نشرة كنيستي- الأحد (1) بعد العنصرة (جميع القدّيسين)- العدد 26
30 حزيران 2024
كلمة الرّاعي
عيد جميع القدّيسين
الرُّوح القُدُس هو روح التَّقديس. والقداسة تَشَبُّه بالله. الرّبُّ الإله دعانا عند الخَلْق إلى السّعي للتّمثُّل به. الطّريق كان عبر طاعة الوصيّة الإلهيّة حُبًّا. طريق القداسة مَسيرَةُ حُرِّيّةٍ في الحُبّ. لا يستطيعُ الإنسان أن يَتقَدَّسَ مُجبَرًا، لأنّ الله محبَّة والمحَبَّة لا تفرض ذاتها على المحبوب بل تَمتَدُّ إليه بإفراغ الذّات من الأنا ليَصيرَ المـُحِبُّ مَسْكِنًا مُكَرَّسًا للمَحبوب…
* * *
الرَّبُّ الإله في ابنه “أفْرَغَ ذاتَهُ…” (فيليبّي ۲: ٥) لِيُسْكِنَ الإنسان فيه ويَسْكُنُ هو في الإنسان لتحقيقِ غاية الخلق ألا وهي الوَحدَة مع الله… هذا الإله- المحبّة سِرُّهُ لا يُدرَك لإنسان السّقوط المـُتَمَحوِر حول نفسه. هذا السِّرّ يُكشَف فقط لمـَن تتوَفَّر لديهم شروط نَقاوَة القَلب: “أحمَدُكَ أيُّها الآب رَبُّ السَّماءِ والأرضِ، لأنَّكَ أَخفَيْتَ هذِهِ عنِ الحُكَمَاءِ والفُهَمَاءِ وأَعْلَنتَها للأطفال…” (متّى ١١: ۲٥). فقط أنقياء القلوب أي أصحاب طهارَة النِّيَّة والفِكِر يستطيعون أن يُدرِكوا سِرَّ الله في الإنسان لأنّهم ببساطَةِ روحِهم قادرون أن يُطيعوا الله في وَصاياه حُبًّا وليس خَوفًا.
* * *
لماذا نُعَيِّد اليوم لجميعِ القدِّيسين؟!… لأنّ الكثيرين من الَّذين تنطبِق عليهم التّطويبات نُصادِفُهُم في يوميّاتنا ولا نعرفهم، إذ يظُنُّ النّاس أنّ القداسَة مُرتبطَةٌ بالمـُعجزات الظّاهرة والعَجائب الباهِرَة… القَداسَة عند الله سيرة حياةٍ في البساطَة وعدم صنع الشَّرِّ والسُّلوك في المحبَّة المـُعبَّر عنها في بساطَةِ الحياة اليوميّة.
كثيرون من آبائنا وأمّهاتِنا وأجدادِنا وجدّاتِنا كانت لديهم هذه البَساطَة في الحياة والرِّضى والاتّكال على الرَّبّ. العَجيبة الحقيقيّة هي أنْ لا يتعلّق الإنسان بِمَجْدِ العالم، بل أن يطلب خبزه اليوميّ من الله وأن يَحيا كلّ يوم بيومِهِ في هذا الاتّكال الثّابِت على الله والثّقَة الكُلِّيَّة بعنايَتِهِ والتَّسليم بِمَشيئة…
* * *
أيُّها الأحبّاء، السّيرة المـَرْضِيَّة لدى الله هي المحَبَّة البّريئة من حُبِّ الذّات أي الَّتي لا تطلب ما لنَفسِها بل تَسعى لِتُتَمِّم ما يطلبُهُ الله منها. إنّها محبَّةٌ خاليةٌ مِنَ الحَسَدِ والدَّينونَة والاستكبار… إنّها امتدادٌ صادِقٌ نحو الآخَر للخِدمَة دون أيّةِ غايَة داخليّة أو خارجيّة، هي نِيَّة صافِيَة صادِقَة مَملوءَة بالخير لكُلِّ مَخلوق، ورَغْبَة حقيقيّة في اتّباعِ المسيح يسوع في دَرْبِ صَلْبِ العَتاقَة وكلّ تعلُّقٍ مَرَضيّ بالذّات وبِمَنْ نُريدُهُم أخِصَّاء. إنّها نَبذٌ لكُلِّ هوًى أو شهوة تفصلنا عن محبَّةِ المسيحِ أوّلًا…
القَداسَة عمقٌ سَحيق لا قرار له من التّواضُع المـُتأتّي بنعمَةِ الرُّوح القُدُس من طاعَةِ الكلمة الإلهيَّة المـُتَجَسِّدة حياةً في المسيحِ الإنسان بطاعَةِ الحُبِّ في الإله الآب وسط الكنيسة جسد يسوع المـُمَجَّد بعد عبورِه بالصّليبِ سافِكًا دمَهُ الكَريم في كأسِ العهد الجديد وباذِلًا جسدَهُ مَكسورًا في الخبز الجامِعِ للخَليقَة والبَشَر في وَحدَةٍ مع الإله المـُثَلَّث الأقانيمِ بالابن في الرُّوحِ القُدُس “الرَّبّ الصّالِح والصّانِع الحياة” جديدة بقيامَةِ المسيحِ للوجودِ الثّابِت والدّائم والمستمِرّ في ملكوت السّماوات…
طريقُ القَداسَةِ واضحٌ وبَسيط يَعرِفُهُ الأطفال في الشَّرِّ والنّاضِجون في المحبَّة…
ومَن استطاع أن يقْبَل فَلْيَقبَل…
+ أنطونيوس
متروبوليت زحلة وبعلبك وتوابعهما