Menu Close

نشرة كنيستي- أحد الفصح المقدَّس- العدد 16

20 نيسان 2025

كلمة الرَّاعي

عبورنا في المسيح إلى الخليقة الجديدة

المسيح قام! حقًّا قام!

“إنّ فصحَنا المسيحَ المنقِذ قد اتَّضح لنا اليومَ فِصْحًا جديدًا … فِصْحًا للمؤمنين، فِصْحًا فاتِحًا لنا أبوابَ الفردَوْس، فِصْحًا مُقَدِّسًا جميع المؤمنين” (ستيشيرات الفِصح). المسيح هو فِصحُنا أي هو فادينا، هو “حملُ الله الَّذي يَرْفَع خطيئةَ العالَم” (يو 1: 29)، وهو تحقيق ما كان يَرمُزُ إليه الفِصْحُ القديم أي فِصحُ اليَهود مِنْ خلاصٍ عبرَ ذَبْحِ الحَمَل الحَوْليّ الَّذي بِلا عَيْبٍ والَّذي ذُبِحَ لِخَلاصِ إسرائيل مِنَ الضَّرْبَةِ العاشِرَة لِفِرْعَوْن والَّتي فيها قُتِلَ كلّ بِكْرٍ، حيث طلب موسى إلى العبرانيّين أن يأخذوا “مِنَ الدَّمِ وَيَجْعَلُونَهُ عَلَى الْقَائِمَتَيْنِ وَالْعَتَبَةِ الْعُلْيَا فِي الْبُيُوتِ الَّتي يَأْكُلُونَهُ فِيهَا” (خر 12: 7)، ليَخْلُصوا بِدَمِ الحَمَل. هذه فَريضةٌ لاسرائيلَ القديم انتَهَتْ مع ذَبْحِ “حَمَلِ الله الرَّافِعَ خطايا العالم” (يو 1: 29)، الَّذي خَلَّصَ البَشرِيَّة كلَّها مِنْ عُبودِيَّةِ إبليس إذْ غَلَبَهُ على الصَّليب مُفَجِّرًا مملكته بالحُبِّ الغافِر والرَّحيم. المسيح هو، إذًا، عبورنا مِن عالم الاستعباد إلى عالم الحُرِّيَّة، ومِن عالم الموْت إلى عالم الحياة، ومِن الحَسَد إلى المحَبَّة، ومِن الظُّلمة إلى النُّور… هذا كلّه تَمَّمَهُ في ذاتِهِ لمّا قَبِلَ طَوْعًا مَوْتَ الصَّليب طاعَةً لله الآب مُجدِّدًا بذلك حُرِّيَّةَ الإنسان في اختيارِهِ الله بالكُلِّيَّة حياةً له مُزيلًا بذلك نتائج سقطة حُرِّيَّةَ آدَمَ الأوَّل مِن مَحَبَّةِ الله، مانِحًا تاليًا المؤمنين به الخَلاص باختيار الله فيه (أي في المسيح) أي في الإيمان به مُنقِذًا من عُبودِيَّة الشَّيطان والعالم السَّاقِط عبر سِرِّ الحُبِّ الإلهيّ غَيْرَ المحدُود الظّاهِر على الصَّليب.

*             *             *

الإنسانُ في عبورٍ مُستمرٍّ ودائمٍ في الزَّمان والمكان لأنّ الحياة متحرِّكة وكلّ لحظةٍ تَمُرّ في حياتنا هي موْتٌ وخَلْق، موْت عن حياةٍ مَضَتْ وخَلْق حياة للمُستقبل، وكلّ لحظةٍ تَحِملُ في ذاتها هذه الدِّينامِيَّة الوُجودِيَّة، مِنْ هُنا في كُلِّ لَحْظَةٍ يوجد إمكانيَّة عَيْشِ هذه الحَرَكَة مِنَ الموْت إلى الخَلق كحَرَكَةِ مَوْتٍ عَن عَتاقَةٍ وانْوِجادٍ في خليقةٍ جديدةٍ بوَاسِطَةِ سِرِّ التَّوْبَة، وفي هذا نَخْتَبِر ونتذَوَّق سِرَّ الحياة الأبديَّة في فَرَحِ البِدايات الجديدة بنعمة الله ورحْمَتِهِ وحَنانِه. كما يُمكن للإنسان أنْ يَعيشَ هذه الدِّيناميّة كخبرةٍ للجَحيم حين يَموتُ فيه الخير ويمتدُّ وُجودُه بالشَّرّ والخطيئة وعبودِيَّة الأهواء فيتذَوَّق منذ الآن طَعْم الجَحيم… عَمَلِيًّا، يَحِيَا الإنسان في تَذَبْذُب بين هاتَيْن الخبرتَيْن طالما هو غيرُ ثابِتٍ في خَيارِهِ لأنَّه لم يتَّخِذْ قَرارًا نهائِيًّا بالسَّيْرِ في طاعَةِ الله لِيَصيرَ إنسانًا فِصْحيًّا عبر قبولِهِ حَمْل الصَّليب وَراءَ يَسوع المسيح… لِنَدْخُل سِرَّ الخليقة الجديدة علينا أنْ نَقْبَلَ سِرَّ الصَّليب والموْت والألم المُحرِّر فِصْحًا لِحَياتِنا أي طَريقًا وَحِيدًا نَعْبُرُ به إلى القِيامَة وإلى الحياة الجَديدة حيث السَّلام الَّذي لا يُنزَع منّا…

*             *             *

أيُّها الأحِبَّاء، فلْنَرفع قلوبَنا إلى فَوْق مِن حيثُ يأتي النُّورُ الإلهيّ ولنَدخُل إلى أعماقِ قلوبِنا لِنَبْحَثَ عنه (أي النُّور)، لأنّنا حين اعتَمَدنا بالمسيح لَبِسْنا المسيح وسَكَنَ فينا روحُهُ القُدُّوس، صار اللهُ فينا ساكِنًا بنِعمَتِهِ وجَدَّدَنا بميلادِ المعموديّة على صورته ومِثاله. حياتنا اليوم يجب أن تَكون مَسيرةً فِصْحِيَّةً بقوَّةِ قِيامَةِ الرَّبّ يسوع السَّاكن فينا بالنِّعْمَة الَّتي بها يَمنحُنا القدرة على غَلَبَةِ أهوائنا وخطايانا وعلى مُحارَبَةِ روح العالم الَّذي يَشُدُّنا إلى أسفل عبر شَهَواتِ الهَوان المتمَحْوِرَة حولَ إرضاءِ الأنا. فِصحُنا هو عبورُنا منَ الأنا إلى الأنت بالحُبِّ، أي بإلْتِزَام الآخَر وعَيْشِ حياةِ الشَّرِكَة معه وقبوله ودعمه وإسناده، لتنمو بالشَّرِكَة روحُ الوَحدة معه. فقط في المسيح وبنعمته نستطيع تحقيق هذا الأمر، لأنّ هذا لا يتحقَّق إلَّا بالغُفران والرَّحْمَة، أي بتَطْهيرِ قلوبنا، أوَّلًا، لنستطيع أن نمتدَّ نحو الآخَر، ثانيًا، بِنَقَاوَةٍ كَيانِيَّةٍ تَجعلُنا نَرَى المسيح فيه (أي في الآخَر) وتجعل المسيح الكلّ في الكلّ في عيوننا…

*             *             *

يا ربُّ أنتَ مَلِكنا وسَيِّد حياتنا، أنتَ أنقذتَنا بِمَسيحِكَ وابنِكَ الحَبيب مِنْ سُلطان الشّرّير وحَرَّرْتَنا مِن عُبودِيَّتِهِ، امنَحْنَا في هذا الفِصح الآن أنْ تَمْتَدَّ غَلبَتُكَ في حياتنا إلى كُلِّ أوانٍ بِتَغييرِ أذهاننا وأفكار قلوبنا وبتطهير كياننا من كلِّ دَنَسٍ ونَجاسة، وبتجدُّدِنا بِمَحَبَّتِك في طاعَةِ كلمَتِكَ المُحيِيَة وفي مَحَبَّةِ إخوَتِنا البشر على مِثالِ ذَبيحَةِ حُبِّكَ الَّذي أظْهَرْتَهُ لنا على صليب مَجْدِكَ حَتَّى نَغْلِبَ به موت الكبرياء والأنانيّة، والحَسَد وحُبِّ المال والسُّلطَة واللَّذَة، ورَفض الآخَر وإقصاءِه… وامنحنا أنْ تَتَنَقَّى قلوبَنا مِنْ كُلِّ دَنَسٍ وظُلمَة لكي نَستنيرَ بِنُورِ مَعرِفَتِكَ الإلهيَّة في سِرِّ قِيامَةِ ابْنِكَ الوَحيد فَنَرَى هذا العالم بِعَيْنَيِكَ ونُحَقِّقَهُ بِنِعْمَةِ روحِكَ القُدُّوس إذْ نَشْتَرِك في سِرِّ تَجديدكَ للخليقة بالقِيامَةِ سالِكينَ في الحَقِّ والرَّحْمَةِ والمَغْفِرَة والمسامَحَة والبَذْلِ والعَطاء بِسرُورٍ، فتَكشِف فينا للعالَم شيئًا مِنْ سِرِّ فَرَحِ ملكوتكَ الآتي وسلامه… أعطنا أنْ نأتي منك إلى العالم بالقِيامَةِ مِنْ سِرِّ الآخِرَة والحياة الأبديَّة لِبَثِّ الرَّجاء بحياةٍ أفْضَل (يو 10: 10) في مَسيحِكَ النَّاهض مِنْ بينِ الأموات…

اِرفَع يا رَبُّ عن عالَمِكَ الحُروب والقتل والدَّمار والظُّلم والانحرافات وكلّ شَرٍّ حاصِلٍ وامْنَح تَعزِيَةً وخلاصًا للمَظلومين والمتألِّمين والحَزانى وأشْرِق نورَ قيامَتِكَ على الخَليقَةِ كلِّها إلى أنْ تأتي في مَجْدِكَ لِتَدينَ الأحياء والأموات… “تَعَالَ أَيُّهَا الرَّبُّ يَسُوعُ” (رؤ 22: 20).

المسيح قام! حقًّا قام!

+ أنطونيوس

متروبوليت زحلة وبعلبك وتوابعهما

مواضيع ذات صلة