Menu Close

نشرة كنيستي- أحد الشَّعانين- العدد 15

13 نيسان 2025

كلمة الرَّاعي

لِنَستقْبِلِ الرَّبَّ المُنتصِر

“أُوصَنَّا لابْنِ دَاوُدَ! مُبَارَكٌ الآتِي بِاسْمِ الرَّبِّ! أُوصَنَّا فِي الأَعَالِي!” (مت 21: 9)

انتظَرَ اليهود مئات السِّنين مَجيء “ابن داود” المخلِّص والـ “مسّيّا”، وعندما جاءَهُم صَلَبُوه. انتظرتْ البشريَّة منذ خَلْقِها مَجيء مُحرِّرها ومُقَدِّسِها ومُحَقِّقِها بحسبِ وَعْدِ حُبِّ الله، ولمّا جاءَ لم يَعْرِفوه، “إِلَى خَاصَّتِهِ جَاءَ، وَخَاصَّتُهُ لَمْ تَقْبَلْهُ” (يو 1: 11)، لذلك وَقعوا تحت الدَّينونة لأنَّ “النُّورَ قَدْ جَاءَ إِلَى الْعَالَمِ، وَأَحَبَّ النَّاسُ الظُّلْمَةَ أَكْثَرَ مِنَ النُّورِ، لأَنَّ أَعْمَالَهُمْ كَانَتْ شِرِّيرَةً” (يو 3: 19). لكنَّه لم يأتِ “لِيَدِينَ الْعَالَمَ، بَلْ لِيَخْلُصَ بِهِ الْعَالَمُ” (يو 3: 17).

استقبل اليَهود يسوع كَمَلِكٍ ظافِر في دُخولِهِ أورَشليم، بايَعُوهُ إذْ صَرَخُوا: “أُوصَنَّا! مُبَارَكٌ الآتِي بِاسْمِ الرَّبِّ! مُبَارَكَةٌ مَمْلَكَةُ أَبِينَا دَاوُدَ الآتِيَةُ بِاسْمِ الرَّبِّ! أُوصَنَّا فِي الأَعَالِي!” (مر 9: 9 و10)، وفَرَشُوا له ثيابهم وحَملوا أغصان النَّخيل مُهَلِّلين ومُرِتِّلين. بعدها، حين حانَتْ ساعَةُ الحقيقة صرخوا: “اصْلِبْهُ! اصْلِبْهُ!” (يو 19: 6، راجع ايضًا، لو 23: 21 ومر 15: 13 و14). لا يؤتَمَن الإنسان لأنّه يَخونُ بسُرْعَةٍ، هذا عَرَفَهُ يسوع منذ البدء لذلك “لَمْ يَأْتَمِنْهُمْ عَلَى نَفْسِهِ، لأَنَّهُ كَانَ يَعْرِفُ الْجَمِيعَ” (يو 2: 24).

*             *             *

ما موقفنا نحن اليوم من يسوع؟ هل هو مَلِكُنا وسَيِّدُ حياتَنا؟ كيف نجسِّدُ هذا الإيمان في يوميِّاتِنا؟ أنْ نُعَيِّدَ عيد الشَّعانين، أي أن نَفْرَحَ بالذِّكرى ونحتفل بها هو أمرٌ مبارَك شَرْطَ أنْ يكون لهذا العيد تحقيقٌ في حياتنا. لا يكفي أن نحضر القدَّاس والزِّيَّاح ونحمل أولادنا ونفرح بهم، هذا كلُّه مبارَك، لكنّ الأهمّ أنْ نَعيشَ مع يسوع ونحن مؤمنون أنَّه مَلِكنا أي أن نكون أمينين له ونسلمه كلّ حياتنا ونُطيعه في كلّ ما يطلبه منّا وأن نَسير وراءَه، وأنْ نُعَلِّم أبناءَنا أنّ مَسيرتَنا في هذا الزِّيَّاح هي مسيرة حياتنا وراء يسوع ملكنا والسَّيِّد الأوْحَد لنا، وأنَّ هذه المسيرة هي مَسيرةٌ في طاعته لأنَّنا نُحِبُّه ونُريدُه أنْ يَسودَ فينا لنَتَحَرَّر بِنَصْرِهِ على الشَّرِّير والموْت وتَتَحَقَّق غلبته فينا.

المسيح هو مَلِكُ السَّلام ولَيْسَ مَلِكُ الحُروب والخِصام والتَّشْويش، هو سَيِّدُ الحياة ومَنْبَعها، هو خالقنا برُوحِهِ القدُّوس كُلَّما تَبِعْنَاهُ حامِلينَ صليبَ حُبِّهِ إذْ نَتُوب عَنْ عَتاقتِنا ورَفْضِنَا للآخَر، هو أتى ليجعلَ النَّاس مُتَّحِدِين ومُتَوَحِّدين فيه، لأنَّ سَقْطَةَ آدَم الأوَّل ومَلِك الخليقة القديم فرَّقَتْ البَشَريّة وأدخَلَتْ العَداوة إلى قلوب البشر بالحَسَد، ولهذا قَتَلَ قايينُ هابيل. ما مَعنى أنْ نَهْتِفَ “هوشعنا لابن داود” إنْ لم نُرِدْ له أن ينتَصِر في قلوبنا وأن تغلب محبَّتُنا له كلّ تَعَلُّقٍ لكي يكون هو الأوَّل والكُلُّ فينا؟!…

*             *             *

يا مَلِكي وإلهي، تَعالَ… تَعالَ إلَيَّ!…، اُدْخُل إلى مدينتِكَ فِيَّ…، اِجعلْني لَكَ أورَشليمَ جديدة…، اِمْنَحْني أنْ أصيرَ صِهْيَون المباركة بحُضورِكَ وبنعمَتِكَ الإلهيَّة… أنْتَ مَلِكي وسَيِّدي وحَياتي، لا تَترُكْني في عُبودِيَّتي ولا تَصْرِف وَجْهَكَ عَنْ عَبْدِكَ فإنِّي حَزينٌ لأنَّ الخطيئة تَمَلَّكَتْ فِيَّ وقلبي صارَ مَسْرَحًا للشَّياطين، والأهواءُ تَلْعَبُ فيه وتبعث فَسادًا وألمًا ويأسًا وإلحادًا… كيف أستقبِلُكَ اليوم في هيكَلِكَ-قَلْبي وهو تَحْتَ الاحتلال وتَسودُ فيها قِوَى الشَّرّ والظُّلمة وأهواء الهَوان وصِغَر النَّفْس والشُّكوك، أدْخُل واطرُد منه الباعَة أي أفكارَ السَّعادَةِ الكاذِبَة واقلُب موائِدَ الصَّيارِفَةِ أي أوْهامَ الحُرِّيَّة بالمال والتَّسلُّط، أعطني أنْ أَسيرَ مع إخوتي نَحْوَكَ في استقبالِكَ مَلِكًا عَلَيْنا فَنَسْلُك دَرْبَك مَعَكَ إلى الجُلجلة، أعطني أنْ أُحِبَّ الَّذين لَكَ والَّذين لَيْسُوا لَكَ كما أنت علَّمْتَني مِنْ على صليبك، هَبْني أنْ أغْفِرَ واسْتَغْفِرَ وأن امتدَّ نَحْوَ إخوتي بالمحبَّةِ والبَذْلِ وروح التَّواضُع واللُّطف… أنت مَلِكُ الحَنان والمحبَّة الَّتي تَبْذُل نفْسَها عن أحِبّائِها، أنتَ السَّيِّدُ الَّذي لا يَرْفُضُ أحَدًا بل يُحِبُّ حتَّى الأعداء… يا سَيِّدي اِمْنَحِني أنْ أتْبَعَكَ في مَسيرِكَ إلى أورشَليم العُلْوِيَّة وأنْ أرْتَقِي وَرَاءَك على سُلَّم الفَضائِلِ بالموْتِ عن الأهواءِ واقْتِناء مثالِكَ بنعمَتِكَ حتَّى أصيرَ مُلتَصِقًا بك كخَيالِكَ من دونِ انْفصالٍ عنكَ فأتحرَّر وأعْرِفُكَ فِيَّ وفي وَجْهِ كلّ إنسانٍ وفي كلِّ خليقتِكَ ربَّ السَّلام ومَلِكَ المحَبَّة وفَرَحَ المسكونَة… فأصرُخُ مع أطْهارِ القُلوب والملائكة تَعالَ يا مُخَلِّصي، هوشَعْنا في العُلَى وعلى الأرض مِنَ الآنَ وإلى أبد الآبِدين…

+ أنطونيوس

متروبوليت زحلة وبعلبك وتوابعهما

مواضيع ذات صلة