نشرة كنيستي- الأحد بعد عيد رفع الصَّليب- العدد 38
17 أيلول 2023
كلمة الرّاعي
صليب الحقّ وأبناء الظُّلمة
”وَهذِهِ هِيَ الدَّيْنُونَةُ: إِنَّ النُّور قَدْ جَاءَ إِلَى الْعَالَمِ، وَأَحَبَّ النَّاسُ الظُّلمة أَكْثَرَ مِنَ النُّور، لأَنَّ أَعْمَالَهُمْ كَانَتْ شِرِّيرَةً“
(يو 3: 19)
لا مجال بعد اليوم للمُهادَنَة في الشَّهادَةِ للحَقّ، لأنّ أبناء الظُّلمة يُريدون أن يُضِلُّوا العالم كلّه وبخاصّة أبناء النُّور. النُّور هو الله، ولا نور خارجه، ومَنْ عَرَفَ الله الحَقّ استنار وسَلَكَ في النُّور وأنار. أمّا الَّذين يَعيشون لِشَهواتِ أجسادهم وكبريائهم فقد اختاروا الظُّلمة لِيَعيشوا فيها، حيث يُخدعون بأنوار إبليس الكاذبة. هؤلاء يصحُّ فيهم قَوْلُ الرَّبِّ: ”أَنْتُمْ مِنْ أَبٍ هُوَ إِبْلِيسُ، وَشَهَوَاتِ أَبِيكُمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَعْمَلُوا. ذَاكَ كَانَ قَتَّالًا لِلنَّاسِ مِنَ الْبَدْءِ، وَلَمْ يَثْبُتْ فِي الْحَقِّ لأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ حَقٌّ. مَتَى تَكَلَّمَ بِالْكَذِبِ فَإِنَّمَا يَتَكَلَّمُ مِمَّا لَهُ، لأَنَّهُ كَذَّابٌ وَأَبُو الْكَذَّابِ“ (يو 8: 44).
اليوم، الحرب قائمة بين الحَقِّ والباطل وبين الصِّدْقِ والكَذِب. إبليس كشف نفسه هو وأتباعه، لم تَعُد الحرب خفيّة بل صارت عَلَنِيَّة وظاهرة. قبلًا، كان النَّاس يخجلون مِنْ ذِكْرِ القبائح والخطايا، أمّا في هذا الزّمن فقد صار النَّاس ”يفتخرون“ بأهواء وشهوات الهوان الّتي يُرَوِّجون لها باسم حرّيّةٍ كاذبة هي الوجه الظّاهر لعبوديَّة كلّيّة لـ ”رئيس هذا العالم“ (يو 12: 31) أي إبليس.
* * *
الحَقَّ للضّالين صليب، ولِعَبيد منطق العالم العِفَّة عثرة ودينونة. المسكونة في مسيرة تحوّل إلى سدوم وعمورة، هذا دأب أبناء هذا الدّهر في جهودهم. لكن، لا غلبة للــشّـــرّ نهائيّة بل الـــشّـــرّ مغلوب أبدًا في الَّذي ”عُلِّق على خشبة“.
خطّة موضوعة لإفساد الإنسان من خلال تشريع الشُّذوذ الجنسيّ والتَّشجيع عليه وغسل أدمغة الأطفال لخرب حياتهم. دول تعمل على تنفيذها. لا فرصة بعد للحوار في هذه المسائل، الموقف الصّلب والحازم مطلوب، ووضع خطّة مواجهة أمرٌ لا بُدَّ منه.
لا يستطيع المؤمنون أن يقفوا مكتوفي الأيدي ومكمومي الأفواه، عليهم دور في الشَّهادة للحقّ. حربٌ عَلَنِيَّة لا بدّ منها على هذا الفساد وعلى كلّ من تسوّل له نفسه العمل على إفساد الطُّفولة البريئة. الإنسان صورة الله وهذه هي حقيقته الجوهريّة الّتي تحدّد هويّته الحقيقيّة: ”بَلْ نَظِيرَ الْقُدُّوسِ الَّذِي دَعَاكُمْ، كُونُوا أَنْتُمْ أَيْضًا قِدِّيسِينَ فِي كُلِّ سِيرَةٍ“ (1 بط 1: 15).
القداسة تَشَبُّهٌ بالله أي هي عكس ما يُرَوَّج له اليوم من تَشَبُّهٍ بالعالم المخلوق وبالأشياء والبهائم كما هي الموضة الّتي تتصاعد في الشّهرة هذه الأيّام…
* * *
أيُّها الأحبّاء، يوصي الرَّسُول بولس المسيحيّين بالابتعاد عن أعمال المَعْصِيَة الّتي تجلب غضب الله قائلًا: ”أَمِيتُوا أَعْضَاءَكُمُ الَّتِي عَلَى الأَرْضِ: الزِّنَا، النَّجَاسَةَ، الْهَوَى، الشَّهْوَةَ الرَّدِيَّةَ، الطَّمَعَ الَّذِي هُوَ عِبَادَةُ الأَوْثَانِ، الأُمُورَ الَّتِي مِنْ أَجْلِهَا يَأْتِي غَضَبُ اللهِ عَلَى أَبْنَاءِ الْمَعْصِيَةِ …“ (كو 3: 5 و6). خطايا الإنسان تدمِّر الكَوْنَ، وبِرُّ الإنسان يبنيه. لا ينفصل مصير الكون عن مصير الإنسان، وما يزرعه الإنسان في ذاته يحصده في الكون، إذا زرع برًّا حصد سلامًا وراحة وإذا زرع شرًّا حصد اضطرابات وخراب، ”مَلْعُونَةٌ الأَرْضُ بِسَبَبِكَ“ (تك 3: 17).
رسالتنا وشهادتنا للحَقّ صليب للعالم، لأنّ العالم فاسد، ودورنا كمؤمنين هو أن نحمل بفخر صليب الحبّ الإلهيّ رافعينه راية نور في وجه ظلمة أبناء هذا الدّهر، وسيفًا قاطعًا بإزاء كلام الضَّلال يفصل بين الحَقِّ والباطل.
الظُّلمة ستُباد بنور المسيح السّاطع من كنيسته المقدَّسة وفي أبناء النُّور، وشرّ الضَّلالة سينطفئ بمحبّة الحَقِّ، وكلّ فاسد ومنحرف وشاذّ مدعوّ إلى التّوبة، وكلّ مُفْسِدٍ يُميته غِيُّه، ومن يسمع لنداء الرُّجوع إلى ”الطّريق والحَقِّ والحياة“ (يو 14: 6) تنسكب عليه نعمة ورحمة للخلاص…
ومن له أذنان للسَّمْعِ فَلْيَسْمَع…
+ أنطونيوس
مـتروبوليــت زحلة وبعلبك وتوابعهـما