الصوم هو زمن سعينا لاقتناء السلام الداخلي اي طلب سكنى روح الرب في قلوبنا والذي هو مصدر كل سلام وأمان وفرح ومحبة.
صلاة النوم الكبرى في كنيسة القديس نيقولاوس
مشغرة، ٧ آذار ٢٠٢٣.
ترأس صاحب السّيادة المتروبوليت أنطونيوس (الصوري)، الجزيل الاحترام، صلاة النوم الكبرى في كنيسة القديس نيقولاوس العجائبي-مشغرة، وعاونه في الخدمة قدس الإكسرخوس الأب متري(الحصان)، الأب بورفيريوس(ابراهيم) والشماس ديونيسيوس (الأشقر).
استهل صاحب السّيادة عظته متمنيا لأبناء الرعية صوما مبارك. وفي عظته أوضح سيادته أن زمن الصوم زمن بركة لانه زمن سعينا الى السلام الداخلي بكثافة.
نحن كمؤمنين نطلب السلام الداخلي دائما اي نطلب أن يسكن فينا روح الرب الذي هو مصدر كل سلام وأمان وفرح ومحبة.
فقد وضعت لنا الكنيسة بعض الاصوام حتى نكثف هذا السعي الذي يرتبط بشكل جوهري بتوبتنا التي هي مصالحة مع الله والانسان والقريب. فالانسان الذي يطلب أن يقتني سلام الله في داخله هو الانسان التائب.
وسأل صاحب السّيادة ما هي التوبة؟ فأجاب أن التوبة هي وصيّة الرب لنا منذ العهد القديم (يوئيل ٢: ١٢-١٤ ):
“يَقُولُ الرَّبُّ، ارْجِعُوا إِلَيَّ بِكُلِّ قُلُوبِكُمْ، وَبِالصَّوْمِ وَالْبُكَاءِ وَالنَّوْحِ. وَمَزِّقُوا قُلُوبَكُمْ لاَ ثِيَابَكُمْ». وَارْجِعُوا إِلَى الرب إلهكم…”
في العهد القديم كانوا يستعملون المظاهر الخارجية للتعبير عن توبتهم (وضع الرماد على الرأس، الجلوس قرب المزبلة، لبس المسوح…) ولكن هذه المظاهر يمكن أن تصبح شكلاً دون مضمون، من هنا نفهم قول الرب يسوع المسيح لنا في (مت 6: 17): “وَأَمَّا أَنْتَ فَمَتَى صُمْتَ فَادْهُنْ رَأْسَكَ وَاغْسِلْ وَجْهَكَ”، أي عندما تصوم تغسل وجهك… لتكون في أفضل حالة فلا يعلم أحد انك صائم سوى الله.
والتوبة هي حركة داخلية في النفس ولا يجب أن تُكشف للناس لانه لحظة كشفها يأتي الشيطان ويصطادنا بالكبرياء فنعتقد اننا أصبحنا أبرارا.
وشرح صاحب السّيادة كيف أن التوبة الحقّة هي عندما ندرك اننا خطأة ، متَّسخون بخطايانا، نعرف تعتيرنا فندرك مدى حاجتنا لله، ولكن طالما يظن الإنسان انه مكتمل في نفسه وليس بحاجة لإصلاح او تغيير لحياته عندها تكون التوبة مستحيلة.
انطلاقاً من حاجتنا الى التوبة، شدد سيادته على اهمية الصلوات اليومية في هذا الزمن لانها تركّز على التوبة.
فالتوبة هي ان اطلب ان اكون بسلام مع الله ومع نفسي ومع الآخر لان كل خطيئة يصنعها الانسان هي ضد الله وضد نفسه وضد الآخر…
في إنجيل(متى ٢٢:٥) يقول “إِنَّ كُلَّ مَنْ يَغْضَبُ عَلَى أَخِيهِ بَاطِلاً يَكُونُ مُسْتَوْجِبَ الْحُكْمِ، وَمَنْ قَالَ لأَخِيهِ: رَقَا، يَكُونُ مُسْتَوْجِبَ الْمَجْمَعِ، وَمَنْ قَالَ: يَا أَحْمَقُ، يَكُونُ مُسْتَوْجِبَ نَارِ جَهَنَّمَ.” فكم نحن بحاجة للتوبة بشدة، حتى لا ندين الآخر في داخلنا بل نبرره وندين انفسنا، لكي ينظر الرب إلى اتضاعنا ويعينا على انفسنا، فعدوّ الانسان الأول هو نفسه.
فمنذ العهد القديم نقرأ أن الإنسان ميال للشر (تكوين ٦)، وتساءل سيادته عن السبب؟
فأجاب إن بيئة الإنسان أصبحت الخطيئة متغلغلة فيها، وجاء الناموس في العهد القديم ليكشف الخطيئة للإنسان حتى يطلب منه التوبة.
ثم انتقل الى العهد الجديد حيث تكلم عن مجيء الرب الذي قال “توبوا” وأعطانا القوة على التوبة وعلى التحرر من الخطيئة.
وقارن بعدها العهدين القديم والجديد بحيث ان العهد القديم يكشف الخطيئة بالناموس ولكنّ الناموس لا يحرر الإنسان منها في حين ان الرب يسوع يكشفها ويحررنا منها بقوة قيامته وبنعمة الروح القدس التي نأخذها عندما نتوب اليه.
من هنا شدد صاحب السّيادة انه لنعيش الصوم ويكون وسيلة لنتغيّر يجب ان نسلكه بالتوبة. ولكن هذا التغيير بحاجة لقرار… ولاتباع بعض النقاط الاساسية التالية:
اولاً، أن نعرف خطيئتنا
ثانياً، أن نرفضها
ثالثاً، أن نعمل لنتحرر من الخطيئة وذلك من خلال الصلاة والصوم والاعتراف حيث يقرّ الانسان بخطيئته أمام الله والكنيسة حتى يحصل على الغفران بواسطة الكنيسة من خلال الكاهن الذي يمنحه المصالحة مع الله ومع الآخر ونفسه والمسامحة من الله عن كل خطيئة. هكذا فقط يرتاح قلب الإنسان.
السلام الداخلي يتحقق بالتوبة عندما يبدأ الانسان بانتزاع الأحمال والاثقال عن ظهره ومن قلبه.
والصوم والصلاة وخاصة المزامير والافاشين والقراءات من الكتاب المقدس تساعدنا كثيرا في توبتنا.
وانهى سيادته كلمته بالدعاء إلى الرب ان يعطينا طلب هذه المصالحة الشاملة مع الله والاخر والذات حتى نسير في الطريق نحو القيامة لكيما حين نحتفل بقيامة الرب نكون قد أصبحنا بشراً جددا، قد تحررنا من القيود وازلنا عنا بنعمة الله أثقال واحمال الخطيئة ودخلنا في حياة جديدة أحرارا، فرحين وبسلام.
بعد ختام الصلاة، انتقل الجميع إلى قاعة الكنيسة حيث كان لصاحب السّيادة حوار مع ابناء الرعية.