نشرة كنيستي- الأحد (6) بعد العنصرة- العدد 29
16 تمّوز 2023
كلمة الرّاعي
صادقةٌ هي الكَلِمةُ
”وَالْكَلِمَةُ صَارَ جَسَدًا وَحَلَّ بَيْنَنَا، وَرَأَيْنَا مَجْدَهُ، مَجْدًا كَمَا لِوَحِيدٍ مِنَ الآبِ، مَمْلُوءًا نِعْمَةً وَحَقًّا“ (يو 1: 14)
كلمة الله حقّ. هي صادقة. لا مجال لمُناقَضَتِها، ولو تفلسف البشر بسبب أهوائهم. كلمة الله يقبلها الإنسان ويُطيعها لتصير له حياةً أبديَّة وقوّة الله في العالم. كلمة الله فاعلة مُحَقَّقَة. الله أتانا بـ ”الكلمة“ الابن الوحيد الَّذي صار إنسانًا لأجلنا. هو أَتْحَدَ في أقنومه الطَّبيعتَيْن الإلهيَّة والبشريّة، فتألَّهت طبيعتنا فيه وصار لنا وَحدَة مع الله بيسوع المسيح.
كلّ حياة الإنسان أُكْمِلَت في يسوع لأنّه حقَّق إنسانيّتنا الكاملةهو الإنسان الكامل والإله الكامل. هو كلمة الله الصَّادقة إلى العالم، “لأَنَّهُ هكَذَا أَحَبَّ اللهُ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ، لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ، بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ” (يو 3: 16).
تجسُّد الكلمة هو تجسُّد الله المحبَّة غير المَحدودة ولا المَحصورة ولا المَشروطة. لا يوجد سوى محبَّة واحدة وهي سرُّ الله، ”اَللهُ مَحَبَّةٌ، وَمَنْ يَثْبُتْ فِي الْمَحَبَّةِ، يَثْبُتْ فِي اللهِ وَاللهُ فِيهِ“ (1 يو 4: 16). وكيف نحقِّق محبّتنا لله؟ يجيبنا يسوع: ”اَلَّذِي عِنْدَهُ وَصَايَايَ وَيَحْفَظُهَا فَهُوَ الَّذِي يُحِبُّنِي، وَالَّذِي يُحِبُّنِي يُحِبُّهُ أَبِي، وَأَنَا أُحِبُّهُ، وَأُظْهِرُ لَهُ ذَاتِي“(يو 14: 21). محبَّةُ الله هي حفظ وصايا يسوع، ومَنْ يحبُّ يسوع يحبّه الآب ويكشف له يسوع نفسه أي يعرِّفه سرّ الحبّ الإلهيّ…
* * *
بيسوع المسيح صار لنا شركة مع الله. لكن، ”إِنْ قُلْنَا: إِنَّ لَنَا شَرِكَةً مَعَهُ وَسَلَكْنَا فِي الظُّلْمَةِ، نَكْذِبُ وَلَسْنَا نَعْمَلُ الْحَقَّ“ (1 يو 1: 6)، أي لا نسلك في كلمة الله الصّادقة الَّتي هي خلاص لنا من العبوديَّة والموت وحياة في الرُّوح لا نهاية لها؛ ”يَا رَبُّ، إِلَى مَنْ نَذْهَبُ؟ كَلاَمُ الْحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ عِنْدَكَ“ (يو 6: 68).
كلمة الله متجسِّدة دائمًا أي هي جوهر حياتنا لأنَّنا بها ”نَحْيَا وَنَتَحَرَّكُ وَنُوجَدُ“ (أع 17: 28). المسألة بالنِّسبة للمؤمن ترتبط بتفاعله مع كلمة الله وروحه القدُّوس. الله قد أعطانا ذاته في المسيح الكلمة المتجسِّد فهل نعطيه ذواتنا في تجسيدنا لكلمته حياة لنا؟!…
لا خلاص للإنسان من آلامه إلّا بقوّة الكلمة الإلهيَّة الفاعِلة بنعمة الرُّوح القدس. هكذا تتجدَّد طبيعة الإنسان، وبغير هذا لا جِدَّة بل أوهام نفسانيَّة.
قد يتوهّم الإنسان أنّه يحيا في الرُّوح في حين أنّه يحيا حياة إيمانيَّة عاطفيَّة مبنيَّة على مشاعر خدّاعة قد تدغدغ الإنسان وتحرفه عن الحقّ.
ما سبيل التّمييز بين النّفسانيّ والرُّوحيّ؟ كلمة الله الَّتي يختبر الإنسان قوّتها التّغييريَّة في كيانه بالسّلام الدّاخليّ المتولِّد منها بالنّعمة…
* * *
أيُّها الأحبّاء، إنّ تجسُّد الكلمة كان لكي يثبِّت الخليقة في مشيئة الله الكاملة للإنسان الّتي هي أن يصير الإنسان ”مثل الله“ أي أن يتألّه.
غاية وجودنا أن يصير الله حياتنا، أن نحيا به وفيه وله ومنه. أعطانا الله وجودنا منه بمشيئته، إذْ خَلَقَنا مِنَ العَدَم ولكن لا لكي نصير إلى العَدَم بل إلى الوجود الأبدي فيه بمشيئته. أنا أستطيع أن أرفض الله ومشيئة الله، وهذا هو السُّقوط، لكن هذا لا يعني أنَّ الله غير موجود وأنَّ مشيئتَه لن تتحقَّق. مشيئة الله بالحياة الأبديَّة للإنسان ثابتة، ونتيجة خياري أن أكون معه أو ضدّه يُحدِّد مصيري أي أن أكون في ملكوته ابنًا ووارثًا لحياته بالنِّعْمَة أو أن يصير لي ملكوته وحياته جحيمًا لأنّي اخترت أن أرفضه نهائيًّا، فحرارة حبّه لي تصير حارقة بدل أن تكون دفئًا وحنانًا، ونورُهُ يصير لي مؤلمًا وغير مُحتَمَل لأنّي فضّلت الظَّلمة عليه.
آباء المجمع المَسكونيّ الرّابع أوضَحوا إيماننا الأرثوذكسيّ بالنِّسبَة لمعنى التّجسُّد واتّخاذ الابن لنا باتّخاذه طبيعتنا، فعلَّموا أنّه بهذا الاتّحاد صار لنا الخلاص لأنّ نعمة الله أُعطيت لنا في المسيح وسكنت فينا بالرُّوح القدس فصرنا بها ”شُرَكَاءَ الطَّبِيعَةِ الإِلهِيَّةِ“ (2 بط 1: 4)، صرنا في طبيعتنا مشاركين ما هو لله بالنِّعمة الإلهيَّة عبر اتّحادنا بيسوع بالرُّوح القدس. هذا هو التَّألُّه، أنّ حياة الله سكنت فينا بالنِّعْمَة وصار الله حياتَنا وصارتْ أعماله أعمالنا وأفكاره أفكارنا وأقواله أقوالنا… بالمسيح نَصير مُسَحاء لله الآب بالرُّوح القدس…
هل نُدْرِك مِقْدار النِّعْمَة والسِّرَّ الحاصِلَيْن فينا؟!…
ألا وهبنا الله أن نُخْلي ذاوتنا له ليسكن فينا ويَصير هو حياتنا…
من استطاع أن يقبل فليقبل…
+ أنطونيوس
مـتروبوليــت زحلة وبعلبك وتوابعهـما