نشرة كنيستي- أحد عيد ميلاد ربّنا وإلهنا ومخلّصنا يسوع المسيح- العدد 52
25 كانون الأوّل 2022
كلمة الرَّاعي
ميلاد شمس العدل
”اَلشَّعْبُ السَّالِكُ فِي الظُّلْمَةِ أَبْصَرَ نُورًا عَظِيمًا. الْجَالِسُونَ فِي أَرْضِ ظِلاَلِ الْمَوْتِ أَشْرَقَ عَلَيْهِمْ نُورٌ“ (إش 9: 2)
البشريّة قبل ميلاد يسوع المسيح كانت تعيش في ”أرض ظلال الموت“، وللموت ظلالٌ كثيرةٌ منها الظّلم وعتمة القلوب وأهواؤها العديدة من الأنانيّة إلى الكبرياء والتّسلّط وحبّ المال والتّــجبّر واستعمال القوّة لأجل تحقيق المصالح الشَّخصيّة على حساب المَساكين والشَّعب … والقائمة تطول.
هل تغيّر شــيء من هـــــذا بعـــد مجـــــيء المســـــــــيح؟!…
قد يقول البعض أنّ كلّ هذه الأمور ما زالت قائمة، والنّاس تتشكّى من الظُّلم والاستكبار والفساد … وهذا صحيح.
إذًا ماذا فعل المسيح؟ ألم يغيّر شيئًا في العالم؟ ألم تنوجد بشريّة جديدة فيه وبه؟…
* * *
تجسُّد ابن الله من الرُّوح القدس ومِنَ البتول مريم وميلاده منها جدَّد الطَّبيعة البشريّة وخلقها ثانيَةً فيه ومنه وبه. هذه ”الخليقة الجديدة“ (راجع غل 6: 15 و2كو 5: 17) تحقَّقت في يسوع المسيح وأُعطيَ للــــــــبـــشر أن يشتركوا فيها عبر اتّحادهم به، هذا الاتّحاد الَّذي يناله المؤمن في المعموديّة والميرون والمناولة والمشاركة في أسرار الكنيسة، هو قوّة كامنة تُفعَّل بمشيئة الإنسان وإيمانه الفاعل في الصَّلاة والصَّوْم وأعمال المحبّة. المسيح أعطانا ذاته بالرُّوح القدس وفيه، وهو قادر أن يفعل كلّ شيء بواسطتنا، إذ إنّ ”كلّ شيء مستطاع للمؤمن“ (مر 9: 23) وأيضًا فالمؤمن قادر على كلّ شيء بالمسيح الَّذي يقوّيه (راجع في 4: 13).
ميلاد المسيح حقَّق لنا كلّ شيء في ابن الله المتجسِّد، ”الخليقة الجديدة“ صارت محقَّقَة فيه ومُعطاة لمن يؤمن به ويطيعه.
* * *
المعرفة الحقيقيّة لله أُعطيت لنا بميلاد الرّبّ من البتول، لأنّ الإله كشف عن نفسه أنّه ”يحبّ خاصّته“ (راجع يو 1: 1 –18)، إذ ”الْكَلِمَةُ صَارَ جَسَدًا وَحَلَّ بَيْنَنَا“ (يو 1: 14). معرفة حبّ الله لخليقته هي نور المعرفة الّتي أتى المسيح ليضـيء بها حياتنا وخليقته قاطبة.
المعرفة الَّتي وثُبت لنا في المسيح هي كشف سرّ الله. الله ثالوث هو، آب وابن وروح قدس ثالوث متساوٍ في الجوهر وغير منفصل.
في المسيح عرفنا أنّ الله ليس قوّة غاشمة وليس طاغية، بل هو مُحِبٌّ للبَشَـر. مَنْ هم لله يصيرون على صورته. هذا يُعطى لهم في المسيح بنعمة الرُّوح القدس. وهم في الرُّوح القدس يَحْيَون حياة قداسة بواسطة المسيح الَّذي يقّويهم.
* * *
أيُّها الأحبّاء، ”أنتم نور العالم“ (مت 5: 14). حيث يكون المسيح هناك النُّور. حيث المسيح تُباد الظُّلمة. حيث المسيح هناك العدل والرّحمة والتّحنّن والتّعزية. حيث المسيح هناك الكنيسة وحيث الكنيسة هناك المسيح وحيث الَّذين للمسيح هناك المسيح والكنيسة والخليقة الجديدة.
ليكن ميلاد ربّنا ومخلّصنا يسوع المسيح فرصَةً لنا لنعود إليه لكي يعود إلينا. أن يبقى العالم في الظُّلمة وأن تزيد الظّلمة في العالم هذا دليلُ بُعْدنا عن المسيح. مطلوب منّا كمسيحيّين أن نغيِّر العالم لا أن يغيِّرنا العالم. مطلوب منّا أن نكشف سرّ الله للقابعين في ظلمة قبور نفوسهم المنتنة بالأهواء. مطلوبٌ منّا أن نكون قنوات النِّعمة في العالم. مطلوبٌ منّا أن نكون شهود الحقّ وشهدائه بإزاء طغيان الفاسدين من أفراد ومؤسَّسات. مطلوبٌ منّا أن نحمل للعالم رجاءً بحياةٍ جديدةٍ على صورة الَّذي أحبَّنا و ”بَذَلَ نَفْسَهُ لأَجْلِنَا، لِكَيْ يَفْدِيَنَا مِنْ كُلِّ إِثْمٍ، وَيُطَهِّرَ لِنَفْسِهِ شَعْبًا خَاصًّا غَيُورًا فِي أَعْمَال حَسَنَةٍ“ (تي 2: 14).
هكذا يولد المسيح فينا ونولد فيه، هكذا نُأَوِّن حثَّ الميلاد الخلاصيّ كلّ يوم من أيّام حياتنا…
ميلاد مجيد!…
+ أنطونيوس
مـتروبوليــت زحلة وبعلبك وتوابعهـما