نشرة كنيستي- الأحد (7) بعد العنصرة- العدد 30
23 تمّوز 2023
كلمة الرَّاعي
رجاء المؤمن
”الرَّجاءُ بالصَّبْرِ وبتعزية الكُتُب“ (رو 15: 4)
الأزمنة الّتي نعيشها أخيريَّة بمنحاها التَّخريبيّ للبشريَّة على كافَّة الصُّعُد الإيمانيَّة والأخلاقيّة والحربيَّة، هذا من جهة، ولكنّها، أيضًا، أخيريَّة بمنحاها التّجَلَّوي لمجد الله في الإنسان، هذا من جهة أخرى. البشريّة تختنق في الشَّرّ الَّذي ينشره المتحكِّمون بالقرارات الكُبرى على صعيد الدُّوَل. الحقد والكراهية وانتهاك إنسانيّة الإنسان باسم الحفاظ على الحرّيّات يتزايد. كأنّه يوجد من يخطّط وينفّذ كلّ ما من شأنه تحقير الإنسان وتشييئه، إذ صار البشر أرقامًا لا أكثر ولا أقلّ في تعاطي الدُّوَل الكُبرى.
أين رجاء الإنسان الضَّعيف؟!… ومَنْ هو القويّ؟!… بحسب مقاييس العالم المال والسُّلْطَة أو التَّسَلُّط يُحدِّدان مَنْ هُوَ القَوِيّ ومَنْ هو الضَّعيف. وبهذا المنطق، القَوِيّ لا يَهُمُّه أمر الضَّعيف لا بل على الأكثر يسعى لاستعباده أو سحقه بشتّى الوسائل…
أين المؤمن من هذا كلّه؟!… ما هو موقفه وموقعه؟!… ما هو دوره؟!…
* * *
المسيحيَّة وُلِدت في العالم مُضطهَدة، رئيس إيماننا ومخلّصنا الرَّبّ يسوع تمجَّد على الصّليب، وهو قال لنا مسبقًا بألّا نخاف لأنّه سيكون لنا في العالم ضِيق، ولكن علينا أن نثق به لأنّه غلبتنا الأبديَّة على العالم، وبه وفيه ومعه نحن نغلب (راجع يو 16: 33). لذلك، يقول لنا الرَّسول بولس” كُلَّ مَا سَبَقَ فَكُتِبَ كُتِبَ لأَجْلِ تَعْلِيمِنَا، حَتَّى بِالصَّبْرِ وَالتَّعْزِيَةِ بِمَا فِي الْكُتُبِ يَكُونُ لَنَا رَجَاءٌ“ (رو 15: 4).
من يقرأ الكلمة الإلهيَّة ويراجع تاريخ الله مع البشريّة ومع شعبه يعرف أنّ تاريخ مملوء قتلًا وخطايا، هذا من ناحية، ومُفعم بالرَّجاء والتّعزية بالله النّاصر المظلوم والمسكين واليتيم والأرملة… الله هو الغالب دومًا، هو سيّد التَّاريخ.
إذا كانت حياتنا على الأرض هي كلّ الحياة فنحن أشقى النّاس، لأنّها تصير حينئذ حياة عبثيّة لا قيمة لها إلّا عند الَّذين يستهلكونها ويتمتّعون فيها بالمال والسُّلطة وملاذّ الجسد. البُعد الأخيريّ للوجود هو ما يعطي الحياة معناها، وهو ما يحدِّد معنى الإيمان بالنِّسْبَة للإنسان. ”وَأَمَّا الإِيمَانُ فَهُوَ الثِّقَةُ بِمَا يُرْجَى وَالإِيقَانُ بِأُمُورٍ لاَ تُرَى“ (عب 11: 1). وإذا أردنا أن نستعرض قافلة المؤمنين الَّذين غلبوا العالم بإيمانهم تضيق بنا الكتب، المهمّ أن نتعلّم منهم ”أَنَّ كُلَّ مَنْ وُلِدَ مِنَ اللهِ يَغْلِبُ الْعَالَمَ. وَهذِهِ هِيَ الْغَلَبَةُ الَّتِي تَغْلِبُ الْعَالَمَ: إِيمَانُنَا“ (1 يو 5: 4).
* * *
أيّها الأحبّاء، حياتنا في المسيح شركة ومشاركة، سند ومساندة، عضد ومعاضدة. ”يَجِبُ عَلَيْنَا نَحْنُ الأَقْوِيَاءَ أَنْ نَحْتَمِلَ أَضْعَافَ الضُّعَفَاءِ، وَلاَ نُرْضِيَ أَنْفُسَنَا“ (رو 15: 1). المسيح صار ضعيفًا لأجلنا، لكي بضعفه يغلب قوّة العالم. لم يعد الضّعيف ضعيفًا في المسيح لأنّه قويّ بالآخَر الَّذي يُرْضيه في الرّبّ. القويّ هو الَّذي يحبّ والضّعيف هو الّذي لا يحبّ. من هنا مأساة العالم والبشريّة أنّهما يسلكان في الأنانيَّة والكبرياء وليس في الحبّ الَّذي هو الحياة ومصدرها ومعناها لأنّ الله حبّ (راجع 1 يو 4: 8 و16).
علينا أن نتكاتف جميعًا لنحيا المحبّة الإلهيَّة الّتي هي النّور الَّذي يطرد ظلمة العالم. بقدر ما نحبّ بعضنا البعض بقدر ما تتزايد بقعة النّور في العالم وتتقلَّص بقعة الظَّلام والظُّلْمَة والحقد والشَّرّ، وبقدر ما ينمو الرّجاء المقرون بالفرح في الصّبر بالمحبَّة الفاعلة بالخدمة لكلّ ضعيف ومحتاج ومتألّم…
من يعاشر الكلمة الإلهيّة في الكتب المقَدَّسَة ينال تعزيةً في الصّبر وقوّة في الرّجاء ويقينًا في الإيمان بأّنه يغلب العالم، لأنّه متى غلبه في قلبه وشهواته وخطاياه وقيوده صار حرًّا منه في الدّاخل والخارج وهو قادر أن يصرخ بفرح ثابت ويقين راسخ: ”لأَنَّ لِيَ الْحَيَاةَ هِيَ الْمَسِيحُ وَالْمَوْتُ هُوَ رِبْحٌ“ (في 1: 21).
الرّبّ يأتي!…
+ أنطونيوس
مـتروبوليــت زحلة وبعلبك وتوابعهـما