نشرة كنيستي- أحد ختانة ربّنا يسوع المسيح- العدد 1
01 كانون الثّاني 2023
كلمة الرّاعي
عيد الزَّمَن الجديد
“ها أنا اصنع كلَّ شيءٍ جديدًا”
مَنْ يُقدّر هبة الحياة يفرح بها على الدَّوام لأنّها عطيّة الحبّ الإلهيّ غير المشروط للبشر. مَنْ يعرف هذا يحتفل بعطية الوجود على الدّوام في الشُّكران والتَّمجيد. في المسيح يسوع الحياة تجدُّد دائم بالرُّوح القدس الصَّالح والمُحيي.
يُقْبِل علينا عيد رأس السَّنة الزَّمنيّة، والبشر يبتهجون ويحتفلون منتظرين “مِنَ الغَيْب” أن يحصل أمر حسن لحياتهم. حتّى المؤمنون ينجرفون أحيانًا في انتظارات تأتيهم من الصّدفة والحظّ. وكأنّ مرور الزّمن بِحَدِّ ذاته يَجْلُب معه ما يجلب دونما دور للإنسان. هذه هي خدعة إبليس بأن يجعل النّاس يبنون حياتهم على التّوقّعات وليس على العمل الجِدّيّ والتّخطيط والاجتهاد والمثابرة مع الاتّكال على الرّبّ.
* * *
ما الجديد الَّذي يتوق إليه الإنسان؟ ما الَّذي يطلبه من متابعته حركة الزّمان وتغيُّر التّواريخ؟ لا شكّ أنّ الإنسان يطلب الأفضل لحياته وربّما لبلاده وللعالم. هذا أمر جيّد وممدوح. لكن من أين يأتي الخير؟ مَنْ هو القادر على تغيير ما هو أكبر منه أو ما يفوق طاقاته وقدراته؟ مَنْ القادِر أنْ يُجَدِّد الرَّجاء في نفسه بحياةٍ أفضل؟ وما هي الحياة الأفضل؟ كلّ هذه الأسئلة إمّا يتعاطاها الإنسان بالاجتهاد والإيمان أم بواسطة الانتظار السّلبيّ لتوقّعات الحظّ.
من أين يأتي التّجدُّد في حياتنا وحياة العالم؟ مِنْ روح الرَّبّ. الرُّوح القدس يُجَدِّدنا بالتّوبة. التّوبة موتٌ وقيامة، ولادة جديدة من فوق بـ “الماء والرُّوح”، بالدُّموع والنِّعْمَة الإلهيّة. مَنْ لا يريد أن يتوب لا يريد أن يصير “خليقة جديدة”. مَنْ يَتوب يغيِّر اللهُ به الكون أجمع، يصير هو أيقونة الرَّجاء في زمن البلاء.
* * *
أيُّها الأحبّاء، المؤمن يتجدَّد باستمرار إذا كان توّابًا، حركة حياته دومًا ارتقائيّة صعوديَّة، لأنّ خبرة التّوبة تمنحه قوّة الإيمان في خبرة عمل الله فيه. مَنْ يَحيا هذه الخبرة يحتفل كلّ يوم بالزّمن الجديد. هكذا، في الكنيسة الأولى كانوا يحتفلون في كلِّ غروبٍ بهبة الحياة الَّتي منحها الله لخليقته، فكانوا يُقيمون ذكرى الخلق مع إشعال سراج المساء. وهذا ما زلنا نحتفل به يوميًّا في صلاة الغروب الطَّقسيّة الَّتي تُقيمها الكنيسة كلَّ يوم، إذْ نَقْرَأ مزمور الغروب (103) الَّذي يستذكر عمل الخلق الَّذي أتمّه الله في سبعة أيام، ونرتّل نشيد الخلق بتمجيد الثَّالوث القدّوس الَّذي له “العالم يُمجِّد”.
زمننا الجديد، ورجاؤنا بالحياة الأفضل ينبثقان مِنْ عَيْشنا لإيماننا بربّنا يسوع المسيح الَّذي جدَّد خلقنا بعمله الخلاصيّ من التّجسّد إلى الولادة فالكِرازة وصنع المعجزات والصّلب والقيامة والصّعود إلى السّماوات بالجسد وجلوسه عن يمين الآب وإرساله الرُّوح القدس ومجيئه الثّاني المَجيد. كلّ هذه الأحداث الخلاصيّة هي حياتنا الجديدة الَّتي نحياها في الأسرار ولا سِيَّما سِرّ الشّكر. الكنيسة هي الحياة الجديدة وهي ملكوت الله في المسيح يسوع بالرُّوح القدس بمسرّة الله الآب.
كلّ شيء قد أًعطي لنا حين دخلنا الكنيسة بالمعموديّة والمَيْرُون ومساهمة الأسرار الإلهيّة. كلّ شيء قد صار جديدًا في يسوع المسيح. سبيلناإلى عيش هذا السّرّ هو التزامنا الحياة في المسيح أي في الاقتداء به عبر طاعة وصاياه لكي نحيا كأبناءٍ لله.
الطَّريق واضحٌ وبسيط، لكنّه مستحيل على مَنْ لا يَتَّضِع ويطلُب مِنَ الله أنْ يُغِيِّرَه بنعمته ويثبّته في حفظ مشيئته. “بدوني لا تقدرون أن تعملوا شيئًا” (يو 15: 5)، ولكنْ معي كلّ شيء مُستطاع للمؤمن.
ومن له أذنان للسَّمع فليسمع.
+ أنطونيوس
متروبوليت زحلة وبعلبك وتوابعهما