“يا بنيّ اعطني قلبك”
“ثمرة الصلاة والصوم هي المحبة الفاعلة بالايمان، هي العطاء الناجم عن الصوم، اي ان يعطي الانسان نفسه”
صلاة النوم الكبرى في كنيسة النبي الياس- نيحا ٦ آذار ٢٠٢٣
ترأس صاحب السّيادة المتروبوليت أنطونيوس(الصوري) الجزيل الإحترام صلاة النوم الكبرى في كنيسة النبي الياس – نيحا وعاونه في الخدمة قدس الآباء ستفانوس (أبو فيصل)، بورفيريوس(إبراهيم)
والشماس ديونيسيوس(الأشقر).
استهل صاحب السيادة حديثه بشكر الله على مشاركة الصلاة مع كل الحاضرين متمنياً لهم صوماً مباركاً.
ثم بدأ بشرح معنى الصوم الذي اعتبره مسيرة حياة، لا بل أن الحياة كلها هي مسيرة صوم، وذلك لأن الإنسان في حياته مدعو الى ان يصوم دائما عن كل ما يبعده عن الله، فالصوم منهج حياة، هو ليس مرحلة نعبر فيها، هو رؤية لمعنى وجود الانسان يحيا بموجبها.
وشدد سيادته على اهمية الاصوام التي وضعتها لنا الكنيسة لكي نتدرب وننمو في الروح على مدار السنة.
وسأل سيادته عما كانت اول وصية أعطاها الرب للإنسان… وأجاب أن الوصية الأولى هي الصوم!!!
إذ طلب الله من آدم أن لا يأكل من شجرة معرفة الخير والشر، هذا كان اول صومِ وضعه الرب للانسان، هدفه ليس ان يصوم عن الطعام بل عن مشيئته ويطيع كلمة الرب، التي ستعطيه الحياة الحقيقية. أراد الرب لآدم أن ينمو في محبة الله بالطاعة للوصية فيكبر بالروح ويقتني التمييز. هكذا أيضا لا يقدر الانسان ان يكون انتقائيا في الصوم ، هذا ليس صوما نافعاً،
على الانسان المؤمن ان يطيع الكنيسة وأن لا يضع قوانين صوم خاصة به لأنه بذلك يقع في المشيئة الذاتية اي في الكبرياء وهذا عكس هدف الصوم؛
هذا ما حصل مع حواء عندما تحاورت مع الحية فأغرتها لتصنع مشيئتها بأكلها من الشجرة وأن تصبح مستقلة عن الله.
هذا هو موقف الانسان الذي يتمتع بالسلطة والقوة إذ يظن أنه قائم بسلطان ذاته ولا يحتاج إلى الله، لكنّ كاتب المزامير يقول (١٠٢) يقول:
“الإنسان كالعشب أيامه. وكزهر الحقل كذلك يزهر. لأنه إذا هلت في الريح لا يثبت، ولا يعرف أيضا موضعه…”
مما يعني ان تجربة الإنسان في العمق هي حبّه للتسلط، لذلك يجب على الانسان ان يعرف انه ملك لان الرب وضعه ملكا، ونحن نكون ملوكا عندما يعيش الرب في داخلنا ونصنع مشيئته أي المحبة.
لذلك، اذا لم نفكر بالقريب فنحن لا نحيا في محبة الله.
هذا ما يأمر به الله في (إش 58: 7): “أَلَيْسَهذا صوم اختاره أَنْ تَكْسِرَ لِلْجَائِعِ خُبْزَكَ، وَأَنْ تُدْخِلَ الْمَسَاكِينَ التَّائِهِينَ إِلَى بَيْتِكَ؟ إِذَا رَأَيْتَ عُرْيَانًا أَنْ تَكْسُوهُ، وَأَنْ لاَ تَتَغَاضَى عَنْ لَحْمِكَ”،
أي ان الصوم ليس امتناعا عن الطعام بل هو مشاركة ما لدي من خيرات مع الآخر.
ان ثمرة الصلاة والصوم هي المحبة الفاعلة بالايمان، هي العطاء الناجم عن الصوم، اي ان يعطي الانسان نفسه، لان هذا هو ما يطلبه الرب منا: “يا بني اعطني قلبك”، هذا هو العطاء الحقيقي، ان يكون قلبي للرب وهكذا اعطي بفرح.
المهم ان يتعلم الانسان محبة الله من خلال خبرة الصوم والصلاة، التي تجعله يعيش بهاجس ان يكون مع الله دائما وان يعيش في حضرة الله الدائمة، في كل وقت وزمان ومكان.
فالإنسان لا يستطيع أن يهرب من وجه الله (المزمور ١٣٨): ” أَيْنَ أَذْهَبُ مِنْ رُوحِكَ؟ وَمِنْ وَجْهِكَ أَيْنَ أَهْرُبُ؟
إِنْ صَعِدْتُ إِلَى السَّمَاوَاتِ فَأَنْتَ هُنَاكَ، وَإِنْ فَرَشْتُ فِي الْهَاوِيَةِ فَهَا أَنْتَ.
إِنْ أَخَذْتُ جَنَاحَيِ الصُّبْحِ، وَسَكَنْتُ فِي أَقَاصِي الْبَحْرِ، فَهُنَاكَ أَيْضًا تَهْدِينِي يَدُكَ وَتُمْسِكُنِي يَمِينُكَ”.
… الرب معنا في كل الاحوال اذا كنا معه او لا…
الصوم هو تدريب على ان نحيا في حضرة الله الدائمة، من خلال سعينا ان نصوم عن مشيئتتا، عن كل ما يبعدنا عن الله، أن نصوم عن كل تعلقاتنا حتى نتعلق بالوحيد الواحد الله الذي هو حياتنا.
هكذا نتحرر ونحب الجميع من دون أن نكون عبيدا لأحد.
هذا ما نسعى إليه في الصوم أن لا نكون أسرى لا لطعام، أو لمال أو لإنسان، بل ان نكون أبناء الله الأحرار، فنكتسب صفات الرب التي بها وفيها نحيا واليها نصبو.
في نهاية حديثه، تمنى صاحب السّيادة من الرب أن يعطينا أن ننمو في هذا الصوم وندخل في حرية اكبر، ان نتعلم ان نطيع الرب اكثر وأن نحيا كأننا أمامه في كل حين ونسلك كابناء الله صانعين مشيئته في كل شيء، حتى نصل إلى يوم القيامة ونحن قد تغيرنا.
بعد انتهاء الصلاة اتجه صاحب السيادة الى قاعة الكنيسة حيث اجتمع بأبناء الرعية قي قاعة الكنيسة حيث كان له معهم حديث روحي شيق.