في اليوم الثاني من الخُلوةِ الروحيّةِ التي يقيمُها معهدُ القدّيسِ يوحنّا الدمشقيّ اللاهوتيّ، الْتَأَمَتِ عائلة المعهد يومَ الثلاثاءِ 16\آذار\2021، للمُشارَكَةِ بحديثَيْن روحيَّين، عبْرَ مِنصّاتِ التواصلِ الاجتماعيِّ الإلكترونيّةِ.
ألقى الحديثَ الأوّلَ صاحبُ السّيادةِ المطران أثناسيوس متروبوليت أبرشيّة اللاذقيّة وتوابعها، في تمام الساعة 11:00 صباحاً، وكانَ الحديثُ بعنوانِ: “شذراتٌ آبائيّةٌ حولَ روحانيّةِ الصوم”. ابتدأ صاحبُ السيادةِ حديثَهُ بعرضِ بعضِ أقوالِ الشيخِ الروحيّ يوحنا سابا المختصّة بروحانيّةِ الصومِ، مُظهِراً نقاءَ الفكرِ الآبائيِّ وجمالَ الخبرِة الروحيَّةِ التي عاشَها آباؤنا، وقد حاولوا نقلَ بهاءِ هذهِ الخبرةِ للشعبِ، لكي بدورِهِ يتذوّقَ حلاوةَ العيشِ في كنفِ النّعمةِ الإلهيّةِ. وهذا يبدأُ بالتخلّي، وعدمِ التعلّقِ بالدنيويّات، فالجسدُ يشاركُ بالنّعمةِ الإلهيّةِ ويكونُ حاملاً لها. لهذا شدّدَ الآباءُ على صومِ الطعامِ، لأنَّ مفتاحَ كلِّ خطيئةٍ هو البطنُ. ونبّهَ سيادتُهُ أنَّه لا يوجد اجتهادٌ شخصيٌّ في الكنيسةِ، وإنّما تدبيرٌ كنسيّ شامل؛ والتدبيرُ يهدف إلى لخلاصِ نَفْسِ الإنسانِ. وبيَّنَ أنَّ غايتنا ليست العملَ الصالحَ بحدِّ ذاتِهِ، فهو وسيلةٌ، بل اقتناءُ نعمةِ الرّوحِ القدسِ. والتواضع ليسَ مَظهَراً يستمرّ للحظة معيّنة، بل هو مسيرةُ حياةٍ. وفي جوابه عن مدى الاستفادةِ التي يجتنيها العلمانيون من قراءةِ الكتبِ الرهبانيّةِ، قال سيادتُهُ بأنَّ الكتبَ هي مصادرُ خبرةٍ لنا، والخبرةُ الروحيّةُ هي ذاتُها للرهبانِ وللعلمانيينَ، والاختلافُ هو في طريقةِ اختبارِ الحياةِ الروحيّةِ. لذلكَ من الطبيعيٌّ أن يَقرأ العلمانيّونَ كتباً رهبانيّةً.
وكانَ اللقاءُ الثاني مع صاحبِ السّيادةِ المطران أنطونيوس متروبوليت أبرشيّة زحلة وبعلبك وتوابعهما، في حديثٍ روحيٍّ حملَ عنوانَ “التوبةُ وروحُ الصيام”، وذلك في الساعة 4:00 من عصرِ يوم الثلاثاء عينه. بدأ الحديثُ بالتشديد على أهميّةِ التوبةِ، أي أن يغيّر الإنسانُ ذهنه وقلبه، ويدخل معترك الحياة الروحية ليحرّر ذاته من كل ما يقيّدها. لا تتحقَّقُ العودة إلى الله (أي التوبة) إلا بالصوم. عندما كسر آدم الصيام عرّى مزاجيّتَهُ (أي أناه)، وسقطَ. الصومُ دواءٌ، يقبل إليه الإنسان لينعم بصحّةٍ روحيّةٍ وجسديّةٍ جيّدةٍ. الصومُ هو تمرينٌ يقوم به الإنسانُ ليتعلّمَ ضبطَ إرادتِهِ. تحضّرنا الكنيسة لخبرة التوبة الحقيقيّة عن طريق الصوم، للدخول في سرِّ الحياةِ الجديدةِ، سرِّ الفرحِ. فتبدأ من آحاد التهيئة بتحضير المؤمنينَ، من خلال أمثلةٍ ورموزٍ من الكتابِ المقدَّسِ. وقد أكّد سيادته على المعاني الروحيّةِ للأفاشينِ التي تتلى في هذه الفترة المباركة من السنة، مثل “صلاة منسّى”، التي تكشفُ للإنسانِ حقيقةَ سقوطِه وضعفِه، وفي الوقت ذاته، تكشفُ له رحمةَ اللهِ التي لا تُحَدُّ ولا تُقاس. وكذلك صلاة القديس إفرام السوريّ “أيّها الرّبُّ وسيّدُ حياتي…”، التي تأتي أهمّيتها الروحيّة من أنَّ الإنسان يعرف فيها مقدار خطيئته، من دون أن يصيبه اليأس من العودة والتوبة. واختتمَ صاحبُ السّيادةِ حديثَهُ بالتأكيدِ على أنَّ الثمارَ التي تليقُ بالتوبةِ هي ما يكشفُ عن حقيقةِ التغيّر الذي طرأ على الإنسان العتيق، فيحيا بروحِ الله، لا بمشيئة الإنسانِ الذاتيّةِ، ولا يتملّك عليه بعدها أيُّ هوى، فيتشبّه بالمسيح، ويصبح أيقونةً. القديسونَ هم خيرُ مثالٍ على من سلك هذا الطريقَ.