نشرة كنيستي- الأحد (14) بعد العنصرة- العدد 39
29 أيلول 2024
كلمة الرّاعي
شهادتنا المسيحيّة في الأزمات والحروب
يُعاني بلدنا اليوم من حرب عاتية مُجرِمَة لا تُوَفِّر أحدًا من خَرابها والموت الَّذي تُخَلِّفه. كما أنَّ غَزَّة تُبَاد ولا من يَسأل. أين حقوق الإنسان وحقوق الأطفال والأبرياء؟ “باطل الأباطيل. الكُلّ باطل” (سفر الجامعة 1: 2). عبثًا يبحث الإنسان عن عدل في هذا العالم، شريعة العالم هي شريعة الغاب، وهذا صار جَلِيًّا، والباقي كَذِب ومصدره أبو الكذب أي إبليس. الخوف يتحكَّم بالبشر، وهناك مَنْ يَستفيد مِنْ هذا ويُغذّي الحقد والكراهية ورفض الآخَر.
لا حلّ للعالم بالعنف والقتل والحروب، هذه مأساة البشريّة إذ يظنّ النَّاس أنَّهم يَأْمَنُون بالقوّة. التّاريخ واضح، لا قوّة دائمة لأحد، تزول امبراطوريّات وتأتي غيرها، ولن يثبت أحد إلى المنتهى، الله وحده سيّد التَّاريخ وهو الغالب أبدًا. العنف لا يُغَلب بالعنف والشّرُّ لا يُقهَرُ بالشّرّ، بل بالمحبَّة والمحبّة فقط…
دوْرنا كمسيحيّين في هذه الأيَّام أن نكون شهودًا للسَّلام الأبديّ الَّذي منبعه المحبَّة الإلهيَّة، وأنْ نحمل عَزاء المسيح للمَضنُوكين والمتألِّمين والحَزانى والمهجَّرين… لأجل تثبيت الإنسانيّة الحقّانيّة وبثِّها بالعمل والفعل في النُّفوس والقلوب والعقول… هكذا يتغيَّر العالم إلى عالمٍ أفضل…
* * *
مُدننا وقُرانا مليئة بأبناء الوطن الَّذين هربوا من الموت والدَّمار، من الحقد والكراهية. إلى أين يَهربون؟!… إن لم يكن إلى وَجْهِ الرَّبّ فلا راحة ولا سلام لهم. نحن علينا أن نكون وجه يسوع إله الرَّحمة والمحبّة والحنان والحَقّ…
لا يُمكننا أن نغلق أحشاءنا عن حاجات إخوتنا في الوطن والإنسانيّة، وعلينا بكلّ ما نقدر عليه وضمن إمكانيّاتنا المحدودة أن نشاركهم ونشترك معهم لكي نخفّف عنهم الحزن والأسى، هذه هي الإنسانيّة الحقيقيّة، إنّها المشاركة والاهتمام. طبعًا، ليس من السَّهل على الإنسان أن يقوم بهذا العمل لأنّه يتطلَّب تضحية وحرمانًا للذّات لكي لا يكون محروم وبائس من قلّة المحبّة. الآن هو زمن العمل والتَّعاضُد والتَّعاطُف، مع الاحترام والتَّقدير، لكي لا يكون إنسان مُهمَلًا متروكًا غريبًا… يسوع المسيح هو اليوم في كلّ وجهٍ خائفٍ وقلق مِنَ الغَد، الغَد بيد الله، أمّا “الآن” فالله يُعطينا أن نجعله مطرحًا لتَجَلِّي حبّه ومجده في من نخدم ونوقِّر لأنّه هو هناك في “إخوته الصِّغار”.
* * *
أيُّها الأحبّاء، أنتم أهل الخير والهمّة والكرم، علينا أن نتعاون جميعًا مع من نستطيع خاصّةً من الجمعيّات المـَحَلِّيَة والعالميّة لأجل مساعدة إخوتنا في الوطن والمحافظة على كرامتهم وإنسانيّتهم، لكي يرى العالم حقيقة الشَّهادة المسيحيّة في هذا الوطن المبارَك ومن خلاله في العالم أجمع، ويعرفوا أنّ خلاص العالم هو بِعَيْش سِرّ الأخُوَّة الَّتي علَّمنا إيّاها يسوع المسيح الإله-الإنسان حين أتى ليخلّص العالم من الموت والشّرّ والخطيئة، والَّتي أوكل إلى الكنيسة والمؤمنين به أن يجسّدوها في العالم، بالمحبّة والعطاء بسرور في سرّ الكِبَر الرُّوحيّ بالاتِّضاع والوداعة، لكي يتحقَّق السَّلام الدَّاخليّ والخارجيّ بنعمة الله في الَّذين يؤمنون.
رسالتنا اليوم إلى العالم أجمع، القريب والبعيد، أنّ هذا الوطن هو أيقونة الحقيقة الإنسانيّة الَّتي أبْدَعَها الله وكَشَفَها في سِرِّ ابنه الوحيد بواسطة كنيسته المقدَّسة وفيها. “أَنْتُمْ نُورُ الْعَالَمِ. لاَ يُمْكِنُ أَنْ تُخْفَى مَدِينَةٌ مَوْضُوعَةٌ عَلَى جَبَل” (مت 5: 14)، ولا يُمكن أن يَخفى بلدٌ موضوع على المنارة ليُنير في العالم كلّه سِرَّ المسيح بالمحبَّة والعَطاء والتَّضحية والمسامحة والمصالحة والخدمة الصّالحة ليكون مكَرَّمًا الإنسان في كلّ حال فيتمجَّد الله في الجميع…
ومن له أذنان للسَّمع فليسمع…
+ أنطونيوس
متروبوليت زحلة وبعلبك وتوابعهما