شيّعت قيادة الجيش وأهالي بلدة أبلح المؤهل الشهيد جورج معلوف الذي استشهد جراء الانفجار الكارثي في مرفأ بيروت، بحضور حشد من المواطنين والعسكريين. وأقيمت مراسم التكريم اللازمة له أمام المستشفى العسكري المركزي في بدارو، حيث أدّت ثلة من الشرطة العسكرية وموسيقى الجيش التحية والتشريفات اللازمة، وجرى تقليده أوسمة الحرب والجرحى والتقدير العسكري من الدرجة البرونزية، ثم نُقِل الجثمان إلى كنيسة مار مخايل – أبلح ومن بعدها إلى مدافن البلدة. وقد ألقى العقيد محمد الحلبي ممثلاً كلاً من نائب رئيس مجلس الوزراء وزيرة الدفاع الوطني السيدة زينة عكر وقائد الجيش العماد جوزاف عون، كلمة بالمناسبة جاء فيها: “إنّ الكارثةَ التي حلّت بلبنان نتيجةَ الانفجار في مرفأ بيروت هي اختبارٌ لكلّ منّا كما هي اختبارٌ لمجتمعِنا، وكلّنا ثقة في قدرة وطنِنا على الخروج من الأزمة بنجاح، ولنا في تضحيات شهدائنا الأبطال أمثالِ الشهيد جورج حافزٌ يدفعنا إلى إكمالِ المسيرة، وبَذْلِ أقصى طاقاتِنا لبلوغ الغاية المرجوّة”.
كلمة صاحب السّيادة في دفن الشّهيد المؤهّل جورج معلوف
“المحبة تجعل كل شيئٍ لا يقدّر بثمن “.
كلمة صاحب السيادة المتروبوليت أنطونيوس(الصوري) الجزيل الإحترام، في دفن الشهيد المؤهل جورج معلوف في كنيسة القديس الملاك ميخائيل في أبلح :
باسم الآب والابن والروح القدس ، آمين.
أيها الأحباء ، نحن نلتئم لكيما نمجد الله في الذين يحبونه. والذين يحبون الله هم الذين يحبون الانسان.قال الرب يسوع المسيح في الانجيل :” ليس حبٌ أعظم من هذا أن يبذل الانسان نفسه عن أحبائه”.
نحن اليوم أمام جورج شهيد الوطن وشهيد الانسان وشهيد الحق، الذي مع الآخرين قتلتهم يد الغدر ، يد الشر ، ولكن الله أمينٌ أن ينتقم للمظلومين ، هو الذي قال:”انا أجازي لي الانتقام يقول الرب”.
هذا الشاب جورج ابن الكنيسة وابن المؤسسة العسكرية أي هو ابن المحبة والتضحية، ابن الاستقامة والشرف، ابن الحق. إيمانه ثبته في خدمته العسكرية. وخدمته العسكرية جعلته اكثر جهاداً في إيمانه. الحب هو أساس كل شيء، أحب الرب وأحب الوطن. خدم الرب وخدم الوطن في الانسان.لأن الوصية الالهية تقول:”تحب الرب الهك وتحب قريبك كنفسك”.
هذا الشاب الذي بصماته موجودة في هذا الهيكل المقدس ، إذ منذ فتوته عمل وبنى هذا الهيكل مدماكاً مدماكاً.يده روحه محبته مجبولة مع طين هذا المبنى كما أن جسده وروحه انجبلت مع تراب الوطن حين حصل هذا الانفجار ، انفجار الغدر والظلم.
ماذا يعلمنا هذا الشاب،الذي كان مزمعاً أن يدخل الحياة الزوجية قريباً ، قد دخل عرساً سماوياً أبدياً عوضاً عن العرس العربون للعرس السماوي.والعرس في الكتاب المقدس كان دائماً ممزوجاً بالدم رمزاً للبذل والعطاء ، ولهذا ندعو المسيح عريساً لنا:”ها هوذا الختن يأتي في نصف الليل،فطوبى للعبد الذي يجده مستيقظاً…” ألمسيح الختن صار عريساً لنفوسنا بدمه، وجورج صار عريساً للوطن ، عريساً لأحبائه،عريساً لأبناء هذه الرعية وهذه المنطقة بدمه.
دخل الى الحياة بعد ان كان يتوق اليها من خلال الحب . التضحيات قيمتُها في المحبة،لأن المحبة هي التي تجعل كل شيء لا يقدر بثمن.
جورج هذا الانسان للذين عرفوه في هذه الكنيسة والذين عرفوه في خدمته في الجيش يعرفوه انسان سلام ، انسان مسامحة، انسان عطاء، انسان لطف، انسان أخلاق وانسان استقامة. كل هذه الفضائل كان يحياها في كل حياته. وهذا هو الايمان الحق أن نعيش كلمة الله في كل مكان، ليس داخل جدران الكنيسة فحسب وليس في بيتنا فقط ولكن في عملنا وفي كل حركة نقوم بها في هذا العالم.
ماذا نقول عن جورج الانسان الخدوم الذي خدم هذه الرعية ،كما قلت ، منذ فتوته والى يوم استشهاده، خدم بكل حبٍ وبذل وعطاء. هو ابن هذه العائلة الكريمة، الأب والام، الأب الذي تعب وجاهد لأجل بناء هذا الهيكل ، هذا الأب وهذه الأم المؤمنَين اللذين يحبان الله، يحبان الانسان، هما علماه هذا التفاني، علماه هذا الصدق،هما علماه هذه الاستقامة . كما يقول الكتاب المقدس:”من ثمارهم تعرفونهم”. وثمار جورج وثمار والدَي جورج واضحة للعيان. هو كما علمت في لحظة الانفجار الأول طلب من رفيقه أن يبقى داخلاً وذهب بمفرده كي يرى ما يحدث وصار ما صار.وكأنه بسرٍ إلهي اختار أن يسير الى الشهادة ليفتدي رفيقه ،ليفتدي بلاده، ليفتدي وطنه.
دماؤه ودماء الذين استُشهدوا ودماء الذين جُرحوا وأصيبوا لن تذهب هدراً.هذه الدماء روّت أرض بلادنا ، هذه الدماء ستثمر بإذن الله دولة قوية قادرة على حفظ أبنائها ، على إعطائهم حياةً كريمة، دولة يسود فيها القانون، دولة يتساوى فيها الكبير والصغير ، دولة الانسان فيها هو الأول والأهم.
دماؤك يا جورج ودماء الذين استُشهدوا أيضاً معك هي دماء تروي أرضاً ، هي دماء ستثمر لأجيالٍ وأجيال بإذن الله. ستثمر خيراً ،ستثمر سلاماً ،ستثمر حياة ،ستثمر فرحاً لأبناء هذا البلد.
لا يسعنا في هذا اليوم إلا أن نصلي أيضاً لجميع الذين سقطوا ضحايا هذا الانفجار، ولأجل الذين أصيبوا والذين تشردوا من بيوتهم. ونصلي لأجل الوطن ولأجل مؤسساته كلها لا سيما الجيش اللبناني الذي ينتمي اليه جورج.
أنت يا جورج وإن رحلت عنا بالجسد ولكنك موجود في هذه الكنيسة ، كيفما نظرنا نرى بصماتك، أنت يا جورج صلِّ لأجل والديك، لأجل أخيك وأختك، لأجل ابناء رعيتك،لأجل الذين هم رفاقك في الجيش وفي الوطن. صلِّ لأجل هذا الوطن لكي يرفع عنا الرب هذه الضيقة، ويطلقنا الى رحاب الحياة، والى رحاب الخير.
فلتكن دماؤك ودماء الذين استشهدوا معك ، خاتمة للدماء في هذا البلد، وبداية لحياة جديدة لوطننا.
قواكم الله وشددكم جميعاً، الأهل وجميع الأجهزة الأمنية والأصدقاء والأحباء.
علينا أن لا نحزن كمن لا رجاء لهم يا احبا، الفراق صعب ومؤلم، جورج الآن ملفوف بعلم بلاده، لقد صار أرزةً من أرز لبنان،أرزة شامخة، أرزة تعلي شرف هذا الوطن، هو الآن دخل الى فرح العرس الحقيقي،الى فرح الحياة الأبدية.
نطلب لكم السلوان والتعزية، أنتم أبناء الإيمان، تشددوا والرب يعزيكم ويقويكم جميعاً.
المسيح قام حقاً قام.
