد طفل المغارة الإلهيّ فلنُولَد معه على صورته بمشيئتنا إذ نطيعه ونصنع مشيئته، فمن يؤمن بالمسيح يسوع مخلِّصًا يخلع، كما يوصي الرَّسُول بولس أهل أفسس في الإصحاح الرَّابع من رسالته إليهم، “مِنْ جِهَةِ التَّصَرُّفِ السَّابِقِ الإِنْسَانَ الْعَتِيقَ الْفَاسِدَ بِحَسَبِ شَهَوَاتِ الْغُرُورِ” (22) ويعمل على التَّجدُّد بروح ذهنه (23) أي جوهر تفكيره ومنطلقاته ومبادؤه مصدرها كلمة الرّبّ وروحه القدّوس، ويلبس ” الإِنْسَانَ الْجَدِيدَ الْمَخْلُوقَ بِحَسَبِ اللهِ فِي الْبِرِّ وَقَدَاسَةِ الْحَقِّ” (24). التَّغيير الَّذي يحصل في المؤمن بالمسيح هو تغيير كيانيّ وجوهري، طبيعته كإنسان تتغيَّر عن شكل آدم العتيق الأوَّل وهي تقتني قوّة آدم الجديد الثَّاني أي نعمة الرُّوح القدس الَّذي يمنح المؤمن تحقيق الكلمة الإلهيّة وتجسيدها حياة جديدة في العالم القديم الَّذي نعيش فيه والمنتظر خلاص الله، “لأَنَّ الْخَلِيقَةَ نَفْسَهَا أَيْضًا سَتُعْتَقُ مِنْ عُبُودِيَّةِ الْفَسَادِ إِلَى حُرِّيَّةِ مَجْدِ أَوْلاَدِ اللهِ. فَإِنَّنَا نَعْلَمُ أَنَّ كُلَّ الْخَلِيقَةِ تَئِنُّ وَتَتَمَخَّضُ مَعًا إِلَى الآنَ…” (رو 8: 22).

المسيح وُلد ونحن نولد معه بنعمة روحه القدُّوس الَّذي سكبه علينا، لكي يَلِد بنا عالمه الجديد الَّذي هو الكنيسة جسده وتجسيد حبّه وفرحه وسلامه ومجده في هذا العالم. “نظام العالم الجديد” (New World Order) هو المحبّة الإلهيّة، وليس شيئًا آخَر، الَّتي هي سِرُّ الله الثَّالوث والَّتي كشفها لنا وجسّدها الله الآب بالابن المتجسِّد، في الرُّوح القدس، وكلّ ما عَدا ذلك عتيقٌ بعتيق، ومَن لم يعرف يسوع المسيح مازال فِي الظُّلْمَةِ وفِي أَرْضِ ظِلاَلِ الْمَوْتِ (إش 9: 2)…

المسيح وُلِدَ والله معنا، فلنمجّده في حياتنا وأعمالنا وأقوالنا شاهِدِين لحَقِّه وناقلين لِنُورِه وحامِلين لحُبِّه، لِيَصير العالمُ مَكانًا أفضل…

+ أنطونيوس

متروبوليت زحلة وبعلبك وتوابعهما

مواضيع ذات صلة