نشرة كنيستي- الأحد (25) بعد العنصرة- العدد 48
26 تشرين الثّاني 2023
كلمة الرّاعي
في شروط ومعايير إعلان القداسة
وَصِيَّة الرَّبّ للمؤمنين هي: ”كُونُوا قِدِّيسِينَ لأَنِّي أَنَا قُدُّوسٌ“ (1 بط 1: 16). القداسة، إذن، دعوة كلّ مؤمن، وهي تَشَبُّهٌ بالله ”القدّوس“، كما هو واضح من الآية أعلاه. طبعًا، أنت لا تقدر أن تتشبّه بالله ما لم يُعْطِكَ هو القدرة على ذلك، وهذا ما نسمّيه سُكنى النِّعمة الإلهيّة وفعلها في الإنسان بالتَّآزر مع مشيئة الإنسان وطاقاته الطّبيعيّة.
أن تفعل النِّعمة في الإنسان يعني أنَّ روح الرّبّ السّاكن في هذا الأخير يُعطيه الصِّفات الإلهيَّة أي أن يختبر ما لله من ”صلاح“. وهذا الصّلاح الإلهيّ هو ما كشفه لنا الرَّبّ يسوع المسيح في حياته على الأرض وبعد صعوده إلى السّماوات ومنحنا إيّاه بإرسال الرُّوح القدس وتقديس الكَوْن والخليقة من خلال جسده الكنيسة.
الكنيسة هي مطرح تجلّي نعمة الله في العالم، وهي أيقونة ملكوت الدّهر الآتي. من هنا، المؤمن المولود من رحم الكنيسة أي جرن المعموديَّة يموت عن إنسانه القديم ويولد في ملكوت السّماوات، وبذلك يأتي العالم من فوق ومن الآخِرة…
* * *
القداسة هي عيش في النِّعمة وبواسطتها في المسيح الَّذي هو ملكوتنا وعالمنا الجديد وخالقنا في الحياة الجديدة. لكن، في العالم، يحيا الإنسان في حالة الضّعف بسبب أنّ البيئة الَّتي يعيش فيها ليست مُحرَّرة. من هنا، كرز الرَّبّ قائلًا: ”تُوبُوا وَآمِنُوا بِالإِنْجِيلِ“ (مر 1: 15)، أي أنّ التَّوبة مرتبطة بإيماننا بكلمة الرّبّ والعيش بمقتضاها…
القدِّيسون هم التّائبون أي المتطهّرون من خطاياهم والَّذين يُحاربون إبليس والأهواء في داخلهم لكي يُرضوا الله فيتحرَّروا من كلّ قيد، لأنّ الحقّ يحرِّرهم (راجع يو 8: 32). هذه المسيرة الرّوحيَّة الدّاخليَّة تتجلَّى في حياة القدِّيسين تُقًى وبرًّا أي كشفًا لثمار الرُوح القدس الَّتي هي ”مَحَبَّةٌ، فَرَحٌ، سَلاَمٌ، طُولُ أَنَاةٍ، لُطْفٌ، صَلاَحٌ، إِيمَانٌ، وَدَاعَةٌ، تَعَفُّفٌ“ (غل 5: 22—23).
الَّذين يسلكون درب القداسة يتميَّزون بطاعتهم للكلمة الإلهيَّة وللكنيسة، ولا يمكن أن يكونوا ممَّن يشكّلون عثرات للمؤمنين. قد يكونون خطأة كبارًا، لكن لا بُدَّ من تجلِّي توبتهم في حياتهم بشكل واضح. أيضًا، الَّذين يوجد تناقضٌ حول شخصهم في وجدان المؤمنين لا يمكن أن يُعتَبروا قدّيسين لأنّ من صفات القداسة أنّها مصدر للسَّلام والفرح في حياة الكنيسة.
في النّهاية الله هو من يكشف قديِّسيه الَّذين يريد لهم أن يُعلنوا، هو يحبِّب المؤمنين بهم ويجعلهم قِبْلَةً لطالبيه وتعزيةً للباحثين عنه وعلامةً لمحبّته وحنانه وقداسته في العالم…
* * *
المعايير الأساسيّة المطلوب فحصها في حياة من تدرس سيرتهم لإعلان قداستهم هي التّالية: الإيمان الأرثوذكسيّ، قداسة السّيرة، ونعمة الشّفاء وإقامة المعجزات بوجود رفات القدّيس أو بعدم وجودها (دليل ممكن توافره وليس شرطًا واجبًا). طبعًا، لا بُدّ من التّيقّن من دقّة المعلومات المتوافرة والأدلَّة حول المعايير الواردة أعلاه. لا ينبغي وجود تضارب في شأن حقيقة تجلَّي هذه الصِّفات في حياة من يُدرس ملفّه. من هنا كان لا بدّ من التّدقيق والتّمحيص في صحّة المعلومات المتوافرة وتأكيدها بالبراهين والشّهادات بشتّى الوسائل المُتاحة.
في حالة النُّسّاك والرُّهبان الأبرار، لا بُدَّ أن تقوم الكنيسةُ، بـفحصٍ دقيقٍ للشَّهادات الضَّروريَّة المُتوافِرَة حول مَنْ تُدرَس سيرتهم، وفي هذا الإطار يُشير القدِّيسُ أثناسيوس الَّذي من باروس (+1813م.) إلى التَّدبير المُعتَمَد لدراسة مثل هذه الحالات قائلًا: “بالنِّسبة إلى الأشخاص الَّذين ليست قداستهم معروفةً لدى الجميع، تقوم الكنيسةُ بفحصٍ دقيقٍ، وتتأكَّد مِنْ خلال حياة البارّ وعجائبه الَّتي مَجَّدَهُ الله بها، وتؤكّد للمسيحيّين في كُلِّ مكانٍ أنّ الأب الفلانيّ هو قدِّيس”.
في الخلاصة، القداسة هي دعوتنا جميعًا كمؤمنين مسيحيّين، وهي للكبار والصِّغار، للرِّجال والنِّساء، للعائلات والمتبتِّلين. علينا أن نبحث عن القدِّيسين لنلتصق بهم حتّى نتعلّم منهم ونرافقهم في الطَّريق إلى ملكوت السّماوات. الله حيٌّ وممجَّدٌ في قدِّيسيه الَّذين يستريح فيهم ويريح بهم المُتعَبين والثَّقيلي الأحمال والمُتألِّمين ويُشدِّد بهم الضُّعفاء ويَشفي المَرضى ويُقَوِّم المُنحرِفين ويفتح باب التّوبة للخاطئين…
ومن له أذنان للسَّمع فليسمع…
+ أنطونيوس
مـتروبوليــت زحلة وبعلبك وتوابعهـما